ورغم أن التصفية تأتي في المرحلة الأخيرة من حيث ترتيب الأحداث إلا أنها تمثل المخاطرة الأولى في سياق الاستصناع، ولعل هذا يستوجب توخي الحذر الشديد في اختيار الصانع واختيار مركزه المالي وقدرته الفنية والإدارية، وإذا تم هذا الأمر بشكل سليم فإن احتمال التصفية لن يكون واردا في هذا الشأن.
غير أنه في حالة حدوث التصفية فإن المشتري المحتمل سوف يحتاج إلى استرداد ما دفعه من مبالغ إلى الصانع كدفعات مقدمة، وإذا لم يحصل على ضمانات كافية فإنه سيتساوى في هذه الحالة مع الدائنين الآخرين، وهو أمر غير مقبول بالنسبة للبنك أو البائع، ومن ثم فإن هناك عددا من البدائل المتاحة أمام البنك لضمان حقه تتمثل في:
-رهن أجزاء السلع التي تم تنفيذها.
-رهن جميع موجودات الصانع.
-ضمان رد المبالغ المدفوعة."
بالقطع المخاطر موجودة منذ ظهر عقد الاستصناع ألأول في مجتمع غير إسلامى فهذا العقد ظهر نتيجة هدم دولة العدل وتخلى الدول التى نشأت على أنقاضها عن دورها في تنظيم العمل في المجتمع وتركها الناس يعملون حسب مزاجهم
والحل إن وجدت الدولة العادلة دولة المسلمين مرة أخرى هى ضمها تلك العمالة غير المنتظمة العمل إلى المصانع والورش وعملهم كموظفين يتقاضون رواتب سواء كانوا ينتجون أو لا ينتجون وفى حالة دولة المسلمين لابد أن ينتجوا لأن تنظيم الاقتصاد لن ينتج تلك الطبقة التى تريد التصنيع الذى غالبه على دفعات أو بالتقسيط وإنما سيكون كل شىء منظم بحيث لا تترك ثغرة لأى عمل خاص أو حاجة خاصة
وتحدث القمحاوى عن أساليب مواجهة مخاطر الاستصناع فقال :
"أساليب مواجهة المخاطر
ولا شك أن لكل واحد من الضمانات السابقة عيوبها؛ فالأول منها لن يفيد كثيرا إذا وقع تنفيذ السلعة في موقع الصانع؛ لأن المشتري في حالة التصفية لن يستطيع استكمال صنع السلعة، فضلا عن انخفاض ثمن ما تم إنجازه من السلعة في حالة الحجز عليها، أما الرهن على جميع موجودات الصانع فهذا أمر يستغرق وقتا طويلا فضلا عن التكلفة العالية. وعلى الرغم من أن الضمان الثالث وهو ضمان رد المبالغ المدفوعة مكلف أيضا باعتباره ضمانا مصرفيا إلا أن هذا الضمان يختلف في حالة الاستصناع لعدة أسباب منها:
أنه ضمان لمبالغ تم دفعها بالفعل للصانع ولم يحصل أي مقابل لها، كما أن الصانع يتسلم دفعة من البائع مساوية لمبلغ الضمان، هذا فضلا عن أن المبلغ المدفوع من البائع للصانع غير خاضع لرسوم مالية بعكس القرض الذي يمكن أن يحصل عليه الصانع، كما أنه ليس من المعتاد في التمويل الدولي طلب ضمان برد المبالغ المدفوعة. ومن هذا المنطلق فإن طلب هذا الضمان ليس ضروريا دائما كما في حالة بناء محطة كهرباء أو بناء طريق تحصل رسوم على المرور فيه حيث يكفي الاعتماد على ضمان حسن التنفيذ والمبالغ المحتجزة.
وفي حالة قيام الصانع بالتأخر في تسليم السلعة أو المشروع المتفق عليه، فإنه يمكن إلزامه بدفع تعويضات صارمة عن هذا التأخير، ولقد وافق مجمع الفقه الإسلامي على مبدأ فرض شرط جزائي لسداد تلك التعويضات، وعندما يكون التأخير في التسليم لفترة طويلة فإنه من الإنصاف للمشتري أن ينهي العقد، والمطالبة بما دفعه من مبالغ مقدمة أو تنفيذ الضمان.
وهناك وسيلة أخرى يمكن للصانع من خلالها التقليل من حجم الخسائر تتمثل في التغطية التأمينية، وفي هذا الصدد يلتزم الصانع بشراء عقود التأمين المناسبة والتنازل عن حصيلتها للبنك المعني، وفي حالة الخسارة الجزئية يجوز للصانع استخدام حصيلة التأمين لإعادة الأمور إلى نصابها قبل الضرر أو الخسارة."
والمخاطرة المذكورة يمكن تقنينها من خلال صيغة عقد تضمن لكل طرف حقوقه وهى :
الخطر الأول في حالة تراجع صاحب الشىء المصنوع عن استلامه أو إتمامه يكون على الصانع إتمامه إن قدر ماليا وبيعه لمن يريد ثم يسلم المبلغ الذى أخذه من الأول له وإما إذا صنع الشىء وكان ناقصا وتراجع طالب الصناعة عنه ولم يقدر على إتمامه بسبب عدم قدرته المالية فعليه أن يبيع الناقص لمن يريد إكماله فإن باعه وكان المبلغ مغطيا لأجر الصانع وما دفعه طالب الصناعة يعطى طالب الصناعة ماله وإما إذا باعه بثمن أقل فله أن يأخذ أجر صناعته ويعطى الباقى لطالب الصناعة
الخطر الثانى فساد المصنوع أو عدم الوفاء بمواصفات المصنوع بسبب الصانع وفى تلك الحالة يكون على الصانع إصلاح الفاسد كما في قصة الغتم والحرث فمن أتلف شىء عليه إعادته لأصله إما بعمل مثله سليم وإما بدفع مال لصاحب الشىء كفارق للمواصفات
الخطر الثالث غلاء أسعار المواد الخام ورخصها وهذا يستوجب على الصانع والمصنوع له أن يتفقا على أن السعر يزيد بزيادة المواد الخام وينقص بنقصان سعرها
الخطر الرابع فساد المصنوع بسبب خارج عن إرادة الصانع فمثلا إذا أمطرت السماء مطرا غزيرا وهو يرمى صبة السقف ففسد السقف المصبوب بتسرب الأسمنت وهو المادة اللاصقة من خلال المطر
في تلك الحالة يكون الحل هو اقتسام الطرفين الخسارة من باب قوله تعالى:
" وتعاونوا على البر والتقوى "
وحدثنا القمحاوى عن عيوب المصنوع فقال :
"شرط الإعفاء والخلاف بين الفقهاء
يشترط عقد البيع ضمنيا أن تكون السلع خالية من العيوب، وإذا اتضح أن في السلع المباعة عيبا أو تلفا فإن للمشتري بمقتضى الشريعة الإسلامية الخيار، إما أن يبطل العقد ويسترد الثمن الذي دفعه، أو أن يقبل السلع المعيبة دون أن يكون له الحق في الحصول على التعويض.
ويمكن استثناء هذا الشرط الضمني بسلامة السلعة أو الخدمة من العيوب بشرط صريح في العقد لا يحمل البائع المسئولية عن العيوب، وهو ما يعرف في القانون الحديث "بشرط الإعفاء" وقد اتفق على ذلك معظم فقهاء المسلمين، لكنهم اختلفوا حول الظروف والعيوب التي يمكن استثناؤها، كما أن المؤسسات المالية والبنوك لا تقبل بفكرة رد السلعة نتيجة اكتشاف عيوب كامنة بها بعد تسليمها، ومن ثم فإن السؤال المطروح هنا هل يمكن للبائع في عقد الاستصناع أن يقي نفسه من احتمال وجود عيوب كامنة في السلع المنتجة أو المشروع المقام باستخدام شرط الإعفاء أم لا؟
ورغم أن الفقهاء التزموا الصمت تجاه هذه القضية إلا أن الأستاذ مصطفى الزرقا –الفقيه الإسلامي المعروف– قدم حجة قوية تقول إن الاشتراط في عقد الاستصناع بعدم مسئولية البائع عن العيوب الكامنة في السلعة إجراء باطل؛ لأن البائع هنا لا يشعر بالحاجة لبذل مزيد من الجهد، ويضيف أن منطق الإعفاء هذا لا ينطبق على الاستصناع؛ لأن السلع لم تكن موجودة وقت التعاقد كما أن البائع هو الذي يصنعها، ومن ثم فإن شرط الإعفاء لا يعفي البائع من عدم كفاءته في التصنيع."
وكما سبق القول وجود عيب في المواصفات المتفق عليها حلوله متعددة :
الأول قبول المصنوع له للمصنوع دون طلب مال
الثانى مطالبة المصنوع بمقابل أى تعويض نتيجة العيب وأخذه له
الثالث قيام الصانع ببيع المصنوع المعيب ورد المال للمصنوع له الأول مع أخذه زيادة تمثل فرق غلاء الأسعار إن غلت في تلك الفترة
الرابع قيام الصانع ببيع المصنوع المعيب وصناعة غيره للمصنوع الأول بلا عيوب
وكما سبق القول إن زيادة تدخل المصارف في عمليات الفقراء الصناعية والبيعية هو مصيبة من المصائب التى تعمل على انقاص دخولهم وزيادة التضخم
|