وتحدث عن نتيجة المدح المباح فقال:
"نتيجة المدح المباح:
إذا تحققت ضوابط المدح، فإن الممدوح لا يزداد بها إلا كمالا، إما بالنشاط في فعل الخير والازدياد منه، أو بالدوام عليه. خاصة إذا كان المادح من ذوي المكانة والحكمة الذين يقدرون الأمور بقدرها ويحرصون على درء المفاسد وجلب المصالح.
روى الإمام البخاري بسنده عن سالم عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: " كنت غلاما شابا، وكنت أنام في المسجد على عهد الرسول (ص)فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار. قال: فلقينا ملك آخر فقال لي: لم ترع. فقصصتها على حفصة فقصتها على رسول الله (ص)فقال: نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل. فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا " "
الحديث الذى اعتمد عليه الحارثى هنا باطل فلا يوجد أحد رأى الملائكة من المسلمين أو حتى الكفار فى عهد النبى (ص) لأن الملائكة لا ترى إلا يوم القيامة كما قال تعالى :
"يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين"
كما أن الله لم يعط خاتم النبيين(ص) آية تأويل الأحاديث وهى الأحلام كما أعطاها ليوسف(ص) ولا نص يثبت أنه أعطاها إياه
ونتيجة المدح غالبا هى نتيجة سيئة للممدوح وحتى للمادح لأن العلم بحقيقة الفرد لا يعلمها إلا الله وقد خدع النبى(ص) نفسه والمؤمنون فى أناس ادهوا الإسلام وكانوا كفرة مجرمين حيث ارتكبوا جريمة ونسبوها لكافر برىء من ارتكابها فنزل الوحى مبرئا له وناهيا للمسلمين عن الجدال عن المجرمين فقال :
" ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة"
وتحدث عن دعاء يقوله الممدوح حتى لا يغتر فقال:
"دعاء الممدوح:
حتى يأمن الممدوح من مداخل الشيطان والفتنة والرياء فإنه يدعو بهذا الدعاء " اللهم اغفر لي ما لا يعلمون. ولا تؤاخذني بما يقولون. واجعلني خيرا مما يظنون " .
وعليه أن يتحرز من آفة العجب أو الفتور، ويظهر كراهة المدح ويراقب نفسه."
بالقطع الدعاء لا يمنع شىء لأن المانع من الاغترار هو إرادة الممدوح نفسه
ومن ثم لا نجد مدح مباح لفرد باسمه وإنما المدح هو لمن فعل كذا أو قال كذا فهو مدح عام كما فى قوله تعالى :
" فأولئك هم المؤمنون حقا"
وتحدث عن النوع الثانى الذى ظنه وهو المدح المذموم فقال :
"النوع الثاني: المدح المذموم:
وهو ما انعدمت فيه ضوابط المدح المباح فانعدم فيه الصدق، أو صاحبه النفاق، أو اتخذ مهنة للتكسب، وزاد الممدوح بطرا وتكبرا وظلما ورئاء.
وهذا النوع هو الذي عناه الرسول (ص)فيما رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ بسنده عن أبي معمر قال: " قام رجل يثني على أمير من الأمراء، فجعل المقداد يحثي عليه التراب وقال: أمرنا رسول الله (ص)أن نحثي في وجوه المداحين التراب " .
قال النووي: (حمل المقداد هذا الحديث على ظاهره ووافقه طائفة وقال آخرون: معناه خيبوهم فلا تعطوهم شيئا لمدحهم ـ كأنهم من الذين يتكسبون به ـ وقال آخرون: قولوا له بفيك التراب) .
وقال الطيبي: (يحتمل أن يراد به دفعه وقطع لسانه عن عرضه بما يرضيه من تراب الدنيا استهانة به) ."
وقد انتهى الباحث إلى أن الفقهاء علموا التناقض بين أحاديث المدح وأحاديث النهى عنه فحاولوا الجمع بينها كما قال :
"وقال العلماء في الجمع بين أحاديث الإباحة والنهي: إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين، ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن ولا يغتر بذلك فليس بحرام وإن خيف عليه شيء من
هذه الأمور كره مدحه في وجهه كراهة شديدة هذا في حق الممدوح
أما المادح فيتحمل وزر قوله إن كان كاذبا، أو متكسبا ويؤجر إن كان من أهل الحكمة والعلم وإرادة الخير بالناس."
ولا يوجد أساسا أحاديث تبيح المدح لأنها معارضة بكلام الله فى القرآن ومن ثم فكلها باطلة
وأما حكاية قذف التراب فى وجوه المداحين فهى باطلة لأن المفروض هو عقاب المادح لمخالفته نهى الله عن المدح والعقوبات فى القرآن ليس بها قذف تراب وإنما عتق وإطعام مساكين وصوم أو جلد
ومن باب المدح تدخل احدى الشرارات الأولى لهدم دولة العدل من خلال ظن الممدوح أنه أحسن من باقى المسلمين ومن ثم كفره وتجبره عليهم
وتحدث عن نتائج المدح المذموم فقال :
"آفات المدح المذموم:
قال الغزالي: في المدح المذموم ست آفات ، أربع على المادح وهي:
1 ـ قد يفرط فيه فيذكره بما ليس فيه فيكون كاذبا.
2 ـ وقد يظهر له من الحب ما لا يعتقده فيكون منافقا.
3 ـ وقد يقول له ما لا يتحققه ولا سبيل إلى الإطلاع عليه فيكون مجازفا.
4 ـ وقد يفرح الممدوح وهو ظالم أو فاسق فيكون مناصرا لظالم.
وآفتان على الممدوح: ـ
1 ـ قد يحدث فيه كبرا وإعجابا وهما مهلكان.
2 ـ قد يفرح فيفسد عمله، أو يفتر"
واضرار المدح يجمعها أن تكفر المادح والممدوح إن صدق المدح وظن أنه أفضل من غيره
وتحدث عما سماه ضوابط المدح فقال :
"ثانيا: ضوابط المدح:
بما أن الرسول (ص)أهل للمدح، وكل ممدوح من البشر سواه ناقص، إلا أننا نجده أرشد إلى ما يجوز من المدح، وسد وسائل الإطراء والغلو التي تؤدي إلى الشرك في مدحه أو مدح غيره، أو تؤدي إلى فتنة الممدوح.
ومن خلال استقراء بعض نصوص السنة في المدح نستنبط ضوابط المباح حتى يكون مباحا وهي: ـ
1 ـ موافقة القول للحقيقة:
وهو أن يكون الممدوح أهلا لما يقال فيه، ولا يتجاوز المادح الصفات الحقيقية الصادقة
في الممدوح. قال ابن حجر: (أما الثناء بما يعلم حقيقة فهو جائز ومستثنى من التمادح المكروه) .
2 ـ التوسط في المدح وعدم المبالغة ومجاوزة الحد.
فالرسول (ص)اصطفاه ربه بالرسالة، وهو أفضل خلقه، وكل مدح يقال فيه صدق ـ إذا لم يتجاوز التأدب مع الله ـ ومدح الرسول (ص)لا يتعدى كونه بشرا رسولا، تشرف بالعبودية لله وبلغ ما كلف به بلاغا كافيا. فمنع المبالغة في إطرائه ورفعه أعلى من بشريته.
روى الإمام البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب قال: " سمعت النبي (ص)يقول: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم. فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله " .
|