عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-04-2022, 07:42 AM   #2
رضا البطاوى
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,843
إفتراضي

قال صاحب السلم:
وعندهم من جملة المردود……أن تدخل الأحكام في الحدود
الثامن: قال البناني: (تفسير الإله بالمستغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل ما عداه، لا يمنع كونه كليا، إذ لا يوجد تشخصه؛ لأنه بهذا المعنى يحتمل أن يصدق على كثير على سبيل البدلية)
إغراق في الخطأ، وتشبث به إلى حد التزمت والتعصب، حتى أنه لم يفرق بين ما يعين المسمى ويخصصه، وبين ما ليس كذلك.
ومن البديهيات في علم المنطق أن التشخص في الجزئي يمنع الاشتراك فيه، فـ"إنسان" كلي يقبل الاشتراك، و"زيد" جزئي لا يقبل الاشتراك لتشخصه وتعينه.
ولو فرضنا أن الإله بمعنى المعبود كلي، لشموله لمعبودات، فإن تفسيره بالمستغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل ما عداه، تخصيص له بما لا يشاركه فيه غيره، فهو بمنزلة التشخص في زيد، ذلك أن المعبودات بجميع أنواعها لا تستغني عن المحل والمخصص، وهي مفتقرة إلى ما يملكها، بل الممكنات كلها مفتقرة غير مستغنية.
ثم إن اللفظ يصدق على كثير على سبيل البدلية ليس بكلي، بل هو نكرة في سياق الإثبات، كرجل ورقبة ودرهم، ويسميه أهل الأصول مطلقا، وكلامنا في الإله العلم، ولا تتأتى فيه البدلية أبدا بحال؛ لأنه علم خاص بالإله كما بينا، وهو الذي لا يجوز غيره، وإن كان كليا على القول الضعيف الساقط، فيعم المعبودات عموما شموليا.
فظهر بطلان كلام البناني على جميع الاحتمالات.
ثم إن قوله: (إذ لا يوجب تشخصه) خطأ تاسع، والصواب أن يقول: إذ لا يوجب تعينه، لأن التشخص لا يجوز أن يضاف إلى الله تعالى"
وبهذا يكون الغمارى قد بين تسع أخطاء في قول البنانى وبعد ذك حدثنا قضايا كرر بعضها في كلامه السابق فقال :
"إيرادات والجواب عنها:
الأول: دعوى أن المحال ليس بكلي، تخالف ما أطبق عليه أهل المنطق من اعتبار شريك الباري كليا، كذلك الإله، وإن لم يذكروه تأدبا، كما مر، وتعريف المحال يقتضي كليته.
والجواب عليه: مسائل المنطق لا يحتج فيها بالإجماع، ولا بقول الأكثر، وإنما العبرة فيها بما يقضي به العقل والفكر السليم.
وبناء عليه نقول: لا يخفى أن الكليات مبادئ التصورات التي هي حدود ورسوم لماهية الموجودات الممكنة، فالحدود والرسوم تتركب من أجناس وفصول وخواص، كما هو معلوم، والموجودات نوعان: موجودات بالفعل كالحيوان والإنسان، وموجودات بالقوة كنهر لبن وبحر زئبق وجبل ياقوت، فإن هذه الأشياء ممكنة الوجود وإمكان الشيء كوقوعه، فهي موجودة بالقوة.
والكليات التي تدخل في التعريف تقع على أشياء موجودة في الذهن أو في الخارج، كالإنسان والحيوان مثلا.
والمحال لا يتصور في العقل وجوده، ويسميه الحكماء منفيا، والعقل لا يمكن أن يتصور اجتماع البياض والسواد في ثوب واحد أو شخص واحد، وبالضرورة لا يمكن تصور أفراد لما لا يمكن تصوره في نفسه.
فثبت أن المحال لا يكون كليا"
وهذا الكلام الفلسفى هو كلام بشرى يجوز فيه الصواب والخطأ فعلم المنطق هو تصور لغوى لشخص ما حيث يحصر الأمور في أمور لغوية يسمونها الحدود وما شابه والواقع في أحيان عديدة يكذب تلك الحدود
ونقل الغمارى قول أحدهم في مسألة أفراد الكلى الممتنع فقال:
"الثاني: قال الشيخ سعيد قدورة في بيان أفراد الكلي الممتنع: (فإن الجمع بين البياض والسواد جمع بين الضدين، والجمع بين القيام والقعود جمع بين الضدين، والجمع بين الترقي والتدلي جمع بين الضدين، فتبين أن الجمع بين الضدين واقع على كثيرين، وأفراده كلها ممتنعة الوجود في الخارج) اهـ.
والجواب عليه: أن هذا الكلام يشتمل على أوهام:
"1-أن الجمع بين الضدين مثال لمحاولة فعل المحال الذي هو اجتماع الضدين."
واجتماع الضدين ليس محالا كما يقول الغمارى فنجد البياض والسواد يجتمعان في العين كما يجتمعان في مرحلة الشيب في الشعر كما تجتمع الحرارة والبرودة في الجسم فنجد مثلا قدم الإنسان باردة ثلج كما يقال من الخارج لكن لو جرحناها فسيخرج منها دم حار
ثم قال :
2- أن أفراد المحال ليس لها وجود في الخارج ولا في الذهن، كالحيوان فإن أنواعه من الإنسان والفرس والبقر والإبل يتحقق فيها معنى الحيوانية، أي جسم نام حساس متحرك بالإرادة، وكذلك إنسان بالنسبة إلى أفراده.
وهذا إنما يتأتى في الماهيات الممكنة التي يتمايز أفرادها بالتشخص في الوجود الذهني، أو الخارجي.
وماهية المحال عدم بحت، لا تقبل الوجود في الخارج ولا في الذهن، والعدم لا تمايز فيه بين المعلومات."
وكلام الغمارى هنا عن عدو وجود المحال في الذهن يخالف ذكره وتفكيره فيه فلو كان منعدما في الذهن ما فكر فيه ولا تحدث عنه كمنفى وما شاكل هذا فالمحالات توجد في الذهن بدليل أن الله طلب من الإنسان التفكير في بعضها فقال مثلا:
"قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون"
فالله هنا طلب من الفرد أن يتخيل في ذهنه كون الليل مستمر دون نهار حتى القيامة
وقال :
"والمحال ليس بشيء، ولا يسمى شيئا، والكلي إنما يطلق على شيء موجود بالفعل أو بالقوة.
وتعدد الأفراد في الأسئلة التي ذكرها الشيخ سعيد إنما هي أمثلة لمتعلق المحال، أعني الضدين، فإنه لفظ عام، يشمل الأبيض والأسود، والقيام والقعود، والترقي والتدلي، والليل والنهار، وغير ذلك من الأضداد الموجودة، فالتعدد وقع فيها لا في المحال الذي هو سلب اجتماعها.
وقد اشتبه الأمر على الشيخ سعيد رحمه الله تعالى، ألا ترى أنك لو ذكرت محالا لا يتعلق بعدم شيء، فإنك لا تجد له أفرادا أبدا، وذلك مثل شريك الباري تعالى فتأمل هذا، فإنه دقيق"
وقال :
3- قوله: (وأفراده كلها ممتنعة الوجود في الخارج يقتضي أن أفراد المحال موجودة في الذهن) وهو خطأ محض، بل هي ممتنعة الوجود فيهما"
وهذا الكلام من أوهام الغمارى فكما سبق الاستدلال على وجود المحالات في الذهن وإلا ما استقام نفيها
ثم قال:
"الثالث: دخول النفي العام على إله، في قولنا: لا إله إلا الله، يؤيد القول بكليته، لأنه لا يجوز أن يقال: لا زيد في الدار، وإنما يقال: لا إنسان في الدار.
والجواب عليه: أن النفي توجه باعتبار الإطلاق المجازي، أي لا معبود إلا الله، وهذا كما يقول: لا حاتم إلا فلان، أي لا كريم، أو لا قس إلا فلان أي لا فصيح، وهكذا.
فالكلمة المشرفة تنفي الألوهية عن معبودات المشركين، الذين أطلقوا عليها اسم الإله، مجازا، اشتقاقا من معنى العبادة الخاصة بالله تعالى، فإله في الكلمة المشرفة كلي في المعنى المجازي، كما أن لفظ حاتم كلي؛ لاستعماله في الكريم مجازا، وهو في الحقيقة علم شخصي.
الرابع: اختار السنوسي أن معنى إله، في كلمة التوحيد: لا مستغنيا عن كل ما سواه، ومفتقرا إليه كل ما عداه إلا الله، فهو على هذا كلي، خلاف ما سبق من أنه خاص بالله، لا يشاركه فيه غيره، وأنه بمنزلة التشخص في زيد.
والجواب عليه: أن ما سبق هو الحق، وما سواه باطل، وما اختاره السنوسي هو الذي غر البناني، وأوقعه في ذلك الخطأ الفاحش الذي مر بيانه.
والسنوسي إنما اختار هذا المعنى ليجعل كلمة التوحيد شاملة للصفات الواجبة لله تعالى، لكن ما اختاره غير صحيح لأمور:
1- أنه تكلف في إدخال في تلك الصفات، بما لا دليل عليه، ولا حاجة تدعو إليه.
2- أنه لزم عليه جعل ذلك المعنى كليا، وهو بمثابة جعل العلم الشخصي كليا، وذلك باطل بالضرورة.
3- أن الإله لم تستعمله العرب إلا بمعنى المعبود، وكذلك جاء في القرآن: ((إنهم كانوا إذا قيل لهم: لا إله إلا الله يستكبرون، ويقولون إنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون...))، ((وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله...))، ((والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى..)) ((أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ...))، ((وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين، إنما هو إله واحد)).
فالإله في هذه الآيات وغيرها مفردا ومجموعا ومثنى معناه المعبود، ونفي المعبودات في الكلمة المشرفة كاف في إثبات التوحيد ونبذ الشرك، ولذلك جعلها الشارع دليلا على الإسلام وعنوانا له لأنه يلزم بالضرورة من نفي المعبودات نفي خصائص الألوهية عنها، فلا حاجة إلى زيادة ما تكلفه السنوسي وغيره، في شرح الكلمة المشرفة."
ومن هذا البحث نجد أن إدخال الله في البحوث المنطقية التى هى أصلا قواعد لغوية يخترعها كل فيلسوف وقد بين الغمارى سبب تأليفه للكتاب وهو تدريسه شرح البنانى للطلاب وطلبهم منه أن يكتب ما بينه من ألخطاء في الشرح فقال:
"خاتمة:
وهذا آخر ما رأيت كتباته في هذا الموضوع، الذي لم يتنبه له أحد فيما علمت، والحمد لله على توفيقه وإلهامه، وأسأله القبول بالفضل والداعي إلى تحرير هذا البحث، أني درست للطلبة بزاويتنا الصديقية شرح البناني على السلم، فلما وصلت إلى هذا الموضوع وبينت لهم خطأ ما قرره بناني كغيره من المنطقيين، طلب مني بعضهم كتابة ذلك البحث، فأجبت طلبهم لما فيه من عموم الفائدة، وكان أنس رضي الله عنه يقول لبنيه: يا بني قيدوا العلم بالكتابة.
أما مسألة تعلق القدرة بالمحال، فلي فيها رسالة اسمها: (رفع الإشكال عن مسألة المحال)، أتيت فيها بما لم يسبقني إليه أحد، والحمد لله.
تتمة: علم مما حررناه أن الكلي والجزئي، لا يكونان إلا ممكنين، أما واجب الوجود والمحال فلا شيء منهما يكون كليا، لما مر بيانه بتفصيل"
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس