يقول المحقق ابن عابدين:
"وإذ قد علمت مشروعية رفع الصوت بالتبليغ وأن التبليغ منصب شريف قد قام به أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين ذوي المقام المنيف فلابد معه من إجتناب ما أحدثه جهلة المبلغين "
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وحيث جاز – أي التبليغ – ولم يبطل فيشترط أن لا يخل بشيء من واجبات الصلاة"
ومن المخالفات التي قد يرتكبها المبلغون ما يأتي:
أولا: الجهر بتكبيرة الإحرام من المبلغ بنية الإعلام لا بنية الإحرام وهو خطأ إذ لابد من نية الإحرام وقد تقدم أن فقهاء الحنفية يقولون أنه إذا قصد التبليغ فقط خاليا عن قصد الإحرام فلا صلاة له ولا لمن يصلي بتبليغه في هذه الحالة لأنه إقتداء بمن لم يدخل في الصلاة
قلت: أما بطلان صلاته فواضح لأن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لقوله – (ص) - "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" فإذا لم يقصد الإحرام فكأنه لم يدخل في الصلاة.
وأما بطلان صلاة المأمومين ففيه نظر
ثانيا: مسابقة الإمام:
بعض المبلغين يسابق الإمام في التكبير للركوع أو الرفع منه أو السجود وقد قال رسول الله (ص) "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار"وعن أنس قال صلى بنا رسول الله (ص) ذات يوم فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: "أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف فإني أراكم أمامي ومن خلفي"
قال النووي قوله (ص): "لا تسبقوني بالركوع ولا بالقيام ولا بالانصراف" فيه تحريم هذه الأمور وما في معناها "
وقال قال أصحابنا يجب على المأموم متابعة الإمام ويحرم عليه أن يتقدمه بشيء من الأفعال
ثالثا: اللحن بالتكبير والتسميع:
اللحن بالتكبير مثل أن يمد همزة لفظ الجلالة فيقول آلله فيصير إستفهاما، أو يمد باء أكبر فيزيد ألفا فيقول أكبار فيصير جمع كبر وهو الطبل، أو يمد همزة أكبر أيضا، وتارة يحذف ألف الجلالة التي بعد اللام الثانية، وتارة يحذف هاءها ويبدل همزة أكبر بواو فيقول اللا واكبر
قال ابن عابدين:
"وأما اللحن في التسميع فهو ما يفعله عامتهم إلا الفرد النادر منهم فيقولون رابنا لك الحامد بزيادة ألف بعد راء ربنا وألف بعد حاء الحمد، أما الثانية فلا شك في كراهتها، وأما الأولى فلم أر من نبه عليها ولو قيل إنها مفسدة لم يكن بعيدا لأنه الراب بتشديد الباء زوج الأم كما في الصحاح والقاموس وهو مفسد للمعنى "
...وقال النووي في المجموع:
"ويجب الاحتراز في التكبير عن الوقفة بين كلمتين وعن زيدة تغير المعنى فإن وقف أو قال آلله أكبر بمد همزة الله أو بهمزتين أو قال الله اكبار أو زاد واوا ساكنة أو متحركة بين الكلمتين لم يصح تكبيره" ...
رابعا: تأخر المبلغ في أداء التكبير أو في تمطيط الحروف وإخراجها عن محالها وقد يكبر الإمام للركوع ثم يكبر المسمع خلفه ويطيل التكبير فيرفع الإمام من الركوع قبل أن ينقضي تكبير المسمع للركوع ويترتب على ذلك كثير من المحاذير التي لا يقرها الشرع ومن هذه المحاذير ما يأتي:
أ – أن المسبوق بركعة أو أكثر يأتي فيكبر للاحرام ويركع ظنا منه أن الإمام في الركوع لعلمه أن المسمع لم يرفع من الركوع فتفسد عليه صلاته.
ب – أن في هذا مخالفة للسنة لأن السنة في الصلاة أن يكون المأموم تبعا للإمام كما تقدم وفي فعل المبلغ هذا مدعاة لتأخر أفعال المأموم عن أفعال الإمام إلى حد أن يكون ركوع المأموم بعد رفع الإمام من الركوع ومثله السجود وبقية أفعال الصلاة.
جـ - اقتطاع جزء من صلاة المأمومين بسبب ما يحصل من صوت المبلغ.
خامسا: أن المبلغ قد يرفع صوته كثيرا مما يكون سببا في ذهاب الحضور والخشوع في الصلاة ويذهب السكينة والوقار ويقع به التشويش على المصلين ويحصل بسبب ذلك كثير من الأمور التي تتنافى مع حقيقة الصلاة.
سادسا: أن بعض المبلغين يتعذر عليه سماع الإمام في تكبيره وعلم ركوعه وسجوده فمثل هذا لا يجوز له أن يبلغ خشية أن يكون تبليغه للركوع مثلا بعد الإنتهاء منه وهكذا وفي هذا تأخر لأفعال المأمومين عن أفعال الإمام وهو لا يجوز كما تقدم، ومثله إذا شك المبلغ في أفعال الإمام.
سابعا: أن بعض المبلغين يفعل التبليغ على طريقة جماعية وذلك بأن يبتدئ بعضهم بالتكبير فيقول الله ويمد صوته ثم يبتدئ الآخر من أثناء الكلمة نفسها واصلا صوته بصوت الأول وهكذا وفاعل هذا لم يأت بالتكبير على صيغته المشروعة وإنما أتى به مقطعا."
وكل هذه المحاذير أصبحت كما قال المؤلف فى بداية البحث لا وجود لها بسبب مكبرات الصوت
|