ومن هنا يجب أن ينظر كل مسؤول في المدرسة إلى نفسه على أنه راع وأنه مسؤول عن رعيته, فهؤلاء الأطفال الذين بين أيديهم هم لبنات ذلك المجتمع، وهم النبت الذي يجب أن تتولاه المدرسة بالعناية والرعاية، وهم قبل ذلك عجينة يمكن تشكيلها وصبغها بالصبغة التي تريدها المدرسة, ومن ثم فإن مسؤولية المدرسة أن ترعى الله في هؤلاء الناشئين وفي المجتمع الذي أودعهم في تلك المدرسة لتنشئتهم على مبادئ الإسلام وتعاليمه "
والكلام عن مسئولية المدرسة وهو واجبات العاملين بها يعنى أن كلام الدابى عن المدرسة هو نفسه كلام عن المعلم في الجزئية التالية :
"[هـ] مسؤولية المربي (المعلم):
للمعلم في الإسلام منزلة كبيرة تقترب من منزلة الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه, فهو بمثابة الأب الروحي للمتعلم, فهو الذي يقوم بتغذية الروح بالعلم، وتهذيب النفوس بالأخلاق، وتقويمها. ولذا فإن رسول الله - يخبرنا بأن مداد العلماء يساوي دماء الشهداء، فالعالم العامل خير من المتعبد الجاهل الذي يصوم النهار ويقوم الليل، وقد وصف الغزالي منزلة العلم والعلماء في قوله: "فمن علم وعمل بما علم فهو الذي يدعي عظيما في ملكوت السماء, فكأنه كالشمس تضئ لغيرها وهي مضيئة في نفسها، وكالمسك الذي يطيب عبيره وهو طيب, ومن اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرا عظيما وخطرا جسيما, فليحفظ آدابه ووظائفه
وقد وصف أبو الدرداء المعلم والمتعلم بأنهما شريكان في الخير, ولا خير فيما عداهما
ولكن يقابل تلك المنزلة الكبيرة التي يحظى بها المعلم في المجتمع الإسلامي مسؤوليات يفرضها عليه المجتمع وقد حدد الإمام الغزالي عددا منها نجمله فيما يلي:
أولا: أن يشفق على المتعلمين ويجريهم مجرى أبنائه، ولا يدخر وسعا في نصحهم وإرشادهم، وأن يزجرهم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ذلك لا بطريق التصريح، وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ.
ثانيا: أن يراعي مستوى الأطفال من الناحية العقلية, ويخاطبهم على قدر عقولهم، ولا يلقي إليهم أشياء فوق مستوى إدراكهم، حتى لا ينفروا من التعليم ويتخبطوا فيما يفهمونه، ـ وهذا خير مبدأ في التربية الحديثة ـ وألا يقبح في نفوس المتعلمين علوم غيره، وهذا يعني أن المعلم عليه ألا يتعصب لمادته.
ثالثا: ينبغي أن يراعي مستوى الضعفاء من المتعلمين واختيار المادة السهلة الواضحة التي تناسبهم، ويجب ألا يشعرهم بأنهم ضعفاء أو أغبياء حتى لا يؤثر في نفوسهم تأثيرا سيئا.
رابعا: أن يعمل المعلم بعلمه فلا يكذب قوله فعله قال تعالى: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} "
وهذا الكلام يلخصه قوله تعالى :
" وقل رب زدنى علما"
فمهمة المدرسة زيادة علم الأطفال بحيث يطيعون أحكام الله كلها بما فيها ما يسمى البحث العلمى والذى غالبا ما يؤخذه الكل خارج نطاق الإسلام مع أنه جزء منه
وكما كرر الرجل كلام المدرسة في المعلم سبق أن ذكر مسئولية الفرد وهى نفسها مسئولية المتعلم وهو الابن أو البنت حيث قال :
"[و] مسؤولية المتعلم:
لطالب العلم منزلة كبيرة في العملية التعليمية بشكل عام وفي التربية الإسلامية بصفة خاصة، فالتربية تتوجه لإعداده إعدادا كاملا شاملا ليكون مؤهلا لحمل الأمانة ـ وهي خلافة الله في الأرض
عمارة وعبادة ـ وهو يتسلمها من الجيل السابق ليقوم بتسليمها إلى الجيل اللاحق, وتأهيله يقتضي العناية به ورعايته حتى يكون سليم الإعداد حسن البناء, وطالب العلم أو المتعلم في التربية الإسلامية ينبغي أن يتحلى بصفات معينة جمعها الله عز وجل في قوله تعالى: { ... واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم}
فالله سبحانه وتعالى يأمر بالتقوى، وهي التحلي بكل فضيلة، واجتناب كل رذيلة، والخوف من الله في السر والعلانية، وسلامة الروح والجسد، والبعد عن الشهوات والمفاسد، حتى يعلمه الله ويمنحه نورا ربانيا يمشي به بين الناس ويلهمه العلم والمعرفة ونور البصيرة
وقد حدد الإمام الغزالي الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم أو المتعلم وفيما يلي إيجاز لتلك الصفات
[1] ينبغي لطالب العلم أو المتعلم التحلي بمكارم الأخلاق, كما عليه الابتعاد عن سيئ الأخلاق مثل: الغضب، والشهوة، والحقد، والحسد، والكبر، والعجب. كل هذه ظلمات تحجب نور العلم، وليس العلم كثرة الرواية وما تعيه الحافظة، وإنما هو نور البصيرة, بما تميز به بين الحق والباطل، والضار والنافع، والخير والشر، والهدى والضلال
[2] يجب أن يقلل طالب العلم من شواغله وما يصرفه عن ... التحصيل، وأن يكرس الوقت للعلم، إذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه, وهذا يعني التفرغ لطلب العلم لأن العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كل وقتك وتفكيرك.
[3] ألا يتكبر المتعلم على المعلم ولا يتآمر عليه، بل يذعن لنصيحته إذعان المريض للطبيب المشفق الحاذق، وينبغي أن يتواضع لمعلمه ويطلب ثواب الشرف بخدمته , فقد ورد أن زيد بن ثابت - صلى على جنازة، فقربت إليه بغلة ليركبها, فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله - , فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء. فقبل زيد ابن ثابت يده، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا
فلا ينبغي لطالب العلم أن يتكبر على المعلم، فيجب أن تكون الصلة حسنة بين المعلم والمتعلم, والحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها, ولا ينال العلم إلا بالتواضع والانتباه وإلقاء السمع قال تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}
هذا يعني أن يكون المتعلم قابلا للعلم ذو فهم وبصر، ومع ذلك فربما لا تعينه القدرة على الفهم حتى يلقى السمع وهو شهيد، بمعنى أن يكون حاضر القلب يستقبل كل ما ألقي إليه بحسن الإصغاء، والضراعة، والشكر، وانشراح الصدر, قال علي ـ كرم الله وجهه ـ: "من حق العالم ألا تكثر عليه بالسؤال، ولا تعنته في الجواب, ولا تلح عليه إذا كسل, ولا تأخذ بثوبه إذا نهض, ولا تفشين له سرا، ولا تغتابن أحدا عنده, ولا تطلبن عثرته, وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره وتعظمه لله تعالى, ما دام يحفظ أمر الله تعالى".
[4] ألا يدع طالب العلم فنا من العلوم محمودا، ولا نوعا من أنواعها، إلا وينظر فيه نظرا يطلع به على مقصده وغايته, ثم إن ساعده العمر، طلب التبحر فيه, وإلا اشتغل بالأهم منه واستوفاه, فإن العلوم متعاونة وبعضها يعزز بعضا.
[5] ألا يخوض المتعلم في فن من فنون العلم دفعة واحدة، بل يراعي الترتيب, ويبتدئ بالأهم, فإن العمر إذا كان لا يتسع لجميع العلوم غالبا فالحزم أن يأخذ من كل شيء أحسنه.
[6] أشرف العلوم العلم بالله عز وجل، وملائكته، وكتبه، ورسله, والعلم بالطريق الموصل إلى هذه العلوم. فإياك وأن ترغب إلا فيه، وأن تحرص إلا عليه.
[7] أن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنه وتجميله بالفضيلة، وفي المآل القرب من الله سبحانه و تعالى، قال تعالى: { ... يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير} وقال تعالى: {هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون}
|