عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-09-2022, 08:02 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,044
إفتراضي

فصل
اعلم أن أكثر مفتي عصرنا أفتوا بجواز فتح الباب، والكوة، والشباك، من دار بيت ملاصقة للمسجد الشريف، وكان ذلك منهم استرواحا، وعدم وقوف على مجموع الأحاديث الواردة، ولولا جناب النبي (ص) وعظمته الراسخة في القلب لم أتكلم في شيء من ذلك، وكنت إلى السكوت أميل، لكن لا أرى السكوت يسعني في ذلك، فإن هذا عهد عهده النبي (ص)عند وفاته، فوجب على كل من علمه أن يبينه، ولا يراعي فيه صديقا ولا حبيبا، ولا بعيدا ولا قريبا، وأنا أذكر شبه المفتين وأوردها واحدة واحدة
- فمنهم من قال: لا نقل في هذه المسألة لأهل مذهبنا، ونقول بالجواز استحسانا حيث لا ضرر
وجواب هذا: أنه لا استحسان مع النصوص النبوية
- ومنهم من قال بالقياس على سائر المساجد، حيث رأى الناظر ذلك
وجواب هذا: أن النص منع القياس، ودلت الأحاديث على أن المسجد النبوي انفرد بهذه الخصوصية عن سائر المساجد
- ومنهم من قال: الأمر في ذلك منوط برأي الإمام
وجواب هذا: أنه لا رأي لأحد مع قول رسول الله (ص) وهل لأحد من الأئمة أن يغير من الأمور المنصوصة في الشريعة شيئا برأيه؟
- ومنهم من قال: الحديث الوارد في ذلك مخصوص بزمنه عليه السلام، وهذا خطأ من وجوه:
أحدها: أنه لا دليل على التخصيص، وإنما يصار إلى تخصيص النصوص بدليل
ثانيها: أن القصة أمر بها النبي (ص)في مرض وفاته، ولم يعش بعدها إلا دون عشرة أيام، فدل على أنه أمر به شرعا مستمرا إلى يوم القيامة
ثالثها: أنه لو كان مخصوصا بزمن لوجب على النبي (ص)أن يبينه، وإلا لكان تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة، لا سيما وهي آخر جلسة جلسها للناس
رابعها: أن الصحابة استمروا إلى أن انقرضوا وهم باقون على هذا الحكم، وهذا يدل على أنهم فهموه شرعا مؤبدا
خامسها: يقال لهذا الذي ادعى التخصيص: ما وجه منع الصحابة في زمنه، والإذن لمن جاء بعدهم! والصحابة أشرف وأجل وأحق بكل خير، وهل تخيل متخيل أن يرخص لأهل القرن الأرذل ما منع منه أشرف الأمة، وخيارهم! معاذ الله
فائدة نختم بها الكتاب:
قال النووي في شرح المهذب: فرع عن خارجة بن زيد بن ثابت آخر فقهاء المدينة السبعة، قال: بنى رسول الله (ص)مسجده سبعون ذراعا في ستين ذراعا أو أزيد قال أهل السير: جعل عثمان بن عفان طول المسجد مائة وستين ذراعا، وعرضه مائة وخمسين ذراعا، وجعل أبوابه ستة، كما كانت في زمن عمر ، وزاد فيه الوليد بن عبد الملك،
فجعل طوله مائتي ذراع، وعرضه في مقدمه مائتين، وفي مؤخره مائة وثمانين، ثم زاد فيه المهدي مائة ذراع من جهة الشام فقط دون الجهات الثلاث
هذا ما في شرح المهذب
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن الزهري قال: بركت ناقة رسول الله (ص)عند موضع المسجد، وهو يومئذ يصلي فيه رجال من المسلمين، وكان مربدا لسهل وسهيل؛ غلامين يتيمين من الأنصار، وكانا في حجر أبي أمامة أسعد بن زرارة، فدعا رسول الله (ص)بالغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله (ص)حتى ابتاعه منهما، فابتاعه بعشرة دنانير، وأمر أبا بكر أن يعطيهما ذلك، فأمر رسول الله (ص)بالنخل الذي في الحديقة، وبالغرقد الذي فيه أن يقطع، وأمر باللبن فضرب، وكان في المربد قبور جاهلية، فأمر بها رسول الله (ص)فنبشت، وأمر بالعظام أن تغيب، وكان في المربد ماء مستنجل فسيروه حتى ذهب، وأسسوا المسجد، فجعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، وفي هذين الجانبين مثل ذلك فهو مربع، ويقال: كان أقل من المائة، وجعلوا الأساس قريبا من ثلاثة أذرع على الأرض بالحجارة، ثم بنوه باللبن، وبناه رسول الله (ص)وأصحابه، وجعل ينقل معهم الحجارة بنفسه ويقول:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
وجعل يقول:
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
وجعل له ثلاثة أبواب؛ بابا في مؤخره، وبابا يقال له: باب الرحمة، وهو الباب الذي يدعى باب عاتكة، والباب الثالث الذي يدخل منه رسول الله (ص) وهو الباب الذي يلي آل عثمان وجعل طول الجدار بسطة، وعمده الجذوع، وسقفه جريدا، فقيل له: ألا تسقفه؟ فقال: عرش كعرش موسى، خشيبات وثمام، الشأن أعجل من ذلك، وبنى بيوتا إلى جنبه باللبن، وسقفها بجذوع النخل والجريد، فلما فرغ من البناء بنى لعائشة في البيت الذي بابه شارع إلى المسجد، وجعل سودة في البيت الآخر الذي يليه إلى الباب الذي يلي آل عثمان
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن مجمع بن يزيد قال: بنى رسول الله (ص)المسجد مرتين، بناه حين قدم أقل من مائة في مائة، فلما فتح الله عليه خيبر بناه وزاد فيه مثله في الدور، وضرب الحجرات ما بينه وبين القبلة
وأخرج أيضا عن أنس قال: بناه رسول الله أول ما بناه بالجريد، وإنما بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين
وأخرج البخاري عن ابن عمر أن المسجد كان على عهد رسول الله (ص)مبنيا باللبن، وسقفه الجريد ، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله (ص)باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج
وقال الآقفهسي في تاريخ المدينة: قيل: كان عرض الجدار في عهد رسول الله (ص)لبنة، ثم إن المسلمين لما كثروا بنوه لبنة ونصفا، ثم قالوا: يا رسول الله؛ لو أمرت لزدنا، فقال: نعم، فزادوا فيه، وبنوا جداره لبنتين مختلفتين، ولم يكن له سطح، فشكوا الحر، فأمر رسول الله (ص)فأقيم له سواري من جذوع [النخل] ، ثم طرحت عليه العوارض، وحصر الإذخر، فأصابتهم الأمطار، فجعل يكف عليهم، فقالوا: يا رسول الله؛ لو أمرت بالمسجد فطين، فقال: عرش كعرش موسى، والأمر أعجل من ذلك ولما زاد فيه عمر جعل طوله مائة وأربعين ذراعا، وعرضه مائة وعشرين ذراعا، وبدل أساطينه بأخر من جذوع النخل، وسقفه بجريد، وجعل طول السقف أحد عشر ذراعا، وفرشه بالحصا ، ولما زاد فيه عثمان، وذلك في ربيع الأول سنة تسع وعشرين، جعل طوله مائة وستين ذراعا، وعرضه مائة وخمسين ذراعا، وجعل أبوابه ستة ، ولما زاد فيه عمر بن عبد العزيز، وذلك بأمر الوليد بن عبد الملك - وكان عامله على المدينة - جعل طوله ما تقدم عن شرح المهذب، وجعل على كل ركن من أركانه الأربعة منارة للأذان، وجعل له عشرين بابا،وبنى على الحجرة الشريفة حائطا، ولم يلصقه بجدار الحجرة ولا بالسقف، وطوله مقدار قامة بالآجر، فلما حج سليمان بن عبد الملك هدم المنارة التي هي قبلة المسجد من الغرب؛ لأنها كانت مطلة على دار مروان، فأذن المؤذن فأطل على سليمان وهو في الدار، فأمر بهدمها
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس