"فمذاهب تكون بهذا التأسيس وهذا التدعيم إذا لقيت في آخر الزمن متزعما في الشرع يدعو إلى نبذ التمذهب باجتهاد جديد يقيمه مقامها، محاولا تدعيم إمامته باللامذهبية بدون أصل يبني عليه غير شهوة الظهور، تبقى تلك المذاهب وتابعوها في حيرة بماذا يحق أن يلقب من عنده مثل هذه الهواجس والوساوس، أهو مجنون مكشوف الأمر، غلط من لم يقده إلى مستشفى المجاذيب، أم مذبذب بين الفريقين يختلف أهل العقول في عدِّه من عقلاء المجانين، أو مجانين العقلاء؟!.
بدأنا منذ مدة نسمع مثل هذه النعرة من أناس في حاجة شديدة على ما أرى إلى الكشف عن عقولهم بمعرفة الطبيب الشرعي.
قبل الالتفات إلى مزاعمهم في الاجتهاد الشرعي القاضي – في زعمهم – على اجتهادات المجتهدين، فعلى تقدير ثبوت أن عندهم بعض عقل، فلا بد أن يكونوا من صنائع أعداء هذا الدين الحنيف، ممن لهم غاية ملعونة إلى تشتيت اتجاه الأمة الإسلامية في شؤون دينهم ودنياهم، تشتيتا يؤدي بهم إلى التناحر والتنابذ والتشاحن والتنابز يوما بعد يوم، بعد إخاء مديد استمر بينهم منذ بزغت شمس الإسلام إلى اليوم."
والرسول(ص) لو افترضنا أنه قام من قبره لقال أن كل المذاهب فى النار لأنه لم يكن فى عهده مذاهب وإنما كان دين واحد والمذاهب بدعة ابتدعها الكفار وليس المسلمين لتذكية نار الحروب بين المسلمين وإذكار نار الجهل الدينى بينهم حتى لا تقوم قائمة للمسلمين وهو الحادث حاليا فلا دولة للمسلمين وإنما مذاهب كلها قامت على نصرة الملوك والسلاطين والرؤساء وليس نصرة دين الله
والكوثرى يبتدع لنا أن كل المذاهب حق فيقول :
"فالمسلم الرزين لا ينخدع بمثل هذه الدعوة، فإذا سمع نعرة الدعوة إلى الانفضاض من حول أئمة الدين الذين حرسوا أصول الدين الإسلامي وفروعه من عهد التابعين إلى اليوم، كما توارثوه من النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله عنهم أجمعين – أو طرق سمعه نعيق النَّيْل من مذاهب أهل الحق، فلا بد له من تحقيق مصدر هذه النعرة واكتشاف وكر هذه الفتنة، وهذه النعرة لا يصح أن تكون من مسلم صميم درس العلوم الإسلامية حق الدراسة، بل إنما تكون من متمسلم مندس بين علماء المسلمين أخذ بعض رؤوس مسائل من علوم الإسلام بقدر ما يظن أنها تؤهله لخدمة صنائعه ومرشحيه، فإذا دقق ذلك المسلم الرزين النظرَ في مصدر تلك النعرة بنوره الذي يسعى بين يديه، يجده شخصا لا يشارك المسلمين في آلامهم وآمالهم إلا في الظاهر، بل يزامل ويصادق إناسا لا يتخذهم المسلمون بطانة، ويلفيه يجاهر بالعداء لكل قديم وعتيق إلا العتيق المجلوب من مغرب شمس الفضيلة، ويراه يعتقد أن رطانته تؤهله – عند أسياده – لعمل كل ما يعمل، فعندما يطلع ذلك المسلم على جلية الأمر يعرف كيف يخلص نيئة الإسلام من شرور هذا النعيق المنكر بإيقاف أهل الشأن على حقائق الأمور، والحق يعلو ولا يعلى عليه."
وكيف يكون الحق هو اختلاف القوم فى أكثر من90% من الدين فلا توجد مسألة إلا واختلفوا فيه ما بين مبيح ومحرم وكاره ومانع وغير هذا من الألفاظ التى اخترعوها ولا دليل عليها فى كتاب الله
وكرر الرجل كلامه ويبدو أن حكاية المذاهب ليس لها سوى هدف واحد وهو اقامة زعامات تستفيد ماليا من الناس والسلطة القائمة التى تستعين بهم على إثبات أن الحلال حرام والعكس وفى كلامه المكرر قال :
"فمن يدعو الجمهور إلى نبذ التمذهب بمذاهب الأئمة المتبوعين الذين أشرنا فيما سبق إلى بعض سيرهم – لا يخلو من أن يكون من الذين يرون تصويب المجتهدين في استنباطاتهم كلها، بحيث يباح لكل شخص غير مجتهد أن يأخذ بأي رأي من آراء مجتهد من المجتهدين، بدون حاجة إلى الاقتصار على آراء مجتهد واحد يتخيره في الاتباع، وهذا ينسب إلى المعتزلة، وأما الصوفية فإنهم يصوبون المجتهدين، بمعنى الأخذ بالعزائم خاصة من بين أقوالهم من غير اقتصار على مجتهد واحد.
وإليه يشير أبو العلاء صاعد بن أحمد بن أبي بكر الرازي – من رجال نور الدين الشهيد – في كتابه (الجمع بين التقوى والفتوى من مهمات الدين والدنيا) حيث ذكر في أبواب الفقه منه ما هو مقتضى الفتوى، وما هو موجب التقوى من بين أقوال الأئمة الأربعة خاصة، وليس في هذا معنى التشهي أصلا، بل هو محض التقوى والورع.
والرأي الذي ينسب إلى المعتزلة يبيح لغير المجتهد الأخذ بما يروقه من الآراء للمجتهدين، لكن أقل ما يجب على غير المجتهد في باب الاجتهاد أن يتخير لدينه مجتهدا يراه الأعلم والأورع، فينصاع لفتياه في كل صغير وكبير، بدون تتبع الرخص – في التحقيق – وأما تتبعه الرخص من أقوال كل إمام، والأخذ بما يوافق الهوى من آراء الأئمة، فليسا إلا تشهيا محضا، وليس عليهما مسحة من الدين أصلا، كائنا من كان مبيح ذلك.
ولذلك يقول الأستاذ أبو إسحق الإسفراييني الإمام، عن تصويب المجتهدين مطلقا: أوله سفسطة وآخره زندقة. لأن أقوالهم تدور بين النفي والإثبات، فأنى يكون الصواب في النفي والإثبات معا؟.
نعم، إن من تابع هذا المجتهد جميع آرائه فقد خرج من العهدة، أصاب مجتهده أم أخطأ، وكذا المجتهدون الآخرون، لأن الحاكم إذا اجتهد وأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر واحد، والأحاديث في هذا الباب في غاية من الكثرة.
وعلى اعتبار من قلد المجتهد خارجا من العهدة وإن أخطأ مجتهدُه، جَرَت الأمةُ منذ بزغت شمس الإسلام، ولا تزال بازغة إلى قيام الساعة - بخلاف شمس السماء فإن لها فجرا وضحى وغروبا – ولولا أن المجتهد يخرج من العهدة على تقدير خطئه لما كان له أجر، وليس كلامنا فيه، وكلام الأستاذ أبي أسحق الإسفراييني عن المصوبة حق، يدل عليه ألف دليل ودليل، ولكن ليس هذا بموضع توسع في بيان ذلك.
وأما إن كان الداعي إلى نبذ التمذهب يعتقد في الأئمة المتبوعين أنهم من أسباب وعوامل الفرقة والخلاف بين المسلمين، وأن المجتهدين في الإسلام إلى اليوم كلهم على خطإ، وأنه يستدرك عليهم في آخر الزمن الصواب الذي خفي على الأمة منذ بزوغ شمس الإسلام إلى اليوم، فهذا من التهور والمجازفة البالغين حد النهاية.
ونحن نسمع من فلتات ألسنة دعاة هذه النعرة بين حين وآخر تهوين أمر أخبار الآحاد الصحيحة من السنة، وكذا الإجماع والقياس، بل دلالات الكتاب المعتبرة عند أهل الاستنباط.
فبتهوين أخبار الآحاد يتخلصون من كتب السنة من صحاح وسنن وجوامع ومصنفات ومسانيد وتفاسير بالرواية وغيرها، وإذن فلا معجزة كونية تستفاد منها ولا أحكام شرعية تستمد منها، فهل يسلك مثل هذه السبيل من سبل الشيطان غير صنائع أعداء الإسلام؟.
على أن أخبار الآحاد الصحيحة قد يحصل بتعدد طرقها تواتر معنوي، بل قد يحصل العلم بخبر الآحاد عند احتفافه بالقرائن، بل يوجد بين أهل العلم من يرى أن أحاديث الصحيحين – غير المنتقدة – من تلك الأحاديث المحتفة بالقرائن.
وبنفي الإجماع يتخلصون من مذاهب جمهرة أهل الحق، وينحازون إلى الخوارج المرقة، والروافض المردة.
وبِرَدِّ القياس الشرعي يسدون على أنفسهم باب الاجتهاد ومسالك العلة – على طرقها المعروفة المألوفة – منحازين إلى نفاة القياس من الخوارج والروافض وجامدي أهل الظاهر.
وبتلاعبهم بدلالات الكتاب المعتبرة عند أهل الاستنباط يتخذون القيود الجارية مجرى الغالب الملغاة باتفاق بين القائلين بالمفاهيم وغير القائلين بها من صدر الإسلام إلى اليوم وسيلة لتغيير كثير من الأحكام القطعية، ويجعلون للعرف شأنا غير ما له عند جميع فقهاء هذه الأمة، خانعين لما ألقاه بعض مستشرقي اليهود بمصر في عمل أهل المدينة ونحوه، وكذلك صنيعهم في المصلحة المرسلة التي شرحنا دخائلها بعض شرح في مقالنا (شرع الله في نظر المسلمين).
وكل ذلك يجري تحت بصر الأزهر وسمعه، ورجاله سكوت، والسكوت على تلك المخازي مما لا يرتضيه الأزهر السني الذي أسس بنيانه على التقوى منذ عهد الملك الظاهر بيبرس وأمرائه الأبرار، حيث صيروه معقل العلم لأهل السنة، بعد أن أحيوا معالمه، ولم تزل ملوك الإسلام ترعاه على هذا الأساس إلى اليوم، ولا يزال بابه مغلقا على غير أتباع الأئمة الأربعة، وكم أدروا عليه من الخيرات لهذه الغاية النبيلة، وللملك فؤاد الأول – رحمه الله – يد بيضاء في إنهاض الأزهر على ذلك الأس القويم، والحكومة الرشيدة المتمسكة بأهداب الدين الإسلامي لم تزل تسدي إليه كل جميل مراعاة لتلك الغاية السديدة.
فإذا تم لدعاة النعرة الحديثة في قصر الاجتهاد على شخص واحد من أبناء العهد الحديث – بمؤهلات غير معروفة – وتمكنوا من إبادة المذاهب المدونة في الإسلام لهؤلاء الأئمة الأعلام، ومن حمل الجماهير على الانصياع لآراء ذلك الشخص يتم لهم ما يريدون.
لكن الذي يتغنى بحرية الرأي على الإطلاق بكل وسيلة كيف يستقيم له منح الطامحين من أبناء الزمن مثله إلى الاجتهاد من الاجتهاد، أم كيف يجيز إملاء ما يريد أن يمليه من الآراء على الجماهير مرغمين فاقدي الحرية، أم كيف يبيح داعي الحرية المطلقة حرما الجماهير المساكين المقلدين حرية تخير مجتهد يتابعونه باعتبار تعويلهم عليه في دينه وعلمه في عهد النور!!؟. ولم يسبق لهذا الحجر مثيل في عهد الظلمات!!! وهذا مما لا أستطيع الجواب عنه.
وقصارى القول أنك إذا قمت بدرس أحوال القائمين بتلك النعرة الخبيثة وجدتهم لا يألفون المألوف، ولا يعرفون المعروف، أعمت شهوة الظهور بصائرهم، حتى تراهم يصادقون المتألبين على الشرق المسكين، فنعرتهم هذه ما هي إلا نعيق الإلحاد المنبعث عن أهل الفساد، فيجب على أهل الشأن أن يسعوا في تعرف مصدر الخطر، وإطفاء الشرر، وليست هذه الدعوة المنكرة سوى قنطرة اللادينية السائدة في بلاد أخرى منيت بالإلحاد وكتبت لها التعاسة، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، والعاقل من اتعظ بغيره"
وكل كلام الكوثرى هو اتهامات لكل من يريد توحيد المسلمين بأنه كافر يريد القضاء على الدين وهو لم يذكر الحقيقة وهى :
أن الفقه خارج الدين لاعتماده فى 99% منه على الروايات والتى تتناقض وتجعل للحكام مخرج من ظلم يرتكبونه فمن يريد أن تكون للمسلمين دولة لا يعتمد على رجل أو رجال وإنما يعتمد على رد كل أمر لنصوص كتاب الله
من يدعو إلى اللامذهبية يدعو إلى التحاكم للوحى الإلهى وليس لروايات علم الكوثرى وغيره أنه لا يمكن لإثبات نسبة شىء منه للنبى(ص) يقينا فهى كلها روايات ظنية إن صدقت كتاب الله يمكن قبولها وإن ناقضته أو ناقضت نفسها فهى خارجة على الإسلام
|