وتحدث عن تسخير الملائكة للناس فقال :
"ونعمَة الله على ابن آدَم في تسخيرِ الملائكة، قال الله تعالى:
"لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ "
أي: بأمر الله عز وجل:
" وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ "فنِعمةُ الله عزّ وجلّ في تسخيرِ هؤلاء الملائكة الذين يحفَظ الله بهم بدَنَه وروحَه من كلِّ من يريد بهم سوءًا، فإذا جاءَ قدَر الله تخلَّوا عنه"
وتحدث عن الهدف من النعم فبين أنه شكر الله فقال :
"والغايَةُ من النِّعَم والحِكمَة من تفضُّل الله على خَلقِه بأنواع العطايا والهِبات هي أن يشكُروه ويسلِموا له ويحمَدوه عزّ وجلّ ويعبدوه لا يشركونَ به شيئًا كما قال عزّ وجلّ:
"وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ "
والهدف من النعم كما الهدف من النقم هو
الفتنة أى الابتلاء كما قال تعالى :
"ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
فهو يعطى الخلق ليعلم أيهم احسن عملا كما قال :
" ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
وأما الحمد وهو العبادة فهى الهدف من خلقنا وليس الهدف من خلق النعم كما قال تعالى :
" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
وتحدث عن نغمة الدين فقال :
"وأجلُّ النِّعَم ـ يا عبادَ الله ـ دينُ الإسلام، فلولا الدّين الإسلاميُّ لصار الناسُ كالعَجماوَاتِ، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكِرون منكَرًا، ولأكَل القويّ الضعيفَ، ولصَبَّ الله العذابَ على الناس من فوقِهِم، وأرسل عليهم العقوبةَ من تحت أرجلهم، ولولا الإسلامُ لما اطمئنَّت الجنوبُ في المضاجع، ولما جفَّت الأعين مِنَ المدامع، ولانحَطَّ النوع الإنسانيّ في منزلة البهائِمِ التي تتسَافد في الطّرُقات
إنَّ الإسلام ـ يا عبادَ الله ـ هو المنّةُ العظمَى، وتكاليفُه ما هي إلا تهذيبٌ للنفوس وتدرُّج بالإنسانِ في مصاعِدِ الكمال، قال الله تعالى:
" مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "
وأوصى الحاضرين بشكر النعم فقال:
"فاشكروا اللهَ على نِعَمه، واستقيموا على دينِه، فإنَّ قومًا غرَّتهم الحياةُ الدنيا وجرَّأتهم النعَم على المعاصي، فخسِروا الدنيا والآخرة، فاحذَروا الغِيَر، فإنَّ الله قائمٌ على كلِّ نفس بما كسَبَت، ولله سنن، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً "
وضرب لنا مثلا بقصة سبأ لما كفروا بأنعم الله فقال :
"فقد قصَّ الله علينا في كتابِه ما فيه العِبرةُ لمن اعتبر، وما فيه النجاة لمن حذِر، "وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ "فكان ممّا قاله الله تعالى وممّا قصَّ الله علينا مِنَ الأمم الماضية قولُه تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ " فتجرّعوا كؤوسَ النّدَم، وفرّقهم الله عزّ وجلّ في البلادِ، وذاقوا وبالَ أمرِهم، وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ "
نعوذ باللهِ من زوالِ نعمته وتحوُّلِ عافيته وفجأَةِ نِقمتِه وجميع سخطه، ولقَد كان سلَف الأمّة رضي الله عنهم يَوجَلون ويخافون ممّا فُتِح عليهم من الدّنيا خشيةَ أن تكونَ طيِّباتٍ عُجِّلت وحسَناتٍ قدِّمت مع أنَّ الله تعالى شهِد لهم في كتابِه وأثنى عليهم رسولُه في سنّتِه، وكانوا يجتَهِدون في العبادةِ والطاعة، ولا يركَنون إلى زهرةِ الدّنيا، ولا يغترّون بزُخرُفِها، فقد رَوَى مسلِم من حديثِ خالِد بن عُمير العَدَويّ قال: خطَبَنا عُتبة بن غَزوان فقال: (ولقد رأيتُني سابِعَ سبعةٍ مع رسول الله ، ما لنا طعَام إلاّ ورَق الشّجَر حتى قرِحَت أشداقنا، فالتقطتُ بُردةً فشقَقتُها بيني وبين سعد بن أبي وقّاص، فاتَّزَرتُ بنِصفِها، واتَّزَر سعد بنِصفِها الآخر، فما أصبَحَ اليومَ منّا أحدٌ إلاّ أصبح أميرًا على مِصرٍ من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكونَ في نفسي عظيمًا وعند الله صغيرًا)
فاقتدوا بهم ـ يا عباد الله ـ في السّرّاءِ والضّراء والثباتِ والاستقامة؛ لتُحشَروا معهم وتفوزوا بحُسن العاقبة، قال الله تعالى:
" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ "
بارَكَ الله لي ولَكم في القرآنِ العَظيم، ونفَعَني وإيّاكم بما فيهِ مِنَ الآياتِ والذّكر الحَكيم، ونفعنا بهديِ سيّد المرسلين وبقولِه القويم، أقول قولي هذَا، وأستغفِر الله العظيمَ لي ولكم ولسائر المسلمينَ من كلّ ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم"
وتحدث الحذيفى عن أن الشكر يكون بثلاث أمور فقال :
فإنَّ شكرَ النّعَم لا يكون إلا بثلاثةِ أمور:
الاعترافُ بحقِّ المنعِم سبحانه وتعالى، وحُبُّ الله تعالى بالقَلب، وصرفُ النعمةِ فيما يحبّ الله عزّ وجلّ، كما قال الرسول :
((أحبّوا الله من كلِّ قلوبكم لما يغذُوكم به من النِّعَم))، ثمّ التحدُّث بذلك باللسان قال الله تعالى:
"وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ "
ثمّ الاجتهادُ في الطاعة والثباتُ على الدّين وترك معصية الله والبُعد عنها والمسارَعةُ إلى فِعلِ الأوامر كما قال عزّ وجلّ:
" اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ"
وكما في الحديثِ عن عائشة قالت: كان رسول الله يقوم من اللّيلِ حتى تتفطَّر قدماه، فقلت: يا رسولَ الله، تفعَل هذا وقد غفَر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟! فقال (ص): ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!))"
الخطأ هو أن الحديث ر يصح فقد رفع الله الحرج عن الرسول(ص) وكل مسلم فى الدين فقال :
" وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
ومن ثم فالرسول(ص) لم يؤذ نفسه بتورم رجله بسبب الوقوف طوال الليل
وذكر الحذيفى حديثا موضوعا فقال :
"واعلموا ـ عبادَ الله ـ أنَّ العبدَ مهما قام به من الطاعَةِ واجتنَب من المعصية ومهما شكرَ الله فلن يستطيعَ أن يؤدِّيَ شكرَ أقلِّ نعمةٍ لله عليه، فقد روى الحاكم وقال: "صحيح الإسناد" من حديث جابِر رضي الله عنه أنّ رسول الله قال: ((إنَّ جبريلَ قال لي: إنَّ لله عبدًا من عباده عبَدَ الله خمسمائة سنَة على رأسِ جَبَل في البَحر، وأخرج الله له عَينًا عَذبة وشَجرةَ رُمّان تخرِج له في كلِّ ليلةٍ رمّانة، يتعبَّد يومَه فإذا أمسَى نزل فأصابَ مِن ذلك، ثم قام لصلاتِه فسألَ الله ربَّه عندَ الأجَلِ أن يقبِضَه ساجدًا حتى يبعثَه ساجدًا فاستَجَاب الله له، فنَجِد له في العِلمِ أنّه يُبعَث يومَ القِيامة ويوقَف بين يديِ الله فيقول له الربّ: أدخِلوا عبدي الجنةَ برحمتي، فيقول: ربِّ بل بعمَلي، فيقول الله: قايِسوا عبدِي بنِعمتي عليه وبِعَمله فتوجَد نِعمَة البَصر أحاطت بعبادةِ خمسمائة سنَة، وبقِيت نِعمة الجسَد فضلاً عليه، فيقول الله: أدخلوا عبدِي النار، فيُجرُّ إلى النار، فينادي: ربِّ برَحمتك أدخلني الجنة، فيقول الله: ردّوه، فيقول: يا عبدِي مَن خلَقَك ولم تك شيئًا؟ فيقول: أنت يا ربّ، فيقول الله: مَن قوّاك على عبادةِ خمسمائة سنَة، فيقول: أنت يا ربّ، فيقول: من أنزلك من جبلٍ وسَط لجّة وأخرجَ لك الماءَ العَذب مِنَ المالح وأخرَجَ لكَ كلَّ ليلةٍ رُمّانة وإنما يخرُج كلَّ سنَةٍ مرّة، فيقول: أنت يا ربّ، ثم يقول الله تعالى: أدخِلوا عبدي الجنة برحمَتي، ونِعمَ العبدُ كنتَ))، وفي الحديث عن النبيِّ أنه قال: ((لن يدخُلَ الجنّةَ أحدٌ منكم بعمله))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ((ولا أنا إلاّ أن يتغمَّدني الله برحمته))"
والحديث باطل فلا يوجد عبد أنعم الله عليه فقط دون أن يختبره بشر أى ضرر لقوله تعالى :
"ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
كما أن الله لم يفصل بين الرحمة والعمل وإنما جعل الرحمة مترتبة على العمل الصالح فهو يرحم عباده بطاعتهم ويعذب عباده بعصيانه له كما قال تعالى :
"إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون فيها وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب وإلعنهم لعنا كبيرا"
وقال:
" ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله"
|