عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-06-2022, 08:32 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,022
إفتراضي

ويحك يا نفس! لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا، ولا يغرك بالله الغرور فما أمرك بمهم لغيرك، ولا تضيعي أوقاتك ؛ فالأنفاس معدودة، فإذا مضى عنك نفس فقد مضى بعضك ويحك يا نفس! أو ما تنظرين إلى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا، ثم ذهبوا وخلوا؟ اعملي يا نفس بقية عمرك في أيام قصار لأيام طوال، وفي دار حزن ونصب لدار نعيم وخلود "
وكل ما سبق من كلام لا أصل له في كتاب الله سوى حمد الله على الطاعات وأما العصيان لله فالحساب يكون بالطريقة التى طلبها الله وهى :
الأول الاستغفار للذنوب كما قال تعالى :
" من يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما"
الثانى عمل العقوبات المطلوبة كالكفارات فمثلا مرتكب المظاهر عليه إما أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين نسكينا ومثلا مرتكب القتل الخطأ عليه عتق رقبة ودفع الدية فإن لم يكن معه أيا منهما صام شهرين متتابعين كما قال تعالى :

وتحدث عن نماذج من محاسبة القدماء لأنفسهم فقال :
"المبحث الخامس نماذج من محاسبة السلف لأنفسهم:
إن الهدف من إيراد هذا المبحث ما هو إلا التذكير فحسب ؛ لأن في إيراد القصة أثرا لا يخفى على القارئ والسامع فكيف إذا كانت هذه القصص من حياة صفوة الأمة وخيارها وهم سلفها الكرام ؟!
ولا شك أن البحث والاستقصاء عن كل ما ورد من نماذج رائعة وصور مشرقة لمحاسبة السلف الصالح لأنفسهم يتطلب مجهودا جبارا ووقتا طويلا؛ وحسبنا هنا أن نذكر طرفا من ذلك موعظة وذكرى
إن أولئك القوم ارتبطت قلوبهم بالله؛ فكانوا أجسادا في الأرض وقلوبا في السماء، وما إن يحصل من أحدهم تقصير أو زلة إلا ويسارع في معالجة خطئه، ومعاقبة نفسه على ذلك؛ حتى لا تكاد تأمره إلا بخير ولعلنا نقتصر هنا على بعض النقولات العجلى عن أولئك النفر الكرام لعلها تحرك القلوب، وتشحذ النفوس ، وتسهم في تربية المسلم لنفسه تربية جادة
عن أنس بن مالك _ رضي الله عنه _ قال: سمعت عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ يوما وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته يقول _ وبيني وبينه جدار _ :" عمر!! أمير المؤمنين !! بخ بخ، والله بني الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك "
وجاء رجل يشكو إلى عمر وهو مشغول فقال له: " أتتركون الخليفة حين يكون فارغا حتى إذا شغل بأمر المسلمين أتيتموه "؟ وضربه بالدرة ، فانصرف الرجل حزينا، فتذكر عمر أنه ظلمه، فدعا به وأعطاه الدرة ، وقال له :" اضربني كما ضربتك " فأبى الرجل وقال: تركت حقي لله ولك فقال عمر: " إما أن تتركه لله فقط ، وإما أن تأخذ حقك " فقال الرجل: تركته لله فانصرف عمر إلى منزله فصلى ركعتين ثم جلس يقول لنفسه : "يا ابن الخطاب: كنت وضيعا فرفعك الله، وضالا فهداك الله، وضعيفا فأعزك الله، وجعلك خليفة فأتى رجل يستعين بك على دفع الظلم فظلمته ؟!! ما تقول لربك غدا إذا أتيته؟ وظل يحاسب نفسه حتى أشفق الناس عليه
وقال إبراهيم التيمي: " مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: يا نفس أي شيء تريدين؟ فقالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا! قلت: فأنت في الأمنية فاعملي "
وحكى صاحب للأحنف بن قيس قال: كنت أصحبه فكان عامة صلاته بالليل، وكان يجيء إلى المصباح فيضع إصبعه فيه حتى يحس بالنار ثم يقول لنفسه : " يا حنيف !ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا ؟ "
كان عمر بن عبدالعزيز شديد المحاسبة لنفسه قليل الكلام ، وكان يقول : " إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة "
ونقل عن ابن الصمة : أنه جلس يوما ليحاسب نفسه فعد عمره فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي واحد وعشرون ألفا وخمسمائة يوم؛ فصرخ وقال: " يا ويلتى! ألقى الملك بواحد وعشرين ألف ذنب! فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب " ؟!! ثم خر فإذا هو ميت!! فسمعوا قائلا يقول: يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى يقول الغزالي معلقا على هذه القصة : " فهكذا ينبغي أن يحاسب (العبد) نفسه على الأنفاس، وعلى معصيته بالقلب والجوارح في كل ساعة ولو رمى العبد بكل معصية حجرا في داره لامتلأت داره في مدة يسيرة قريبة من عمره، ولكنه يتساهل في حفظ المعاصي؛ والملكان يحفظان عليه ذلك ( أحصاه الله ونسوه ) "
وقال عبد الله بن قيس :" كنا في غزاة لنا فحضر العدو، فصيح في الناس فقاموا إلى المصاف في يوم شديد الريح، وإذا رجل أمامي وهو يخاطب نفسه ويقول: أي نفسي! ألم أشهد مشهد كذا فقلت لي: أهلك وعيالك؟!! فأطعتك ورجعت! ألم أشهد مشهد كذا فقلت لي: أهلك وعيالك؟!! فأطعتك ورجعت! والله لأعرضنك اليوم على الله أخذك أو تركك فقلت: لأرمقنك اليوم، فرمقته فحمل الناس على عدوهم فكان في أوائلهم، ثم إن العدو حمل على الناس فانكشفوا (أي هربوا) فكان في موضعه، حتى انكشفوا مرات وهو ثابت يقاتل؛ فوالله ما زال ذلك به حتى رأيته صريعا، فعددت به وبدابته ستين أو أكثر من ستين طعنة " "
هذه النماذج ليست حسابا للنفس فالمروى عن عمر وهو توبيخه لنفسه ليس حسابا لأن الحساب يكون تفصيليا حتى يمكن الاستغفار لكل ذنب على حدة وعمل المطلوب فيه من كفارات أو غيرها للتم التوبة والمروى عن ابن الصمة جنون مطبق فالرجل ينسبون له ان قال أنه كان يرتكب عشرة ألاف ذنب في اليوم وهو أمر محال فاليوم1440 دقيقة ومن ثم فهو لن يقدر على ارتكاب حتى ألف سيئة في اليوم إذا نام سبع أو ست ساعات
وتحدث عن معينات المحاسبة فقال :
"المبحث السادس مما يعين على المحاسبة
هناك بعض الأمور تعين المرء على المحاسبة لنفسه ، بحيث إذا تأملها وتملاها جيدا كانت خير معين له على أن يبادر ويسارع إلى أطر نفسه وإيقافها عند أمر الله ونهيه فمن ذلك ما ذكره ابن القيم حيث قال :"ويعينه على هذه المراقبة والمحاسبة أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غدا إذا صار الحساب إلى غيره وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غدا ويعينه أيضا : معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس ، والنظر إلى وجه الرب سبحانه ، وخسارتها دخول النار والحجاب عن الرب تعالى
فإذا تيقن هذا هان عليه الحساب اليوم فحق على المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخطواتها ، فكل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا حظ لها يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد فإضاعة هذه الأنفاس ، أو اشتراء صاحبها ما يجلب هلاكه : خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلا وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن ببينها وبينه أمدا بعيدا ) "
ويحسن التنبيه هنا عل أمر يعين على المحاسبة وهو أن يحرص المسلم على تخصيص وقت محدد يحاسب فيه نفسه ، وإن كان ذلك ليس شرطا في هذا الباب فإن المسلم رقيب على نفسه في كل وقت ؛ لكن ذكر بعض العلماء أن تخصيص وقت قبل النوم من كل ليلة من أحسن الأوقات للمحاسبة
قال الماوردي : " عليه أن يتصفح في كل ليلة ما صدر من أفعال نهاره ، فإن الليل أخطر للخاطر وأجمع للفكر "
وقال ابن القيم : " ومن أنفعها أن يجلس الرجل عندما يريد النوم ساعة يحاسب فيها على ما خسره وربحه في يومه ، ثم يجدد له توبة نصوحا بينه وبين الله ، فينام على تلك التوبة ، ويعزم على ألا يعاود الذنب إذا استيقظ ، ويفعل هذا كل ليلة ، فإن مات من ليلته مات على توبة ،وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل مسرورا بتأخير أجله حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فات " "
والحق أنه لا يعين على المحاسبة سوى المحاسب نفسه فمن لا يقدر على حساب نفسه لن يعينه غيره لأن الحساب خاص بالفرد نفسه ولذا قال تعالى :
"كل نفس بما كسبت رهينة"
واختتم العسكر رسالته فقال :
"ونختم موضوع رسالتنا هذه بالتذكير بقضية مهمة وهي : أنه لا بد من أن يكون المرء صادقا في محاسبته لنفسه وتعتمد المحاسبة الصادقة على أسس ثلاثة ذكرها الإمام ابن القيم وهي: الاستنارة بنور الحكمة ؛ وسوء الظن بالنفس ، وتمييز النعمة من الفتنة
فأما نور الحكمة ؛ فهو العلم الذي يميز به العبد بين الحق والباطل، وكلما كان حظه من هذا النور أقوى كان حظه من المحاسبة أكمل وأتم
وأما سوء الظن بالنفس؛ فحتى لا يمنع ذلك من البحث والتنقيب عن المساوئ والعيوب
وأما تمييز النعمة من الفتنة؛ فلأنه كم مستدرج بالنعم وهو لا يشعر، مفتون بثناء الجهال عليه، مغرور بقضاء الله حوائجه وستره عليه !
حكى الذهبي عن المروذي قال: قلت لأبي عبد الله [ يعني الإمام أحمد]: قدم رجل من طرسوس فقال:كنا في بلاد الروم في الغزو إذا هدأ الليل رفعوا أصواتهم بالدعاء لأبي عبد الله، وكنا نمد المنجنيق ونرمي عن أبي عبد الله وقد رمي عنه بحجر والعلج على الحصن متترس بدرقته فذهب برأسه والدرقة !! قال: فتغير وجه أبي عبد الله وقال:" ليته لا يكون استدراجا"
وكما سبق القول :
كل مسلم عليه أن يحاسب نفسه قبل نومه أو في أى وقت فيعرف فيما أذنب ليستغفر ويعمل كفارات الذنب إن وجدت
مقياس الحسنات والسيئات وهى الذنوب هو أحكام الله وليس أى شىء أخر
إحزان القريب أو الصديق أو الحبيب ليس ذنبا إذا كان في طاعة لله والبعض منا يعتبره ذنبا ويبيت ليله مهموما بسبب حزنهم
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس