"وقد غلب على مجتمعات المسلمين اليوم قربهم من أهل المال والثراء والملك والجاه وجعلوا ذلك سبيلا لمحبتهم مؤمنين أن النفع والمصلحة لا تكون إلا بهذا القرب، ولو فكروا وأحسنوا استخدام عقولهم لأدركوا أن هذا الملك وهذا المال نعيم زائل، وأن القرب من الله وأوليائه نعيم دائم بما يصير له العبد من نعيم الجنة "
وقد اعتبر ذلك نوع من ضعف الإيمان فقال :
"ولكن لما ضعف الإيمان وقل العلم وانتشر الجهل وضعفت بصائر أهل الإرشاد وقع الكثير في التيه والفساد ونشط الفساق وأخذوا يزينون للناس أن الفلاح والنجاح معقودان بالقرب من أهل الشهوات والملذات فأحب القوم كبراءهم وأغنياءهم لملكية الأموال فإذا فنيت التجارات والمقامات الدنيوية غابت تلك المحبة المزعومة وهذه هي أحوال أهل الدنيا"
واشترط شروطا لاتحاد مجتمعات المسلمين سماها لوازم فقال :
"ولربط المجتمعات الإسلامية برابط المحبة في الله فإنها تلزم لوازم عدة :
أولا: تذكير الناس بأهمية وفضل المحبة الصادقة .
ثانيا: إرساء هذه الرابطة في نفوس حملة العلم حتى تظهر واقعا ملموسا يدركه عامة الناس فإن الإرشاد متى كان مخالفا لواقع أهل العلم كان عديم التأثير أو قليله .
ثالثا : رسم ثوابت المحبة في الله على فهم السلف الصالح وثالث هذه اللوازم بالغ الأهمية فإن سلفنا الصالح عاشوا أيامهم مرتبطين بإخاء مستمر ومحبة صادقة نبعها من الكتاب والسنة فأخذوا من رسول الله عليه الصلاة والسلام ما هو أسلم وأحكم، ولو علموا شيئا هو أولى وأفضل لإرساء الود والإخاء لتتبعوا أثره وأقاموه في نفوسهم . ولذلك حق أن يكونوا مثالا يحتذى به . قال الشاطبي في الموافقات 4/79 : " .. ومن أبغضهم فقد أبغض النبي عليه الصلاة والسلام وما ذاك من جهة كونهم رأوه أو جاوروه أو حاوروه فقط . إذ لا مزية في ذلك وإنما هو لشدة متابعتهم له وأخذهم أنفسهم بالعمل على سنته ونصرته " .أ.هـ
" ومن كان بهذه المثابة حقيق أن يتخذ قدوة وتجعل سيرته قبلة " .أ هـ
قال ابن مسعود : " إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد . فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ "
وحديث ابن مسعود هذا لا تصح نسبته وهو اتهام لله بأنه كان يجهل من الأفضل حتى نظر فى القلوب وكأنه لم يكتب كل شىء قبل الخلق كما قال:
"ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها"
وتحدث عن أن إقامة المحبة بين المجتمعات المعاصرة على فهم بشر لا تصلح لمناقضتها كتاب الله فقال :
"فلا يصح إقامة الولاء والمحبة بين المجتمعات المعاصرة على فهم من سولت لهم نفوسهم أن يجمعوا الناس ويحصروهم على مبادئ هي مخالفة لمنهج الله ومنهج رسوله عليه الصلاة والسلام فإن هذا من المزالق الخطيرة التي فيها الجمر تحت الرماد .
والناس متى ما اجتمعوا وكثروا وتآخوا وتحابوا على منهج مخالف لمنهج الله فعواره سيظهر ولو بعد حين . وعندها يفرنقع القوم شذر مذر ، ويندم المنظر الذي بنى صرحه على فكرة مفكر ونظرة قاصر لا يؤهله علمه لبقاء منهجه وديمومة فكره لأن فكرته وفعله شابهت من وضع القوانين على غير مراد الله ليلزم عامة الناس أن يأخذوا بمنوالها مع فارق الحال واختلاف الوجهات والموفق من أنار الله بصيرته وانقاد لأمر الله "
|