وكل هذا الكلام مردود عليه بأنه في العديد من القضايا ستذهب حقوق الغير وضياع حقوق الغير ظلم وإنما شرعت الأحكام لتحقيق العدالة ومن ثم لابد من الأخذ بشهادة الأطفال في القضايا التى لم يحضرها سواهم وبالقطع القاضى لا يقبل أى شهادة سواء لكبير او صغير إلا بعد فحصها ودراستها لمعرفة كونها شهادة زور أم شهادة حق
وتحدث عن أدلة الرأى الثانى فقال :
"أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بجواز شهادتهم بعضهم على بعض في الجراح والدم إذا لم يتفرقوا: بالقرآن، والأثر، والقياس، والمعقول.
أما من القرآن:
قال : {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} .
وجه الدلالة: أن الله أمر بإعداد القوة للجهاد، ومن ذلك إعداد الصبيان بالتدرب على القتال، ولا شك أنه يحصل بين الصبيان أمور تؤدي إلى الجراح، فكان لا بد من قبول شهادة بعضهم على بعض للضرورة.
قال القرافي: واجتماع الصبيان للتدريب على الحرب من أعظم الاستعداد؛ ليكونوا كثيرا أهلا لذلك، ويحتاجون في ذلك إلى حمل السلاح؛ حيث لا يكون معهم كبير فلا يجوز هدر دمائهم، فتدعو الضرورة لقبول شهادتهم على الشروط المعتبرة ."
والآية لا تصلح في موضوع الشهادة لتحدثها عن إعداد القوة وليس عن الأطفال
ثم قال :
"وأما من الآثار:
فعن مالك عن هشام بن عروة: أن عبد الله بن الزبير كان يقضي بشهادة الصبيان فيما بينهم من الجراح
قال ابن رشد: ووجه إجازتها على المعلوم في المذهب الاتباع لما جاء في ذلك عن السلف "
وهو نقل بشر عن بشر وليس من الوحى ثم قال :
"وأما من الإجماع:
قال مالك: "الأمر المجمع عليه عندنا أن شهادة الصبيان تجوز فيما بينهم من الجراح، ولا تجوز على غيرهم، وإنما تجوز شهادتهم فيما بينهم من الجراح وحدها ولا تجوز في غير ذلك إذا كان ذلك قبل أن يتفرقوا أو يخببوا أو يعلموا ، وعن عبد الملك قال: لم يزل من أمر الناس قديما" .
وقال القاضي عبد الوهاب البغدادي: "ودليلنا على قبولها على الصفة المشترطة فيها أن ذلك إجماع الصحابة؛ لأنه مروي عن علي وابن الزبير ومعاوية، ولا مخالف لهم"
وأما من القياس:
فقد قاسوا شهادة الصبيان على شهادة النساء، فقالوا: كما يكتفي بشهادة النساء في الموضع الذي لا يحضره إلا النساء، يكتفي فيها بشهادة الصبيان في الموضع الذي لا يحضره إلا الصبيان
وأما من المعقول:
فقد قالوا: قبول شهادة الصبيان له حظ من النظر.
قال ابن رشد: "الشهادة لما كان طريقها اليقين لغالب الظن بصحتها، دون العلم بمغيبها، جاز أن يكتفى فيها بشهادة الصبيان في الموضع الذي لا يحضره إلا الصبيان" ."
وكل هذا الكلام هو مناقشة عقلية وهى مناقشة تعتمد على تحقيق العدالة ومن ثم لا بأس بها
وناقش أدلة القول الثالث فقال :
"أدلة القول الثالث:
استدل القائلون بأنها تقبل ممن هو في حال العدالة، فتصح من مميز، بالمأثور والمعقول.
أما من المأثور:
قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، قال: حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت، عن عامر، عن مسروق؛ أن ستة غلمة ذهبوا يسبحون، فغرق أحدهم، فشهد ثلاثة على اثنين أنهما أغرقاه، وشهد اثنان على ثلاثة أنهم أغرقوه، فقضى علي أن على الثلاثة خمسي الدية، وعلى الاثنين ثلاثة أخماس الدية .
وجه الدلالة: أن عليا قبل شهادة الصبيان، ولم يردها."
بالقطع هذه القضية لم تحدث وعلى لا يمكن أن يقضى هكذا لأنه حكم على الأبرياء والقتلة معا بكون الكل مجرمون
ولو نظر القوم في الحكاية لوجدوا أن القاضى لم يأخذ بشهادة أولئك ولا شهادة هؤلاء لأن الحكم الصادر اعتبر الكل قتلة
والحكم هو بمثابة حكم الظلمة اضرب المربوط يخاف السايب فإذا حكم على الأبرياء خاف المجرمون
ثم قال :
"أما من المعقول:
أولا: أن المميز أقرب شبها بالبالغ؛ ولذا أمر بالصلاة وأثيب عليها.
روى ابن إبراهيم عن أحمد أنه سئل: هل تجوز شهادة الغلام؟
قال: إذا كان ابن عشر سنين أو اثنتي عشرة سنة، وأقام شهادته، جازت شهادته؛ انتهى كلامه.
وهذا النص إنما يدل لما ذكره بعض الأصحاب من أنه تقبل شهادة ابن عشر؛ لأنه يضرب على الصلاة أشبه البالغ، ووجهه: أنه مأمور بالصلاة أشبه البالغ.
ثانيا: قالوا: إن حال الصبي المميز حال أهل العدالة لإمكانه ضبط الشهادة.
قال ابن مفلح رواية عن أحمد: "تقبل ممن هو في حال أهل العدالة؛ "لأنه يمكنه ضبط ما يشهد به فقبلت كالبالغ" "
وهذا الكلام عن تمييز ابن العاشرة هو كلام خاطىء فلا توجد سن معينة للتمييز فكل واحد قد يختلف عن ألأخر في سنة بلوغه والبعض قد يبلغ 18 سنة ولم يبلغ كما يقال في بلاد البرد وقد يبلغ قبل العاشرة في بلاد الحر القائظ
ومن ثم لا يبقى سوى شىء واحد وهو أن القاضى ليس مجنونا حتى يقبل شهادة طفل أو كبير دون تمحيص ودراسة ومن ثم تقبل شهادات الكل ولكن بعد التمحيص والدرس تظهر شهادة الزور من شهادات الحق ويتم عقاب من شهدوا زورا
وناقش على ونيس أدلة الفرق المختلفة فقال :
"المناقشة:
مناقشة أدلة القول الأول:
مناقشة استدلالهم بالآيات القرآنية:
قالوا في الرد على استدلالهم بالآيات: كل ما ورد في الآيات إنما هو خطاب للمكلف البالغ، وأما إذا عدم البالغ، واحتجنا إلى إثبات الحقوق، فقد عدلنا إلى من هو غير مخاطب بها، مع إمكان تحمله وأدائه لها، فقبلنا شهادته ضرورة، ووجه استدلالكم من الآيات صحيح في غير حالتنا، وإنما هو في حالة وجود الشهود البالغين.
قال القرافي: "الأمر بالاستشهاد إنما يكون في المواضع التي يمكن استثناء الشهادة فيها اختيارا؛ لأن من شرط النهي الإمكان، وهذا موضع ضرورة تقع فيه الشهادة بغتة، فلا يتناولها الأمر، فتكون مسكوتا عنها، وقال: إن هذه الظواهر عامة، ودليلنا خاص، فيقدم عليها" .
وأما حديث رفع القلم، فقالوا في الرد عليه: لا دلالة فيه على عدم قبول عمل منه أداه على وجهه، فغايته رفع الإثم، والمراد بالقلم التكليف وما نحن فيه ليس منه، وإنما هو من باب حفظ الحقوق للآخرين بقوله: وأما القياس على حفظ أمواله، فإن الشريعة تراعي جانب المحافظة على الحقوق، فمنعت الصبي من ولاية ماله محافظة له على ماله، وقبلت شهادته محافظة للآخرين على حقوقهم.
وأجابوا عن استدلالهم بالمعقول فقالوا:
أما قولكم: إن الأداء لا يكون إلا بالتحفظ والتذكر، فنقول: ونحن لا نقبل شهادة الناسي والذي لا يذكر منهم، ولكن نقبل شهادة من أتقن وتذكر، وأما كونها ولاية فهذا لا يسلم؛ لأن الشهادة تفارق الولاية في كثير من الأمور.
|