عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 26-03-2022, 07:24 AM   #3
رضا البطاوى
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,845
إفتراضي

فمن ذلك أن تكون النصيحة برفق، وسهولة لفظ؛ لأن حال ولي الأمر - في الغالب- أنه تعز عليه النصيحة، إلا إذا كانت بلفظ حسن. وقد قال -جل وعلا- لموسى وهارون: "فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى"
ومن الشروط في ذلك أن تكون النصيحة لولي الأمر سرا وليست بعلن؛ لأن الأصل في النصيحة بعامة -لولي الأمر ولغيره- أن تكون سرا بمعنى: أنه لا يعلم بها من جهة الناصح إلا هو، وألا يتحدث بها - بأنه نصح الأمير-؛ لأنه ربما أفسد المراد من النصيحة بذكره ، وصعب قبول النصيحة بعد اشتهار أن ولي الأمر قد نصح.
وفي صحيح البخاري -أيضا-: " أن أسامة بن زيد جاءه جماعة، وقالوا له: ألا تنصح لعثمان؟ ألا ترى ما نحن فيه؟ فقال: أما إني لا أكون فاتح باب فتنة وقد بذلته له سرا " أو كما جاء عن أسامة بن زيد في صحيح البخاري .
فدل ذلك على اشتراط أن تكون النصيحة سرا وسئل مالك بن أنس: أيأتي الرجل إلى السلطان فيعظه وينصح له ويندبه إلى الخير ؟ فقال: إذا رجا أن يسمع منه، وإلا فليس ذلك عليه. وقال أبو عمر: " إن لم يكن يتمكن نصح السلطان فالصبر والدعاء فإنهم كانوا ينهون عن سب الأمراء "وإلى غير ذلك من الشروط والآداب التي سيأتي ذكرها في النصح للعامة."
وتقسيم ولاة الأمر لعلماء وأمراء لا دليل عليه فولى ألأمر هو من يكون مسئولا عن غيره سواء كانوا قليلا أو كثيرا وولى ألأمر لابد أن يكون عالما وإلا فلا ولاية له لأن الله اشترط فى الولى أن يكون عالما فقال :
" وزاده بصطة فى العلم والجسم"
وأخيرا تحدث عن نصيحة عامة المسلمين فقال :
5 – النصيحة لعامة المسلمين:
وأما النصيحة لعامة المسلمين فهي إرشادهم لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، بأن يحبوا في الله، وأن ينصروا في الحق، وأن يتعاون معهم على الخير والهدى، وألا يتعاون معهم على الإثم والعدوان، وأن يبين لهم الحق.
و أن تبذل وتحكم فيهم بشرع الله، وأن تعطيهم حقهم، وأن تلزمهم بأمر الله -جل وعلا- إذا كانوا تحت يدك، وهذا على قدر الاستطاعة.
قال ابن الصلاح: "والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم وستر عوراتهم... ونصرتهم على أعدائهم والذب عنهم ومجانبة الغش والحسد لهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه."
فالواجب على العاقل لزوم النصيحة للمسلمين كافة وترك الخيانة لهم، لكن النصح يجب أن يكون بأدب وضوابط: ومنها:
1 – أن تكون خالصة لله ،لا من أجل الاستهزاء أو التعيير ...
2 – أن تكون بالسر قال: الفضيل: " المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير "وقال ابن رجب الحنبلي: وكان السلف يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الوجه، ويحبون أن يكون سرا فيما بين الآمر والمأمور، فإن هذا من علامات النصح، فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له، وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها."
فشتان بين من قصده النصيحة وبين من قصده الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلا على من ليس من ذوي العقول الصحيحة. "
اشتراط كون نصح المسلم فى السر لا وجود له فى الوحى فالنصح يكون فى العلن كما يكون فى السر فالسر يكون فى أول الأمر إذا لم يكن جريمة متعلقة بحقوق الغير وأما عند استمرار المعصية فتكون النصيحة فى العلن ثم قال :
3 – أن تكون وجيزة ولينة، قال تعالى: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" وقال تعالى مخاطبا نبيه " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر "
4 – أن تكون من المطبقين لها، حتى لا ينطبق عليك قول الله تبارك وتعالى: " أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون "
5 – أن تلقى النصيحة بطريقة التواضع.
6 – أن تتخير المكان والزمان والمناسبة التي يسدى فيها نصحه وإرشاده تماما، مثلما تتخير الأسلوب والعبارات اللائقة."
والشىء الوحيد الذى نجح فى تفسيره بلامين هو النصح للمسلمين لأنه طبق معنى النصح الذى ذكره فى أول الكتاب بينما فشل فى الأربعة الأول
وقد علق على الحديث فقال :
"6 – التعليق:
يعتبر حديث "الدين النصيحة" خلاصة لما تهدف إليه الشريعة الإسلامية عقيدة وعبادة ومعاملة.
فهذا الحديث على وجازة ألفاظه وبلاغة عباراته، يمكن تنزيله على ما نعيشه في مجتمعنا:
1 – بعض الناس في مجتمعنا – هداهم الله – يدعون غير الله في أي مكان، ولو لم يكونوا عند القبر، كمن يقول: يا رسول الله! عند قيامه أو مفاجأته بشيء غريب!! أو يقول: المدد يا رسول الله ! أو: يا فلان... وإذا نصحوا قالوا: نحن نعلم أن هؤلاء ليس لهم من الأمر شيء، ولكن هؤلاء أناس صالحون، لهم جاه عند الله، ونحن نطلب بجاههم وشفاعتهم!!
فنسي هؤلاء – غفر الله لهم – قول الله تبارك وتعالى: " ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون" وقوله تعالى: " ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار""
وهذا الكلام لا يمكن أن يكون معناه النصح لله لأن النصح لله ممتنع تماما وكذلك لكتابه ثم قال :
2 – انتشار الرذيلة والفسق بين أفراد المجتمع، فتارة تسمع من يسب الله تبارك وتعالى، وتارة تسمع من يسب الدين وهلم جرا، فإذا نصحتهم وأردت الخير لهم، كان جزاءك الشتم والتعيير بأنواع الألقاب المشهورة " تزمت وتطرف، وتعقد .."، قال تعالى: "هل جزاء الاحسان إلا الاحسان"
ولله در الشاعر حين قال:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد
3 – تفشي الغش والكذب والحسد بين أفراد المجتمع، فالبائع يغش في البيع فلا يقيم الوزن بالقسط، والتاجر يكذب في تجارته والمعلم يغش التلاميذ بتهاونه في شرحه وتبليغه الرسالة، والأب يغش أبناءه فلا يربيهم على طاعة الله عز وجل ولا يسأل عنهم وعن أحوالهم. والطالب يسأل صديقه حول ما قاله الأستاذ في غيابه، فيضلله.فأين محبة الخير لعامة المسلمين والنصح والإخلاص لهم؟.
4 – لقد طغت الأقوال على الفعال في أيامنا هذه ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأصبح الناصح غير منصوح في حد ذاته، بحيث يقف الرجل أمام الملأ فيحلل ويحرم، ويوعظ ويوجه، ويبشر ويحذر فتذرف من أقواله الدموع، وتتسربل القلوب بالخشوع.
ثم تراه إذا فارق مجلسه فارق مبادئه، وأقواله وخالفها بفعل الحرام وإتيان الموبقات والعياذ بالله، قال تعالى:" أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون "
5 – بعض الناس – غفر الله لهم – ينصحون عامة المسلمين بشدة وقوة، فيكونون سببا في ابتعاد المنصوح عن الحق ،قال تعالى: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وقال تعالى مخاطبا نبيه (ص) " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر "
ومن هذا يتبين أن الحديث لم يقله النبى(ص) بصيغته المشهورة لامتناع تطبيق معنى النصح على الله وكتابه
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس