عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-04-2022, 08:19 AM   #2
رضا البطاوى
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,845
إفتراضي

فهو عبد الله بن أبي الجعد رافع الأشجعي الغطفاني مولاهم، أخو سالم بن أبي الجعد الثقة الثبت، وأربعة إخوة آخرين: عمران، ومسلم، وزياد، وعبيد.
وفي «كتاب الإخوة» لأبي داود السجستاني: وهو أخو عمران ومسلم، وكانوا ستة: اثنان شيعيان، واثنان مرجئان، واثنان خارجيان.
أما عدالته وشهرته، فقد ثبتت عدالته، وانتفت جهالة عينه واشتهر، بما عرف من روايته عن ثلاثة من الصحابة: ثوبان، وعبد الله بن عباس، وجعيل الأشجعي، ورواية جمع عنه: أوثقهم أخوه سالم بن أبي الجعد، وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ويزيد بن أبي زياد، وابن ابن أخيه رافع بن سلمة بن زياد.
وأما توثيقه، فتصريحي، وضمني، وكلا المأخذين معتبر عند أهل الحديث، ويتأكد التوثيق إذا اجتمعا، كنحو اجتماعهما فيه. وليس من اقتصر على التراجم المختصرات، كمن سبر ما للرواة من خفايا الأحوال، وخبايا الروايات!.
فقد ذكره ابن حبان في «كتاب الثقات» (5/ 20/3635)، وخرج حديثه وصححه هو، وأستاذه أبو بكر بن خزيمة، وأبو عبد الله الحاكم في صحاحهم. فكان هذا من ثلاثتهم توثيقا له، وهو تصريحي من ابن حبان، وضمني من ابن خزيمة، والحاكم.
وصحح أبو بكر البيهقي حديثه عن ابن عباس في دباغ جلود الميتة في «سننه الكبرى» (1/ 26) بقوله: هذا إسناد صحيح.
وذكره ابن خلفون في الثقات في كتابه المسمى «المنتقى في الرجال»، نقله عنه الحافظ مغلطاي بن قليج في «إكمال تهذيب الكمال» (7/ 277).
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي: حديثه حسن، نقله عنه الحافظ الشهاب البوصيري في «مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه».
أما الحافظ الذهبي، فقال في «الكاشف» (1/ 542): وثق.
وقال في «ميزان الاعتدال» (2/ 400): وثق، وفيه جهالة.
فظن من لا علم له باختلاف منهجه في كتابه «ميزان الاعتدال» عنه في كتابه «الكاشف»، وأن المعتبر من قوليه عن الثقة المتكلم فيه بما لا يوجب رد توثيقه هو ما اختاره في «الكاشف»، ظن هذا أنه متناقض، ثم استروح لقبول ما قاله عنه في «الميزان». ومع رضاه وقناعته بمقاله في ميزانه، وصفه بالتناقض لموافقته الحاكم علي تصحيح الحديث في تلخيصه للمستدرك.
والحق الذي لا شك فيه: أن الحافظ الذهبي ليس متناقضا، ولا متغافلا في موافقته هذه، وإنما العيب فيمن لم يفهم مقاصده في تصانيفه المتنوعة!.
والنكتة التي خفيت على من ذكرناه آنفا: أن الحافظ الذهبي ذكر في كتابه «ميزان الاعتدال» كل من تكلم فيه من الثقات بأدنى لين، وبأقل تجريح، وذكر كثيرا من المجاهيل، ممن نص أبو حاتم الرازي على الواحد منهم: أنه مجهول، أو بقول غيره: لا يعرف، أو فيه جهالة، أو يجهل، وعدد أصنافا أخرى من المجروحين. وبين سبب ذكره لهؤلاء الرواة في «ميزانه»، وقد زادوا كثيرا عمن ذكرهم في «كاشفه»، فقال: ولم أر من الرأي أن أحذف اسم أحد ممن له ذكر بتليين ما في كتب الأئمة المذكورين، خوفا من أن يتعقب علي، لا أني ذكرته لضعف فيه عندي
فكان بينا صريحا من قوله وعمله: أنه ليس كل من ضعف، أو لين من الثقات هو كذلك عنده.
فإذا تقرر ذلك، وفهم فحواه، فقوله في «الميزان» عن عبد الله بن أبي الجعد: وثق، وفيه جهالة؛ إنما هو لمقال ابن القطان عنه: إنه مجهول الحال، وليس حكما منه عليه، وإنما حكمه عليه ما ذكره في «الكاشف»: وثق، وهو كالرد الضمني على من تكلم فيه بلا حجة، أو جهل حاله.
ومن البيان الذي يمحق اتهام الحافظ الذهبي بالتناقض، أنه في كتابه «الكاشف» لا يجسر على جرح من لم يعلم فيه جرحا مفسرا، ولا مجهول لمجرد جهالته، حتى يختبر حديثه، ويعتبره بميزاني الصدق والضبط، وهما المعياران اللذان لا يخطئان.
وله في هذا المعني قاعدته الذهبية، التي ذكرها في ذيل كتابه «ديوان الضعفاء» (ص 478): «وأما المجهولون من الرواة، فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم؛ احتمل حديثه، وتلقي بحسن الظن؛ إذا سلم من مخالفة الأصول، وركاكة الألفاظ» اهـ.
فالراجح عنده في المجهول من كبار التابعين وأوساطهم، ممن لم يذكره إمام من أئمة الجرح والتعديل المعتبرين بجرح: قبول روايته، والاحتجاج بها.
وقد صدق من قال واصفا منهج من على شاكلته من متقدمي الأئمة: «وهذا يدل على أن جل اعتمادهم في التوثيق والجرح إنما هو على سبر حديث الراوي، فإذا تتبع أحدهم أحاديث الراوي، فوجدها مستقيمة تدل على صدق وضبط، ولم يبلغه عنه ما يوجب طعنا في دينه وثقه».
ولولا خشية التطويل، لذكرت جمع كثرة من المجاهيل، الذين وثقهم فحول الأئمة النقاد: مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو حاتم الرازي، وغيرهم، وتلقوا أحاديثهم بالقبول، ولم يطرحوها لمجرد جهالة رواتها، إذ تبينوا صدقهم، وضبطهم، واستقامة رواياتهم.
وقد بينت مناهجهم هذه بيانا شافيا في كتابي: «الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل».
ومن المهمات التي يجب التنبيه عليها هاهنا، زيادة على ما أسلفنا:
[1] أن من خرج له ابن حبان، وأستاذه ابن خزيمة في صحيحيهما، فهو ثقة عندهما، ما لم يقل ابن خزيمة: لا أعرفه بجرح، ولا عدالة، وما لم يقل عنه ابن حبان في ثقاته: لا أدري من هو!.
[2] وتوثيقهما لمن لم يعرف فيه جرح مفسر، معتبر، متلقى عنهما بالقبول، خلافا لمن وصفهما بالتساهل.
ولا يذهبن عنك قول الحافظ الذهبي: «لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة».
فإذا شاركهما النسائي، والحاكم، فخرجا لمن وثقاه، فهذا أرفع، وأوثق ممن تفردا به.
[3] من لطائف تنبيهات الجهابذة النقاد: ما قاله ابن أبي حاتم «الجرح والتعديل» (2/ 36):
باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنها تقويه، وعن المطعون عليه أنها لا تقويه.
قال: سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة؛ مما يقويه؟، قال: إذا كان معروفا بالضعف لم تقوه روايته عنه، وإذا كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه.
ولا معنى لقوله عن المجهول: نفعه رواية الثقة عنه، إلا حسن الظن به، وتعديله، وتلقي روايته بالرضا والقبول، ما لم تخالف الأصول. ومن أبين تطبيقاته عند أبي حاتم الرازي:
ما قاله ابن أبي حاتم «الجرح والتعديل» (7/ 255/ 1399): محمد بن أبي رزين. روى عن أمه. روى عنه سليمان بن حرب. سئل أبي عنه، فقال: شيخ بصري، لا أعرفه، لا أعلم روى عنه غير سليمان بن حرب، وكان سليمان قل من يرضى من المشايخ، فإذا رأيته قد روى عن شيخ، فاعلم أنه ثقة اهـ. فهذا أحد المجاهيل، ممن لا يعرفهم أبو حاتم، فوثقه لرواية الثقة سليمان بن حرب عنه؛ لما علم من تثبته، وتحرزه، وانتقائه لشيوخه، وأنه لا يروي إلا عن ثقة.
[4] وليس الأمر في هذا النوع من التوثيق على إطلاقه، ولكنه نافع فيمن لا يعلم فيه جرح، ولم يتكلم فيه بتليين. فقد سئل أحمد بن حنبل عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب؟، فقال: يزين أمره عندي أن مالكا روى عنه، يعني أن: مالكا لا يروي إلا عن ثقة. ومع ذلك، قال النسائي: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي، وإن كان روى عنه مالك. وإنما قالها النسائي لوجود المانع، وهو التليين.
وشعبة بن الحجاج ممن قالوا عنه في جمع من الأئمة، كيحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد، وأبي زرعة: لا يروي إلا عن ثقة. ومع ذلك، فقد روى عن جماعة من الضعفاء: جابر بن يزيد الجعفي، وإبراهيم بن مسلم الهجري، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، وغيرهم. وإنما ردوا رواية شعبة عن هؤلاء؛ لوجود الجرح فيهم.
فهذا فرقان واضح بين ما يقبل من التوثيق الضمني، وما لا يقبل منه، فليتنبه لمثله!.
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس