عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-03-2022, 07:50 AM   #3
رضا البطاوى
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,843
إفتراضي

أول ما نلجأ إليه في مثل هذا الأمر هو البحث في الشريعة الإسلامية قبل غيرها فإن أجازت هذا العمل ترتب عليه الجواز من الناحية الطبية وإلا فلا والحقيقة أنه لا نص على هذه القضية بصراحة في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة بل هي قضية تندرج تحت غيرها من القواعد الكلية كما أسلفت فيما سبق والقواعد الفقهية تراعي ثلاثة أمور في الغالب هي:
دينية: تتصل بمدى حرمة الانتفاع بأجزاء الآدمي حيا أو ميتا
فقهية أو قانونية: تتعلق بالوسيلة الفنية التي يمكن بواسطتها بلورة هذا الانتفاع
تزاحم المصالح: أي المفاضلة بين المصالح المتزاحمة
نجد أن الفقهاء أجازوا الانتفاع بلبن الظئر وذلك بتأجيرها أو استئجارها فقد اختلفوا في الناحيتين الأولى والثانية ولكن هذا الاختلاف دل على سعة الأفق والتوقعات المستقبلية لما يجد ويستحدث مما يحفز المختص في أن يبحث مدى شرعية استقطاع الأعضاء من جسم حي أو ميت لغرض الزرع وعليه فلابد من الموازنة والترجيح بين أدلة الإباحة وأدلة الحظر:
هل جسم الإنسان من الأموال وهل هو ملك لصاحبه ؟
والصحيح أن جسم الإنسان ليس مالا له ولا يجوز بيعه
فلا الشرع ولا الطبع ولا العقل يجيز بيع الأجزاء الآدمية لأن الله كرمه وميزه عن غيره والأصل في المبيعات أن تكون أشياء خارجة عن الإنسان وأعضاؤه ليست خارجة عنه وإذا أراد الناس أن يقولوا: ولكن الإنسان تضمن قيمته إذا قتل قلنا: إن هذا استدلال فاسد لأن الأصل في الضمان في الفقه الإسلامي يتمثل في القضاء الكامل للمضمون صورة ومعنى وإن جاز في بعض الحالات فإنه على سبيل الاستثناء وهو قول الجماهير من أهل العلم
هل أجزاء الإنسان المنفصلة عنه طاهرة ؟
إن من شروط صحة العقد أن يكون محل العقد طاهرا منتفعا به طبعا وشرعا فلا يصح العقد على نجس أو محرم
لم يتفق الفقهاء على طهارة الجزء المنفصل فعند الحنفية أن ما انفصل عن جسم حي وكان فيه دم فهو نجس لا يجوز الانتفاع به ونص أيضا على أنه لا يجوز التداوي بعظم الآدمي أو أي جزء منه لعدم الطهارة أو الكرامة الإنسانية
أما المذاهب الأخرى فالراجح فيها أن أجزاء الآدمي المنفصلة طاهرة كجملته كما ذهب نفر إلى جواز بيع أجزاء الإنسان إذا كان يستفاد منها
أما بالنسبة لجثة الإنسان فالراجح في المذاهب الفقهية أنها طاهرة خلافا لبقية الميتات لقوله (ص)((لا تنجسوا أمواتكم فإن المؤمن لا ينجس حيا أو ميتا)) ولكن منع النووي من الانتفاع بأي جزء من أجزائه بعد الموت لحرمته وكرامته ويتعين دفنه
ويحسن بنا أن نفهم أن حرمة استعمال الدواء النجس إنما تكون عند عدم وجود الطاهر فإن لم يوجد الطاهر جاز استعمال النجس للضرورة وليس في هذا مخالفة لقول النبي (ص)((إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)) أو ((لا شفاء في نجس)) ويجوز للإنسان أن ينتفع بجزء من أجزائه للتداوي بشرط أن تكون المصلحة في ذلك أعظم من ترك الجزء وتطبيقا لذلك يجوز لصق ما انفصل من الجسد في موضعه كما ويجوز ترقيع الجلد المحروق من مكان آخر سليم
ومعلوم في الفقه الإسلامي أنه لا يجوز بيع الأجزاء الآدمية لأنها ليست ملكا للشخص بل هي بمجموعها مسخرة للإنسان ليقوم بطاعة ربه وقضاء حوائجه ولكن إذا كان بالهبة وبدون مقابل فما الذي يمنع ذلك بشرط أن تكون القضية بوسيلة جائزة ومشروعة
وقد أجاز الفقهاء إجارة الظئر كما قدمنا فهو بيع لأجزاء آدمية بشرط الرضاء الصحيح المحل المبين والسبب المشروع فلبنها مال متقوم يجوز بيعه عند الشافعية والحنابلة في رواية وعند المالكية والله تعالى يقول: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}"
تحدث الباحث عن المسألة من جهات متعددة لا تدل على حرمة ولا على إباحة
أولها القياس على مسألة الظئر واعتبرها بيع لعضو آدمى بينما ليست بيع للعضو لأن الاستفادة من منتج العضو ولم يسمه الله بيع وإنما استئجار والمراد أجر فى مقابل عمل والأجر هو ثمن الطعام الذى ينتج هذا المنتج كما قال تعالى :
" فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن"
فالأم المطلقة بالقطع لا تبيع لبنها لولدها ولا لزوجها وإنما عملية عدل فى التبادل
ثانيها اعتبار أعضاء الإنسان المقطوعة نجسة واعتبار الميت نجس وهو كلام ليس عليه نص من الوحى وإنما النجاسة عملية تتعلق بالنفس من حيث الكفر والإسلام فقال :
"إنما المشركون نجس"
ثالثها بيع الأعضاء ومثله التبرع من حى وهو حى محرم لقوله تعالى :
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
فالبيع والتبرع أذى للحى ولا يمكن لطبيب أن يضمن أن البيع أو التبرع لن يؤذى المتبرع أو البائع فى المستقبل القريب أو البعيد
وإنما المباح فى المسألة هو :
وجوب البحث عن بدائل علاجية كالأعضاء الصناعية وعند تعذر اختراعها أو وجودها يتم الذهاب إلى تبرع الحى ببعض أعضائه بعد موته وعند تعذر وجود متبرع يباح أخذ أعضاء ممن يموتون وحكاية حرمة جسد الميت كحرمة جسد الحى لا تصح فجسم الميت لا يتم علاجه وجسم الميت لا يتوضأ ولا يحمم ولا ينظف مرات متعددة فليس أخذ عضو من ميت اعتداء عليه لأنه لا يشعر ولا يحس بشىء كما أن العضو سيأكله الدود ويتحول لتراب غير مفيد فهل أخذه لحى مريض أفضل أم تركه للدود
وتحدث عن حكم الانتفاع بأجزاء الآدمي في حالات الاضطرار فقال:
"المبحث السابع: حكم الانتفاع بأجزاء الآدمي في حالات الاضطرار
لقد أباح الشرع الإسلامي أكل المحرمات وورد ذلك في القرآن الكريم كقوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم} ومن هذه الآية المباركة خرج الفقهاء بقاعدة كلية تقول: ((الضرورات تبيح المحظورات وأن الضرورة تقدر بقدرها)) والذي يتضح لي في هذا الموضوع أن الله تعالى الذي أباح أكل الميتة لتبقى الحياة لا يمنع من إباحة الاستدواء بها فإن ضرورة الدواء كضرورة الغذاء تبيح المحظورات ويزيد هذا القول قوة أن إباحة الأكل جازت خوفا من الهلاك ومثله العلاج نستعمله خوفا من الهلاك
والفقهاء القدامى منعوا من الانتفاع بلحم الإنسان على بني جنسه في أبواب الضرورة لا أبواب الأطعمة والضرورة في رأي الفقهاء تبيح التداوي بالمحرم إذا لم يوجد غيره من المباحات يقوم مقامه وعليه فهل الضرورة تبيح استقطاع أجزاء من جسم الإنسان أو جثة كوسيلة لعلاج إنسان آخر ؟
...ومن تقدم يحرم هذا العمل حتى للضرورة ومن جانب آخر يجيز الشافعية للمضطر أن ينتفع بأجزاء الآدمي سواء كان معصوم الدم أو مهدور الدم ....
ونتيجة لما تقدم من الحظر والإباحة بشروط كل منهما فهل إذا توافرت شروط الضرورة ورضاء الإنسان بأن يعطي عضوا من جسده إذا كان الهدف من ذلك لا يتعارض مع الكرامة الإنسانية والمصلحة أعظم من المفسدة فهل تنقلب الضرورة إلى إباحة أم لا ؟
أمام هذا الجواب عقبتان:
الأولى: دينية تتجسد في حرمة الآدمي وكرامته من ناحية وفي الضرر الذي يعود عليه من ناحية أخرى
والثانية: تتجسد في الطابع الفقهي لأنها تتصل بالوسيلة (العقود) التي يمكن بها نقل الانتفاع بأجزاء الآدمي إلى آخر غيره
فالعقبة الثانية لا تستوقفنا كثيرا لأن قضايا العقود تختلف من وقت لآخر بينما في العقبة الدينية لابد لنا من وقفة فإنه لما كان جسم الإنسان يتعلق فيه حقان: الأول: حق الله تعالى والثاني: حق الآدمي ولابد من معرفة إذن الشرع وإذن الآدمي كي نرتب عليهما جوابا نهائيا لهذه المسألة
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس