عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-07-2022, 08:02 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,031
إفتراضي

وأما قولهم: إنه لا يجوز أن يشهد إلا بأقوى أسباب العلم في التحمل والأداء.
قيل: هذا منقوض بما ذكرنا، وبكونه إذا تعطلت أقوى أسباب العلم وتيقن العلم بغيرها، جازت الشهادة به.
وقولهم: الشهادة لا تصح إلا على حاضر، والأعمى لا يشاهد الحاضر.
ناقض الشافعي ذلك القول على قائله، فقال: أنت تجيز الشهادة على الميت، وهو غير حاضر، فكان هذا نقضا لمذهبه، في جواز الشهادة على الغائب، وإبطالا لتعليله في رد شهادة الأعمى وأما الجواب عن قياسهم الأقوال على الأفعال فهو: أن ما أدركت به الأفعال، مفقود في الأعمى، وما أدركت به الأقوال موجود فيه، فافترقا .
مناقشة أدلة القول الثاني: القائل بجواز قبول شهادة الأعمى:
أما استدلالهم بقوله : {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} وقوله: {وأشهدوا ذوي عدل منكم}
فقد نوقش بأن ظاهر الآية يدل على أن الأعمى غير مقبول الشهادة؛ لأنه قال: {واستشهدوا}، والأعمى لا يصح استشهاده؛ لأن الاستشهاد هو إحضار المشهود عليه ومعاينته إياه، وهو غير معاين ولا مشاهد لمن يحضره؛ لأن العمى حائل بينه وبين ذلك كحائط لو كان بينهما فيمنعه ذلك من مشاهدته، ولما كانت الشهادة إنما هي مأخوذة من مشاهدة المشهود عليه ومعاينته على الحال التي تقتضي الشهادة إثبات الحق عليه، وكان ذلك معدوما في الأعمى، وجب أن تبطل شهادته فهذه الآية لأن تكون دليلا على بطلان شهادته أولى من أن تدل على إجازتها
وأما استدلالهم بقوله : {وأشهدوا ذوي عدل منكم}
فنوقش بأن اشتراط العدالة ليس معتبرا في كل الأحوال، فكم من عدل لا تقبل شهادته! فإنه لو شهد لأبيه أو لابنه أو لمملوكه لما قبلت شهادته، والمانع من شهادتهم غير العدالة، فالآية عامة، وأدلة المنع خاصة.
وأما استدلالهم بالسنة:
فالجواب عنه ما ذكره الحافظ في "الفتح" فقال: وقال الإسماعيلي: ليس في أحاديث الباب دلالة على الجواز مطلقا؛ لأن نكاح الأعمى يتعلق بنفسه؛ لأنه في زوجته وأمته وليس لغيره فيه مدخل، وأما قصة عباد ومخرمة، ففي شيء يتعلق بهما لا يتعلق بغيرهما، وأما التأذين فقد قال في بقية الحديث: «كان لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت»، فالاعتماد على الجمع الذين يخبرونه بالوقت .
وأما الآثار: فيجاب عنها بمثل ما قيل في الأحاديث.
وأما قولهم: الصوت في الشرع قد أقيم مقام الشهادة، وأن الأعمى يطأ زوجته بعد أن يعرف صوتها، والإقدام على الفرج واستباحته أعظم من الشهادة في الحقوق.
فالجواب: أن المتكلم قد يحاكي صوت غيره ونغمته، حتى لا يغادر منها شيئا، ولا يشك سامعه إذا كان بينه وبينه حجاب أنه المحكي صوته، فغير جائز قبول شهادته على الصوت؛ إذ لا يرجع منه إلى يقين، وإنما يبنى أمره على غالب الظن .
ويقال في ذلك: قد يصح أن يستدل على شيء في أمر، ولا يصح في غيره، ومن ذلك: أن الاستمتاع بالأزواج لخصوص الاستحقاق أوسع حكما من الشهادة، لجواز الاستدلال عليها باللمس، فجاز الاستدلال عليها بالصوت، ويجوز أن يعتمد في الاستمتاع بالمزفوفة إليه على خبر ناقلها إليه، وإن كان واحدا، وذلك ممتنع في الشهادة .
وقالوا: يجوز له الإقدام على وطء امرأته بغالب الظن بأن زفت إليه امرأة، وقيل له: هذه امرأتك، وهو لا يعرفها يحل له وطؤها، وكذلك جائز له قبول هدية جارية بقول الرسول، ويجوز له الإقدام على وطئها، ولو أخبره مخبر عن زيد بإقرار أو بيع أو قذف لما جاز له إقامة الشهادة على المخبر عنه؛ لأن سبيل الشهادة اليقين، والمشاهدة وسائر الأشياء التي ذكرت يجوز فيها استعمال غالب الظن وقبول قول الواحد، فليس ذلك إذن أصلا للشهادة .
مناقشة أدلة القول الثالث: القائل بالتفريق بين ما علمه قبل العمى وما علمه بعده.
أما قياسهم شهادة الأعمى على شهادة الصغير والعبد والفاسق وشهادة الأصم.
فالجواب: أن حال تحمل الشهادة أضعف من حال الأداء، والدليل عليه أنه غير جائز أن يتحمل الشهادة وهو كافر أو عبد أو صبي ثم يؤديها وهو حر مسلم بالغ تقبل شهادته، ولو أداها وهو صبي أو عبد أو كافر لم تجز، فعلمنا أن حال الأداء أولى بالتأكيد من حال التحمل، فإذا لم يصح تحمل الأعمى للشهادة، وكان العمى مانعا من صحة التحمل، وجب أن يمنع صحة الأداء .
وأما القول بأن الصوت يشبه الصوت فيشتبه.
فالجواب: أن الاشتباه العارض بين الأصوات كالاشتباه العارض بين الصور.
وأجيب عن هذا الاعتراض من وجهين:
أحدهما: أن الصور تشتبه في المبادئ، ثم تتحقق في الغايات، والأصوات تشتبه في المبادئ والغايات.
والثاني: أن المصوت قد يحكي صوت غيره فيشتبه، وفي الصور لا يمكن أن يحكي صورة غيره، فلم يشتبه "
وكل ما سبق من الأدلة عدا أدلة واستشهدوا شهيدين وأشهدوا ذوى عدل ليس دليلا في مجال الشهادة وإنما هى استنباطات أو استدلالات ومن ثم لا صحة سوى لقبول شهادة الأعمى حاصة مع وجود دليل ثالث لم يحدد كون الشاهد أعمى أم بصير مريض أو صحيح رجل أو امرأة وهو :
" كونوا شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين وألأقربين"
فلا شرط في الشهادة
ورجح ونيس الرأى القائل بقبول شهادة الأعمى فقال :
"الترجيح:
والذي أراه راجحا في هذه المسألة - والله أعلم - هو قبول شهادة الأعمى على ما تيقنه، وهذا مما عرف من أدلة الشريعة ومقاصدها وقواعدها الكلية، ومحل القبول إذا تحقق الصوت ووجدت القرائن الدالة لذلك.
فقد أباح الشرع للأعمى أن يبيع ويشتري وينكح وغير ذلك، وهذه المعاملات الصادرة عنه معتبرة في الشرع غير مرفوضة، فمن باب أولى قبول شهادته، وقد ذكر ذلك كثير من أهل العلم - رحمهم الله.
قال ابن حزم: ولو لم يقطع الأعمى بصحة اليقين على من يكلمه لما حل له أن يطأ امرأته، إذ لعلها أجنبية، ولا يعطي أحدا دينا عليه، إذ لعله غيره، ولا أن يبيع من أحد، ولا أن يشتري، وقد أمر الله بقبول البينة، ولم يشترط أعمى من مبصر وما كان ربك نسيا، وما نعلم في الضلالة بعد الشرك والكبائر أكبر ممن دان الله برد شهادة جابر بن عبد الله، وابن أم مكتوم، وابن عباس، وابن عمر .
وقال ابن العربي: المسالة الرابعة عشرة:
عموم قوله : {من رجالكم} يقتضي جواز شهادة الأعمى على ما يتحققه ويعلمه، فإن السمع في الأصوات طريق للعلم؛ كالبصر للألوان فما علمه أداه كما يطأ زوجته باللمس والشم ويأكل بالذوق، فلم لا يشهد على طعام اختلف فيه قد ذاقه .
وقال ابن القيم: دلت الأدلة المتضافرة التي تقرب من القطع على قبول شهادة الأعمى فيما طريقه السمع إذا عرف الصوت .
وقال أيضا: الصحيح قبول شهادة الأعمى لتمييزه بين الأشخاص بأصواتهم، كما يميز البصير بينهم بصورهم والاشتباه العارض بين الأصوات، كالاشتباه العارض بين الصور"
ومن ثم يبقى أن ما قرره النص القرآنى هو الصحيح وهو قبول شهادة أى إنسان حتى ولو كان أعمى بمعنى أن القاضى يسمعها ثم يمحصها ويفحصها لقبولها أو رفضها
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس