عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-07-2022, 08:01 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,031
إفتراضي

"أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بجواز قبول شهادة الأعمى بالقرآن، والسنة، والأثر، والعقل:
أولا: من القرآن:
قال : {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}
وجه الاستدلال: أن الآية تحمل على عمومها في الرجال، والأعمى من رجالنا، فلا ترد شهادته.
وقال : {وأشهدوا ذوي عدل منكم}
وجه الاستدلال: أن الأعمى عدل منا، فلا ترد شهادته كبقية العدول.
ثانيا: من السنة:
عن عائشة قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد فقال: «رحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن من سورة كذا وكذا»، وزاد عباد بن عبد الله عن عائشة «تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي، فسمع صوت عباد يصلي في المسجد فقال: يا عائشة، أصوت عباد هذا؟ قلت: نعم. قال: اللهم ارحم عبادا» .
عن المسور بن مخرمة قال: «قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية فقال لي أبي مخرمة: انطلق بنا إليه عسى أن يعطينا منها شيئا، فقام أبي على الباب فتكلم فعرف النبي صلى الله عليه وسلم صوته، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه قباء وهو يريه محاسنه وهو يقول: «خبأت هذا لك، خبأت هذا لك» .
وجه الاستدلال من هذين الحديثين: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عبادا فعرف شخصه بكلامه ودعا له، وسمع صوت مخرمة من بيته فعرفه ، فاستدل عليهما بصوتهما ولم يرهما.
وعن عبد الله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن»، أو قال: «حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم»، وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا يؤذن حتى يقول له الناس: «أصبحت» .
وجه الاستدلال: قال ابن بطال: احتج مالك بقصة ابن أم مكتوم فقال: وكان أعمى إماما مؤذنا على عهد النبى صلى الله عليه وسلم، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمسلمون المؤذنين فى الأوقات والسماع منهم .
قال المهلب: والذي سمع صوت ابن أم مكتوم من بيته، فعلم أنه الذى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكف عن الطعام بصوته، فهو كالأعمى أيضا يسمع صوت رجل فعرفه، فتجوز شهادته عليه بما سمع منه وإن لم يره ."
والأحاديث السابقة ليست في مجال الشهادة ولكنها في مجال أن الناس يعرفون أصوات بعضهم ويستدلون بها على شخصياتهم ورواية ابن مكتوم لا تدل على شىء لأن الأعمى ليس الشاهد وإنما الشاهد على طلوع النهاء هم الناس الذين يقولون له أصبحت
ثم قال:
وأما من الآثار:
فعن سليمان بن يسار قال: استأذنت على عائشة فعرفت صوتي، قالت: «سليمان؟ ادخل، فإنك مملوك ما بقي عليك شيء» .
ووجه الاستدلال منه: أن أم المؤمنين عائشة عرفت صوت سليمان، ولم تره، فدل ذلك على اعتبار السمع في إثبات الأحكام.
وقال مالك: إنما حفظ الناس عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما حفظوه وهن من وراء حجاب
وأما من العقل:
فإن الصوت في الشرع قد أقيم مقام الشهادة؛ ألا ترى أن الأعمى يطأ زوجته بعد أن يعرف صوتها، والإقدام على الفرج واستباحته أعظم من الشهادة في الحقوق؟"
والآثار ليست في مجال الشهادة صح وقوعها أم بطل وإنما هى في مجال معرفة كل إنسان لأصوات الكثيرين ممن يعيش معهم ومن يعرف صوت أحدهم لابد أن تكون شهادته مقبولة
وأما أدلة الفريق الثالث المبيح لشهادة الأعمى قبل العمى فهى :
"أدلة القول الثالث:
استدل القائلون بقبول شهادة الأعمى إذا علمه قبل العمى وعدم قبول شهادته إذا علمه في حال العمى بالقياس والعقل.
أما من القياس:
فقد قاسوا شهادة الأعمى على شهادة الصغير والعبد والفاسق وشهادة الأصم.
فقالوا: إنما أريد البصر في حال التحمل؛ ليقع له العلم بها، فلم يعتبر البصر في الأداء لاستقرار العلم بها، كما لم يمنع الصغر والرق، والفسق من التحمل، وإن منع من الأداء لأنها أحوال لا تمنع من وقوع العلم بها وتمنع من نفوذ الحكم بها .
وقالوا: لما جاز للأصم أن يشهد بما اختص بالمعاينة، وإن فقد حاسة السمع، جاز للأعمى أن يشهد بما اختص بالسماع، وإن فقد حاسة البصر؛ لاختصاص الاعتبار بالحاسة المدركة .
وأما من العقل:
فهو أن ما أدرك بالسماع استوى فيه الأعمى والبصير، كما أن ما أدرك بالبصر استوى فيه الأصم والسميع؛ لاختصاص العلم بجارحته المحسوس بها، ولأنه فقد عضوا لا يدرك به الشهادة، فلم يعتبر في صحتها مع إمكان إدراكها كقطع اليد.
ولأن الشهادة على الإنسان لا تؤثر فيها فقد رؤية المشهود عليه كالشهادة على ميت أو غائب، والدليل على أن حدوث العمى بعد صحة الأداء لا يمنع من إمضاء الحكم بها: أن الموت المبطل لحاسة البصر وجميع الحواس إذا لم يمنع من إمضاء الحكم بالشهادة، فذهاب البصر مع بقاء غيره من الحواس أولى ألا يمنع من إمضاء الحكم بالشهادة؛ ولأنه لما جاز للأصم أن يشهد بما اختص بالمعاينة، وإن فقد حاسة السمع جاز للأعمى أن يشهد بما اختص بالسماع، وإن فقد حاسة البصر؛ لاختصاص الاعتبار بالحاسة المدركة .
قال الشافعي: لا تجوز شهادة الأعمى إلا أن يكون أثبت شيئا معاينة، أو معاينة وسمعا، ثم عمى، فتجوز شهادته لأن الشهادة إنما تكون يوم يكون الفعل الذي يراه الشاهد أو القول الذي أثبته سمعا، وهو يعرف وجه صاحبه، فإذا كان ذلك قبل أن يعمى ثم شهد عليه حافظا له بعد العمى جاز، وإذا كان القول والفعل وهو أعمى لم يجز من قبل أن الصوت يشبه الصوت "
وكل هذا كلام بلا دليل واستدلالات لا قيمة لها لأنها تضيع حقوق الناس بسبب منع الأعمى من الشهادة بعد عماه
وناقش ونيس أدلة الفرق فقال :
المناقشة:
مناقشة أدلة القول الأول: القائل بعدم قبول شهادة الأعمى:
نوقش استدلالهم بقوله : {وما يستوي الأعمى والبصير} وعمومها بأن الاستدلال بعموم الآية مخصوص بأدلة قبول شهادة الأعمى.
ونوقش استدلالهم بقوله : {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} بأن الاعتبار في شهادة الأعمى بالضبط والعلم وليس على الجهل والظن.
ونوقش استدلالهم بحديث: «هل ترى الشمس؟»، بأنه حديث لا يصح؛ قال أبو محمد ابن حزم: وهذا خبر لا يصح سنده؛ لأنه من طريق محمد بن سليمان بن مشمول وهو هالك، عن عبيد الله بن سلمة بن وهرام وهو ضعيف، لكن معناه صحيح .
وقال الزيلعي: قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي في مختصره فقال: بل هو حديث واه، فإن محمد بن سليمان بن مشمول: ضعفه غير واحد، انتهى.
قلت: رواه كذلك ابن عدي في الكامل، والعقيلي في كتابه، وأعلاه بمحمد بن سليمان بن مشمول، وأسند ابن عدي تضعيفه عن النسائي، ووافقه، وقال: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، إسنادا ولا متنا، انتهى .
وعلى فرض صحته - وهو صحيح المعنى - فلا اعتبار به؛ لأن المعتبر في الشهادة اليقين، وهذا لا ينازع، فلا يقبل من الأعمى إلا ما كان متيقنا منه.
وأما أثر علي ط: فالجواب عنه أنه لا يصح؛ فقد قال ابن حزم: لا يصح، عن علي ط؛ لأنه من طريق الأسود بن قيس، عن أشياخ من قومه أو عن الحجاج بن أرطاة .
وأما الإجماع:
فالجواب: أنه لا يسلم، فقد خالف في المسألة من ذكرنا من الصحابة؛ كابن عباس، وكثير من السلف والفقهاء.
وأما القياس على شهادة البصير في الظلمة واللمس والولاية.
فالجواب: أن من أشهد خلف حائط أو في ظلمة فأيقن بلا شك بمن أشهده، فشهادته مقبولة في ذلك .
وكذا من مس شيئا فتيقنه، شهد عليه وقبلت شهادته.
وأما قياسهم على الولاية:
فالجواب: أن اعتبار الشهادة بالولاية يبطل، فالمرأة تجوز شهادتها، وإن لم تصح ولايتها .
وأما قولهم بتشابه الأصوات، فالجواب: أنه إن كانت الأصوات تشتبه، فالصور أيضا قد تشتبه، وما يجوز لمبصر، ولا أعمى أن يشهد إلا بما يوقن، ولا يشك فيه .
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس