عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-05-2022, 09:28 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,042
إفتراضي

الإشكال الثاني
وهو أثر ابن عباس أنه قال؛ "كفر دون كفر" وفي رواية "ليس الكفر الذي تذهيون إليه" ورواية "ليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه" وهي من طرق والرد عليها من وجوه
أولا وجد من يخالف ابن عباس من الصحابة هذا على فرض صحة ما ورد عنه ولم يصح قطعا كما سيأتي وهو ابن مسعود وقد قال صلى الله عليه وسلم(رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد) أي ابن مسعود
وهو القائل(والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيما أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه) فقد أقسم بالله أنه لا يعلم من هو أعلم منه بكتاب الله
ثانيا الإجماع المنقول عن إسحاق المخالف لمفهوم هذه الرواية
ثالثا القرائن من كتاب الله تدل على أن المقصود بالكفر هو الكفر الأكبر وليس الأصغر من حيث أنها عبادة من أصل التوحيد إطلاقها والأصل في الكفر إذا عرف باللام أنه الكفر الأكبر كما قرر هذا شيخ الإسلام في الاقتضاء [1/ 208] "إلا إذا قيد أو جاءت قرينة تصرفه عن ذلك"
وقال (وذلك أن اللام في لغة العرب هي للتعريف فتنصرف إلى المعروف عند المتكلم والمخاطب وهي تعم جميع المعروف فاللام في القول تقتضي التعميم والاستغراق لكن عموم ما عرفته وهو القول المعهود المعروف بين المخاطب والمخاطب) [الاستقامة ج1/ص 222]"
وما قاله المؤلف عن وجود أنواع من الكفر كالكفر الأكبر والأصغر هو كلام بلا دليل من الوحى فالكفر واحد وهو عصيان الله في واحدة أو أكثر من أحكامه أو في كل أحكامه ولذا اعتبر الكفر ببعض كفر بالكل فقال :
"أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب"
ومن ثم لا فرق بين كفر العقيدة أو كفر غيرها ثم قال :
"رابعا وهي قضية القضايا ورحى المسألة وفصل الزبد عما ينفع الناس في الأثر الوارد عن ابن عباس بألفاظ مختلفة فهي حرية بفرز غثها عن سمينها وصفاءها عن كدرها فندرس أسانيدها دراسة علمية موثقة على نهج أهل الحديث سلفهم ومن وافقهم من خلفهم آخذين ما لنا وما علينا نقول وبالله التوفيق
الرواية الأولى(من جحد ما أنزلت فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق)
عن ابن عباس أنه قال في تفسير قوله تعالى{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}(من جحد ما أنزلت فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق)؛
نقول؛ هذه الرواية أخرجها الطبري في جامع البيان [6/ 166] وابن أبي جاتم في التفسير [4/ 1142] وهي من طريق معاوية بن صالح عن ابن أبي طلحة
عن ابن عباس به؛ وهي طريق معلولة بعلتين؛
العلة الأولى معاوية بن صالح ضعيف قال العلماء فيه ما نصه
قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد؟ فقال(كان أول أمره متماسك ثم فسد بآخره وليس هو بشيء) قال ابن المديني(لا أروي عنه شيئا) وقال النسائي(ليس بثقة) قال أحمد بن صالح(متهم ليس بشيء) قال صالح جزرة(كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في الحديث) قال أبو زرعة(لم يكن عندي ممن يتعمد الكذب وكان حسن الحديث) قال أبو حاتم(صدوق أمين ما علمته)
فالأئمة الكبار كأحمد وابن المديني والنسائي وأحمد بن صالح وصالح جزرة ضعفوه
العلة الثانية الانقطاع بين ابن أبي طلحة وابن عباس فهو لم يسمع منه قال ذلك؛ ابن معين ودحيم وابن حبان وغيرهم
وأما قولهم؛ بينهما مجاهد وعكرمة فهذا لا يصح لوجهين
الوجه الأول أن الذي أثبت سماعه مجهول من مجاهد وعكرمة) [شرح معاني الآثار ج 3 ص 279]
أقول فهل سمى أحدا من أهل العلم الذين عاصروا ابن أبي طلحة وعرفوه حق المعرفة؟ وهل مجرد العزو للمجهول يعتبر حجة؟
علما أن الطحاوي يقول كما هو مبين أعلاه(وإن كان خبرا منقطعا لا يثبت مثله) فهو يقصد الانقطاع الوارد بين ابن أبي طلحة وابن عباس السماع لم يثبت بيقين قطعا قطعا
الوجه الثاني أن نفي السماع المطلق ورد من كلام الأئمة الأثبات وخص يعقوب بن إسحاق عدم سماع الصحيفة بقوله عندما سأل صالح بن محمد ممن سمع التفسير؟ قال(من لا أحد) [أنظر تهذيب الكمال ج 2/ص 974] فلا يزول هذا إلا بيقين فاليقين لا يزول بالظن عما هو متقرر
أما قولهم؛ هي وجادة فهذا القول أوهن من بيت العنكبوت
كذلك علي بن أبي طلحة هذا يروي المنكرات
وإليك بعض الأدلة
ما أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات [81] واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" [2/ 201] من طريق عبد الله بن صالح عن معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى{الله نور السماوات} يقول(الله سبحانه وتعالى هادي أهل السموات والأرض {مثل نوره} مثل هداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيئ قبل أن تمسه النار فإذا مسته ازداد ضوءا على ضوء)
ومنها ما أخرجه الطبري في مواضع من تفسيره [8/ 115] والبيهقي في "الأسماء والصفات" [94] بهذا لإسناد مرفوعا في قوله تعالى{المص} {كهيعص} {طه} {يس} {ص} {طس} {حم} {ق} {ن} ونحو ذلك قال(قسم أقسمه الله تعالى وهو من أسماء الله عز وجل) وهذا خبر منكر فسبحان الله! كيف هذا يصح عند العقلاء؟ هل سمع الأنام أن قاف وصاد ونون من أسماء الله تعالى؟ بمعنى إذا دعوت الله تقول يا قاف ويا صاد! الله المستعان
كذلك روى ابن الحكم كما نقل السيوطي في "الإنقان" [2/ 189] عنه أن الشافعي قال(لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث) أقول كيف وفي الصحيفة ما يزيد على ألف وأربع مائة رواية؟!
فخلاصة القول؛ أن هذا الأثر لا يثبت قطعا على منهاج المحدثين من علماء الجرح والتعديل كما هو ظاهر لكل طالب حق وناشد هدى
الرواية الثانية(وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله)
وهي تعد من المشكلات وهي عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال(هي به كفر) (وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله) وقد جاء هذا اللفظ عند الطبري من كلام ابن عباس فيما يظهر على من لم تظهر له العلة؛ وهو من طريق سفيان عن معمر بن راشد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وجاء من كلام عبد الله بن طاوس رحمه الله ولكن مقتضى علم الحديث يصرخ بأن هذه اللفظة من كلام ابن طاوس وليست من كلام ابن عباس فهي مدرجة وذلك من وجوه
الوجه الأول أن الذي روى هذه الزيادة من كلام ابن عباس هو سفيان عن معمر بن راشد وقد خالفه فيها عبد الرزاق ففصلها وبين أنها من كلام طاوس
قال عبد الرزاق اخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله {فأولئك هم الكافرون}؟ قال(هي به كفر) قال ابن طاوس(وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله) فتبين أن ابن طاوس هو قائلها لا ابن عباس
الوجه الثاني أن أئمة الحديث قالوا إذا اختلف أصحاب معمر فالقول لعبد الرزاق ذكر ذلك إمام العلل والجرح والتعديل وصاحب المعرفة والمعاصرة بعبد الرزاق الصنعاني فقال محمد بن سهل بن عسكر سمعت أحمد بن حنبل يقول(إذا اختلف أصحاب معمر في حديث معمر فالحديث حديث عبد الرازق) [تاريخ أسماء الثقات ج 1 ص 1800]
كذلك الحافظ ابن حجر رجح رواية عبد الرزاق عن معمر عن رواية عبد الأعلى عن معمر وما أدراك ما عبد الأعلى؟ ثقة من رجال الجماعة) [فتح الباري ج 2 ص 368] لذلك يؤكد ابن عبد البر هذا فيقول(وأبان ليس بحجة ولا تقبل زيادته على عبدالرزاق لأن عبدالرزاق أثبت الناس في معمر) [التمهيد ج 6 ص 410]وقال عباس الدوري عن ابن معين(كان عبد الرزاق أثبت في حديث معمر) [تهذيب التهذيب ج 6 ص 279]فتأمل أخي القارىء الكريم كيف رجح الأئمة الكبار كأحمد وابن معين وابن عبد البر ويعقوب وابن حجر رواية عبد الرزاق عن غيره وكيف يستميت القوم الذين يؤيدون مذهب الإرجاء في مخالفة الأئمة فالله المستعان
الوجه الثالث أن الرواية الصحيحة الثابتة هي رواية عبد الرزاق المطلقة التي تقرر "هي به كفر" دون الزيادة المدرجة في رواية سفيان؛ "وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله" وهذا مقتضى كلام الإمام أحمد وابن معين ويعقوب وابن عبد البر وابن حجر
الوجه الرابع ما قرره أئمة الحديث في المدرج ينطبق تمام المطابقة على هذه الرواية
قال الذهبي (المدرج هو ألفاظ تقع من بعض الرواة متصلة بالمتن لا يبين للسامع إلا أنها من صلب الحديث ويدل دليل علي أنها من لفظ راوي يأتي الحديث من بعض الطرق بعبارة تفصل هذا من هذا)
وهنا جاءت رواية تفصل هذا من هذا ممن هو أوثق وأحفظ للرواية من المخالف فخلاصة هذه الرواية؛ أنها مدرجة من كلام ابن طاوس وابن عباس بريء منها
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس