قال الحافظ المفسر ابن كثير " ومأخذهم قوله تعالى " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " ولم يذكر التفريق
وقال الخطيب الشربيني الشافعي " وهما وكيلان لا حاكمان من جهة الحاكم ..."
وقال الإمام أبو بكر الجصاص ويدل قوله تعالى "فابعثوا حكما من أهله "على أن الذي من أهله وكيل له والذي من أهلها وكيل لها كأنه قال فابعثوا رجلا من قبله ورجلا من قبلها فهذا يدل على بطلان قول من يقول إن للحكمين أن يجمعا إن شاءا وان شاءا فرقا بغير أمرهما ثم قال "وفي فحوى الآية ما يدل على انه ليس للحكمين أن يفرقا وهو قوله تعالى " إن يريدا إصلاحا ولم يقل إن يريدا فرقة ...واستدل للمذهب الأول
بقوله تعالى"فابعثوا حكما من أهله " فسماهما حكمين والحكم لا يحتاج فيما يوقعه من الطلاق إلى إذن الزوج كالوالي قال القرطبي "والصحيح الأول لقوله تعالى " فابعثوا حكما " وهذا نص من الله تعالى على أنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان وللوكيل اسم في الشريعة ومعنى وللحكام اسم في الشريعة ومعنى فإذا بين الله كل واحد منهما فلا ينبغي أن يركب معنى أحدهما على الآخر " ونحوه قول الحافظ ابن كثير " وقد سماهما الله حكمين ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه وهذا ظاهر الآية "
.وأجاب الإمام القرطبي عن أدلة الحنفية ومن وافقهم فقال "إن الحكمين لا يطلقان إلا برضا الزوجين وتوكيلهما فخطا صراح فان الله خاطب غير الزوجين إذا خاف الشقاق بين الزوجين بإرسال الحكمين وإذا كان المخاطب غيرهما فكيف يكون ذلك بتوكيلهما ولا يصح لهما حكم إلا بما اجتمعا عليه هذا وجه الأنصاف والتحقيق في الرد عليه "
ومما يرد على استدلال الإمام الجصاص أن الفرقة قد تكون هي السبيل الوحيد الذي لا يتعين غيره للإصلاح ولرفع المضارة عن الزوجين
..."
والحكمان ليسوا قضاة إلا فى مسائل الخلاف الزوجى بمعنى أن يقررا من المخطىء فى مسألة كذا ومن المخطىء فى مسألة كذا وأما غير هذا وهو الطلاق فهو حق الرجل وحده كما قال تعالى:
" فإن طلقها"
واستثنى الله من ذلك حالة الافتداء التى يسمونها الخلع ففى تلك الحالة يكون الطلاق وجوبيا من الزوج إذا أعادت الزوجة المهر له
ومن ثم لا يمكن أن يطلق الحكمان
وتحدث عن رضا الزوجين بالحكمين فقال:
1- هل يشترط رضا الزوجين لبعث الحكمين ؟
اختلف العلماء في هذا على قولين
القول الأول لا يجوز بعث الحكمين إلا برضا الزوجين ..."
القول الثاني يجوز بعث الحكمين دون رضاهما ..."
رضا الزوجين عن الحكمين واجب فالأزواج أعلم بمن يريد مصلحتهما من الأهل كما قال تعالى :
"ممن ترضون من الشهداء"
وتحدث عن تطليق الحكمين فقال :
11- تطليق الحكمين
قال المالكية ومن وافقهم من الفقهاء " وتفريقهما- أي الحكمين – جائز على الزوجين سواء وافق حكم قاضي البلد أو خالفه وكلهما الزوجان بذلك أو لم يوكلاهما والفراق في ذلك طلاق بائن وقال غيرهم ليس للحكمين الطلاق ما لم يوكلهما الزوج في ذلك وليعرفا الإمام وهذا بناء على أنهما رسولان شاهدان ثم الإمام فرق إن أراد ويأمر الحكم بالتفريق
12- إذا طلق الحكمان ثلاثا
قال المالكية ولو اتفقا على الثلاثة لم يلزم إلا واحدة وليس لهما الفراق بأكثر من واحدة بائنة وهو قول ابن القاسم وقال المغيرة وأشهب وابن الماجشون وأصبغ تلزمه الثلاثة إن اجتمعا عليها
قلت ولم أر لغير المالكية في هذا قولا لأن الراجح عندهم أن الحكمين وكيلان ليس لهما التفريق وفي المدونة قال مالك " لا يكون لهما أن يخرجاها من يديه بغير طلاق السنة وهي واحدة لا رجعة فيها حكما عليه فيه بمال أو لم يحكما به لأن ما فوق ذلك خطأ وليس بصواب وليس بمصلح لهما أمرا والحكمان إنما يدخلان من أمر الزوج وزوجته فيما يصلح لهما "
والذي يظهر لي – – أن الحكمين إذا اتفقا على الثلاث ردت إلى الواحدة لأن الأصل في حكم الحكمين هو رفع الضرر عن الزوجين معا ورفع الضرر يقع بواحدة لا سيما إن قلنا إنها طلقة بائنة "
كما سبق القول تطليق الحكمين مخالف لقوله تعالى :
" فإن طلقها"
فالطلاق حق الزوج وحده
وتحدث الجنابى عن اختلاف الحكمين فقال:
13- اختلاف الحكمين
إذا اختلف الحكمان فقضى أحدهما بالفرقة والآخر باستدامة العشرة أو قضى أحدهما بالفرقة على مال وقضى الآخر بالفرقة من غير مال أو نحو ذلك من وجوه الخلاف بين الحكمين فقال ابن عبد البر " أجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول الآخر وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع وان لم يوكلهما الزوجان "
قلت ولا يعكر على هذا الإجماع ما نقله الإمام النووي عن الحناطي – من علماء الشافعية – فقال وذكر الحناطي أنه لو رأى أحد الحكمين الإصلاح والآخر التفريق ففرق نفذ التفريق "فان هذا الخلاف وقع بعد إجماع المتقدمين بل قال الإمام النووي " ولو اختلف رأي الحكمين بعث آخرين حتى يجتمعا على شيء "
14- حكم أحد الحكمين دون الآخر
وإذا حكم احد الحكمين وسكت الآخر فليس حكمه بشيء حتى يحصل منهما الاتفاق على قول واحد وقد أخرج الإمام البيهقي عن علي قال " إذا حكم أحد الحكمين ولم يحكم الآخر فليس حكمه بشيء حتى يجتمعا ""
والحكمان أساسا لا يجب اختلافهما لأنهما لو اختلفا فأحدهما لا يريد الإصلاح وهو الغرض من مهمتهما ومن ثم فهو لا يصلح للمهمة ومن ثم يختار القاضى أخر يريد الإصلاح
وتحدث عن غياب الأزواج فقال :
15- أثر غياب الزوجين
إذا غاب الزوجان أو أحدهما هل ينقطع نظر الحكمين أم لا ؟ قولان مبينان على أنهما وكيلان أم حكمان فإن قلنا هما حكمان لم ينقطع نظرهما وان قلنا هما وكيلان انقطع نظرهما وهو الصحيح من مذهب الحنابلة والشافعية وذلك لان كل واحد من الزوجين محكوم له وعليه والقضاء للغائب لا يجوز إلا أن يكونا قد وكلاهما فيفعلان ذلك بحكم التوكيل وان كان أحدهما قد وكل جاز لوكيل فعل ما وكله فيه مع غيبته
فرع
لو جن أحد الزوجين بطل حكم وكيله لأن الوكالة تبطل بجنون الموكل وان كان حكما لم يجز له الحكم لأن من اثر ذلك بقاء الشقاق وحضور المتداعين ولا يتحقق ذلك مع الجنون "
غياب الزوج أو الزوجة بمعنى وفاتهما أو بمعنى فقدهما أو غير هذا يعنى انتهاء المشكلة لأن الزوجية انعدمت بغيابه ومن ثم لا مجال للإصلاح لعدم وجود الطرف الثانى
وتحدث عن عودة الزوجين للشقاق بعد الإصلاح فقال :
16- عودة الزوجين للشقاق
قال الإمام الشافعي " ولو عاد الشقاق عادا للحكمين ولم تكن الأولى أولى من الثانية فان شأنهما بعد مرة أو مرتين وأكثر واحد في الحكمين "
إذا عاد الشقاق عاد القاضى لإرسال الحكمين وتحدث عن أحكام الموضوع فى القانون العراقى وهو نفس ما سبق ذكره ثم نصح الناس بوجوب تفعيل دور التحكيم فى المشاكل الزوجية فقال :
17...
18- تفعيل دور التحكيم في حل النزاعات الزوجية
نظام التحكيم الذي جاءت به الشريعة الإسلامية في حالة حدوث الشقاق بين الزوجين نظام مهم ومفيد يحل مشاكل كثيرة قد تقع بين الزوجين وما تسببه هذه المشاكل من شقاق بينهما قد يؤدي إلى الطلاق الا ان هذا النظام العظيم لم يعط العناية الكافية لا من القضاة ولا من أهل الزوجين
ومما يساعد على تنشيط نظام التحكيم وحمل القضاة على تطبيقه اتخاذ الإجراءات الآتية
1 اعتبار أهل الزوجين من ذوي الشأن بدعاوى الشقاق بين الزوجين وأن لهم إعلام القاضي بالشقاق الحاصل بين الزوجين وطلب تدخله بإرسال حكمين للنظر في موضوع الشقاق هذا بالإضافة إلى حق الزوجة برفع أمرها إلى القاضي بشأن الشقاق الحاصل بينهما وبين زوجها
على ولي الأمر أن يعلن أنه لا يجوز للقاضي الحكم بالتفريق للضرر أو الشقاق إلا بعد إرسال حكمين إلى الزوجين للنظر في موضوع الشقاق ورفع التوصية إلى القاضي
3 من المستحسن أن لا يقضي القاضي بأي نزاع بشأن النفقة أو نشوز الزوجة أو نحو ذلك من المنازعات التي تحدث بين الزوجين إلا بعد إرسال الحكمين لتحري أسباب هذا النزاع لان هذه الدعاوى لا تحدث إلا نتيجة خلاف وشقاق بين الزوجين وان لم يبين الزوجان ذلك وقد يستطيع الحكمان إزالة الشقاق والنزاع وبالتالي ترك الدعوى المقامة إذا أديا دورهما على الوجه المطلوب"
والخطأ هنا هو دور ولى ألأمر فولى الأمر لا يعالج تلك المسائل وإنما قاضى البلدة المختص بالزواج والطلاق هو من يعالج تلك القضايا حسب أحكام الشرع وليس فى الشرع تطليق من القاضى إلا فى حالة غياب الزوج عن زوجته عمدا أكثر من أربعة أشهر دون أن يعود إليها عند نهاية الشهور الأربعة فهذا الأمر شرعه الله حماية لها من الوقوع فى الزنى
|