عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-07-2022, 07:55 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,031
إفتراضي

ومن ذلك قوله تعالى{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}
فذكرنا لمحاسن الأعراب لا نعبر عنه بحال من الأحوال بهضم شرف الآخرين، إذ الأعراب أثنى عليهم الله ورسوله (ص) وهم في هذا الثناء متفاوتون عن بعض بسابقتهم للإسلام ففي الصحيح عن شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي (ص) أَنَّهُ قَالَ«أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَمَنْ كَانَ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ جُهَيْنَةُ خَيْرٌ مِن بني تَمِيمٍ وبني عَامِرٍ وَالْحَلِيفَيْنِ أَسَد وَغَطَفَانَ»
وعلى هذا فالأعراب ليست قبيلة واحدة بل قبائل متناثرة تختلف مواقعها من المدينة بعداً وقربا وتختلف نسباً وعرقاً
وذكر الواحدي في قوله تعالى" {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} نزلت في أعاريب من أسد، وغطفان, وأعاريب من أعراب حاضري المدينة"
وفي قوله تعالى{وممن حولكم من الأعراب منافقون}، قال الكلبي"نزلت في جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار"
ـ قوله تعالى{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ}، قال السيوطي"أخرج ابن جرير عن مجاهد أنها نزلت في بني مقرن الذين نزلت فيهم{ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} , وأخرج عبد الرحمن بن معقل المزني قال كنا عشرة ولد مقرن فنزلت فينا هذه الآية"
وقال أبو حيان" {الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} نزلت في الأعراب من أسد وتميم وغطفان , ومن أعراب حاضري المدينة، أيأشد كفرا من أهل الحضر"
وقوله تعالى{ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم}، "نزل في بني مقرن من مزينة "، قاله مجاهد
وقال عبد الرحمن بن مغفل بن مقرن"كنا عشرة ولد مقرن فنزلت{ومن الأعراب من لا يؤمن}
الآية , يريد الستة والسبعة الإخوة على الخلاف في عددهم وبنيهم"
وقال الضحاك في عبد الله ذي النجادين , ورهطه
وقال الكلبي في أسلم وغفار وجهينة
قال ابن الملقن "هذه القبائل كانوا في الجاهلية خاملين لم يكونوا كبني تميم وعامر وأسد وغطفان , ألا ترى قول الأقرع بن حابس لرسول الله (ص) إنما بايعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة فلما سبقت هذه القبائل أولئك بالإسلام وحسن بلاؤهم فيه شَرُفوا بذلك وفضلهم الله على غيرهم من سادات العرب ممن تأخر إسلامه كما شرف بلالا وعمارا وشبههما على صناديد قريش وكأن التفضيل كان جوابا لمن احتقر هذه القبائل مطلقا"
أما فضل هذه القبائل وصفاتها الحميدة وما جاء ذكرها على لسان المصطفى (ص) إلا دليلا على فضلها على الإسلام والمسلمين وما نذكره من الفضائل لبعض القبائل التي بين العلماء أنها نزلت فيهم كلمة الأعراب حتى لحقوا بركب العلم والإيمان
وفيما يلي عرض لجملة من هذه الصفات:
الصفة الأولى فضل بعض قبائل الأعراب ومنها غفار وأسلم
فعن عبد الله بن الصامت قال قال أبو ذر قال رسول الله (ص)(غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله)
وسبب ثناء النبي (ص)على غفار وأسلم طاعتهما لله ورسوله (ص) كما أن الذم لمن عصى الله ورسوله كقبيلة عصية
ففي الصحيح عن عبد الله بن دينار انه سمع ابن عمر يقول قال رسول الله (ص)(غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله ورسوله)
بل قرن رسول الله (ص) بعض قبائل الأعراب بالمهاجرين والأنصار مع فضل الأسبقية في الإسلام، فعن أبي مالك الأشجعي عن موسى بن طلحة عن أبي أيوب قال قال رسول الله (ص) الأنصار ومزينة وجهينة وغفار وأشجع، ومن كان من بني عبد الله موالي دون الناس والله ورسوله مولاهم
ومن الفضائل لبعض القبائل ومنها طيء متمثلة بقائدها الصحابي الجليل عدي بن حاتم حيث قال أتينا عمر بن الخطاب في وفد فجعل يدعو رجلا يسميهم فقلت(أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال بلى، أسلمت إذ كفروا , وأقبلت إذ أدبروا , ووفيت إذ غدروا , وعرفت إذ أنكروا، فقال عديلا أبالي إذاً)
وعن عدي بن حاتم قال أتيت عمر بن الخطاب فقال لي(إن أول صدقة بيضت وجه رسول الله (ص) ووجوه أصحابه صدقة طيء جئت بها إلى رسول الله (ص))
ومن فضائل بعض القبائل الأعرابية ما ذكره أهل العلم من حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة قال"لا أزال أحب بني تميم من ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله (ص)يقولهم أشد أمتي على الدجال، قال وجاءت صدقاتهم، فقال النبي (ص)هذه صدقات قومنا، قال وكانت سبية منهم عند عائشة ، فقال رسول الله (ص)أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل"
وهذا مما يدل على الفضل بلا فخر، وفضائل هذه القبائل الأعرابية ليست بدعا من القول بل هو من عند الله وهو أحكم الحاكمين فعند أبي شيبة عن خفاف قال" صلى بنا رسول الله (ص) فلما رفع رأسه من
الركعة الأخيرة قال أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها ثم أقبل فقال إني لست أنا أقول هذا ولكن الله قاله"
الصفة الثانية أنهم أصل المدن والحضر
كان الأعراب مقتصرين على الضروري في حياتهم عاجزين عن تحصيل الحاجي والتحسيني من معاشهم، فكانوا هم أصل للمدن والحضر لأن الضروري أصل والكمالي فرع"
قال ابن خلدون"فالبدو أصل المدن والحضر، وسابق عليهما لأن أول مطالب الإنسان الضروري، ولا ينتهي إلى الكمال والترف إلا إذا كان الضروري حاصلاً فخشونة البداوة قبل رقة الحضارة"
كون الأعراب ألأصل يكذب كون أهل مكة هم أصل الخلق لكونها أم القرى كما قال تعالى:
"إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا"
وقال:
" لتنذر أم القرى"
وقال :
"الصفة الثالثة أنهم أقرب إلى الخير بفطرتهم
والتي عبر عنها ابن خلدون قائلاً"في أن أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر وسبب ذالك أن نفوسهم مستقره على الفطرة الأولى لذلك فهي متهيئة لقبول ما يرد عليها فكل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ثم إن أن أهل الحضر قد أقبلوا على الدنيا وعكفوا علي شهواتهم وذهبت عنهم مذاهب الحشمة أما أهل البدو وإن كانوا مقبلين على الدنيا إلا أنه في المقدار الضروري لا في الترف أو شيء من أسباب الشهوات والملذات"
وهذا الكلام يكذبه كلام الله فى كونه بعضهم أشد كفرا ونفاقا ثم قال :
"الصفة الرابعة أنهم أبعد عن مواطن الفتن:
فقد روى البخاري في صحيحه أن سلمة بن الأكوع دخل على الحجاج، فقاليا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت، قال(لا ولكن رسول الله (ص) أذن لي في البدو وعن يزيد بن أبي عبيد قال لما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة وتزوج هناك امرأة، وولدت له أولادا فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال فنزل المدينة)
وقد جاء في آثار كثيرة الترغيب في سكنى الجبال والفرار من المدن وذلك لكثرة الفتن؛

رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس