وهذا النهي عن المباشرة لأنه قد يفضي إلى تطليق الواصفة أو الافتتان بالموصوفة كما أن فيه إسقاطاً لمعنى الحجاب والمقصود منه ـ ينظر الفتح عند شرح الحافظ ابن حجر لهذا الحديث ـ وإظهار ما لم تجر العادة وعرف النساء بإظهاره من أقوى الوسائل للوقوع في هذا المحظور كما هو معلوم بداهة فيكون منع إظهار ما زاد على المعتاد من جهتين
الأولى لأنه من العورة كما سبق تقريره والثاني لأنه وسيلة للوقوع في المحظور الذي جاء الحديث النبوي السابق ذكره بالزجر عنه "
الحديث إن صح فهو ليس فى النهى عن رؤية المرأة عورة المرأة وإنما النهى عن نعت وهو وصف المرأة المرأة الأخرى بالكلام لزوجها
ثم قال :
"الدليل الخامس روى مسلم في صحيحه ( 1/266) من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص)" لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد " وهو عند أبي داود (4018) الترمذي (2793) وفي هذا الحديث النهي عن النظر إلى عورة المرأة وهي ما سوى المظهر عرفاً ولو لم يحصل الوصف من الناظرة عن المنظور إليها "
الحديث لا يصح لأنه يحرم ما أحل الله فى الآية من رؤية العورات كليا أو جزئيا وهو قوله "ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء"
واستعرض الريشان أدلة الرأى الثانى فقال :
"ثانياً أدلة القائلين بأن عورة المرأة من المرأة كعورة الرجل من الرجل:
ذهب جمهرة من الفقهاء إلى أن عورة المرأة من المرأة كعورة الرجل من الرجل وإلى أن للمرأة أن ترى من المرأة ما يجوز أن يراه الرجل من الرجل واستدلوا ـ كما يتبين بالاستقراء والتتبع ـ لقولهم هذا بأدلة وهي
الدليل الأول
عن أبي أيوب الأنصاري قال سمعت النبي (ص)يقول " ما فوق الركبتين من العورة وما أسفل من السرة من العورة " رواه الدارقطني (879) والبيهقي من طريقه (3237)
قالوا هذا الحديث نص صريح في تحديد العورة وهو عام للرجال والنساء فليس في الحديث تحديد فيحمل على العموم كما يشهد له الحديث التالي
الدليل الثاني
ما جاء من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله (ص)قال " علموا صبيانكم الصلاة وأدبوهم عليها في عشر وفرقوا بينهم في المضاجع وإذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى عورتها والعورة ما بين السرة والركبة " رواه البيهقي (3236) ورواه أبو داوود (4113) بلفظ " إذا زوج أحدكم عبده أمته فلا ينظر إلى عورتها " وجاء تفسير هذه اللفظة برواية أخرى وهي عند أبي داود (496) أيضاَ " فلا ينظر إلى ما فوق الركبة ودون السرة " "
الدليلان هما واحد وهما فى رؤية الرجل عورة الرجل ولا يصح الاستدلال بهما لأنهما يحددان عورة الرجل وليس المرأة وعورة الرجل هى نفسها عورة المرأة فالمرئى منهما واحد وهو الوجه والكفين وليس كما تزعم الأحاديث خاصة أن هناك أحاديث تجعل عورة الرجل إلى أنصف الساقين وليس إلى الركبة ومن ثم فالأحاديث متناقضة ثم قال :
"الدليل الثالث عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله (ص)قال " إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات فلا يدخلنها الرجال إلا بالأزر وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء "رواه أبو داود (4007) وابن ماجه (3854) "
الحديث لا يصلح كدليل فهو لا يتحدث عن كشف العورات وإنما عن منع النساء من دخولها والحديث مخالف لكتاب الله فطالما الحمامات مشتركة بين الرجال والنساء لا يصح دخول الرجال لها بالأزر حيث يكشف من أجسامهم جزء كبير ثم قال :
"الدليل الرابع
عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص)" احذروا بيتاً يقال له الحمام " قالوا يا رسول الله إنه يذهب الدرن وينفع المريض قال " فمن دخله فليستتر " والحديث فيه جواز دخول الحمام بشرط الاستتار أي للعورة وليس في الحديث منع النساء من دخوله إلا بشرط وهو الاستتار للعورة فقط فإذاً الضرورة إلى انكشاف ما سوى العورة متحققة فيما بينهن وسبق تحديد العورة في حديث أبي أيوب وحديث عبد الله بن عمرو والذي جاء من طريق عمرو بن شعيب "
الحديث يناقض الحديث قبله فهنا الواجب على من دخل المام الاستتار بينما فى الحديث السابق يبيح دخولها بالأزر حيث نصف الجسم تقريبا مكشوف
والحديث يجعل الرسول(ص) والصحابة متهمون الرسول(ص) بأنه يغير الأحكام وهو الحذر من دخول الحمام والصحابة يعترضون عليها ويجعلونه يغيرها وهو كلام يتناقض مع قوله تعالى على لسان الرسول(ص) أنه لا يغير الوحى من نفسه :
"قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلى"
ثم قال :
"الدليل الخامس
عن عمر بن الخطاب فيما كتبه إلى أبي عبيدة بن الجراح " بلغني أن نساءً من نساء المسلمين قبلك يدخلن الحمام مع نساء مشركات فإنه عن ذلك أشد النهي فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن يرى عورتها غير أهل دينها "
ففي هذا الأثر عن عمر النص على إباحة رؤية العورة للنساء المؤمنات فيما بينهن ويحمل على ما سوى العورة المغلظة "
الأثر يخالف كتاب الله فلم يحدد الله دين من يحق لهم الرؤية من الرجال والنساء وإنما ذكر القرابة من الرجال فقط ومن المعروف أن كثير من الآباء والأمهات والاخوة والأخوات وغيرهم كانوا ما يزالون كفارا وبعضهم مات على كفره ثم قال :
"الدليل السادس
قال (ص)" لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة " ففي هذا الحديث دليل على التساوي في حدود العورة بدلالة الاقتران والقياس وقد ثبت عندنا أن عورة الرجل من الرجل ما بين السرة إلى الركبة فكذلك المرأة "
سبق مناقشة الحديث فى أدلة المانعين ولا يوجد قول واحد يصلح كدليل لفريقين متناقضين معا ثم قال :
"الدليل السابع إجماع أهل العلم على جواز قيام المرأة بتغسيل المرأة كما يغسل الرجل الرجل فكما للرجل الاطلاع على ما فوق السرة ودون الركبة من الرجل حياً و ميتاً فيجوز إذن أن تظهر المرأة للمرأة ما فوق السرة ودون الركبة لوجود المجانسة التي تبيح ذلك فالناظر والمنظور إليه كلاهما من النساء "
هذا الكلام هو كلام بشر وهو مع صحته ينفى تصديق آية النور كما هى
وكان الرد على الاحتجاج بآية النور هو :
"وردوا على من احتج عليهم بالآية بأنها لا تفيد ما فهمه المانعون لأن دلالة الاقتران ضعيفة ومن القرائن على ضعف مأخذ القائلين بها ذكر البعل في الآية فهي إذا لا تفيد التساوي فيما يجوز إظهاره بل غاية ما تفيده اشتراكهم في المنع من اطلاعهم على جزء من الزينة الخفية كل بحسبه وللنساء الاطلاع على ماعدا ما بين السرة والركبة وإظهاره فيما بينهن للأدلة السابق ذكرها "
واستعرض الريشان اعتراضات المانعين على أدلة المبيحين فقال :
"اعتراض المانعين :
وقد رد المانعون على أدلة هؤلاء بأن هذه الأدلة التي احتجوا بها تنقسم إلى قسمين قسم صريح غير صحيح وقسم صحيح غير صريح وتفصيل ذلك فيما يلي
أولاً حديث أبي أيوب الأنصاري والذي جعلوه نصاً في تحديد العورة لعموم الرجال والنساء
لا يصح البتة فقد رواه الدارقطني والبيهقي من طريق سعيد بن راشد عن عباد بن كثير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي أيوب وسعيد بن راشد وعباد بن كثير متروكان فسقط هذا الحديث
ثانياً حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله (ص)قال " علموا صبيانكم الصلاة " الحديث جاء من طريق الخليل بن مرة عن ليث بن أبي سليم عن عمرو بن شعيب به ولا يصح فالخليل ضعيف وليث مختلط لم يتميز حديثه فيكفي علة واحدة من هاتين العلتين لرده
ورواية أبي داود التي جاءت من طريق الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ " إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظر إلى عورتها " ورواه وكيع عن أبي حمزة الصيرفي داود بن سوار ـ فقلب اسمه ـ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً بلفظ " فلا ينظر إلى ما فوق الركبة ودون السرة "
|