"ومن أدلة الجمهور: الإستصحاب:
قال الطبري: " ... أن الكل مجمعون قبل النكاح أن كل شيء معها حرام ثم اختلفوا فيما يحل له منها بالنكاح ولن ينتقل المحرم بإجماع إلى تحليل إلا بما يجب التسليم له من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على أصل مجمع عليه فما أجمع منها على التحليل فحلال وما اختلف فيه منها فحرام والإتيان في الدبر مختلف فيه فهو على التحريم المجمع عليه "
ولا يوجد في الكلام أى دليل على الاستصحاب الذى ذكره الطوارى ثم نقل أنه محرم بالقياس فقال :
كما استدل الجمهور بالقياس:
قال الإمام الماوردي: " ومن طريق القياس أنه إتيان، فوجب أن يكون محرما كالوطء، ولأنه أذى معتاد، فوجب أن يحرم الإصابة فيها كالحيض، ولا يدخل عليه وطء المستحاضة لأنه نادر "
ولا يوجد هنا قياس فالقياس يكون على جماع الرجل الرجل لأنه كلاهما يكون في فتحة الشرج ثم قال :
"وقد نقل أهل العلم الإجماع على تحريمه:
وقد انعقد الإجماع على تحريم إتيان المرأة في الدبر، وإن كان فيه خلاف قديم فقد انقطع، وكل من روي عنه إباحته فقد روي عنه إنكاره "
وتعرض لأدلة المبيحين الجماع في فتحة الشرج فقال :
"أدلة المبيحين:
قال تعالى "أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ?.
وقال تعالى "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن "
فدل على أن جميعهن لما يستمتع به على عمومه "
وهذه ليست أدلة على الإطلاق لأنها أدلة التحريم فما حرم على الذكور حرم على الإناث وهو الإتيان في فتحة الشرج ثم قال :
"استدل من ذهب إلى إباحته بما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا أتى امرأة في دبرها فوجد في ذلك وجدا شديدا فأنزل الله تعالى "نسآؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم "
وقوله تعالى "حرثكم أنى شئتم "أي أين شئتم فصار المعنى فأتوا حرثكم في أي مكان شئتم.
وقد أخرج البخاري ( فتح) عن ابن عون عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليه يوما فقرا سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال: أتدري فيم نزلت؟قلت: لا.قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن وأتبعه بحديث أيوب عن نافع عن ابن عمر "فأتوا حرثكم أنى شئتم "قال يأتيها في .. ولم يذكر بعده شيئا."
وما قاله الرجل ليس دليلا ولا شبهة دليل فالحرث وهو الزرع يكون من فوق وليس من تحت لأن الإنسان لا ينزل تحت الأرض حتى يزرع وإنما هو يزرع في الطبقة الفوقية لاستحالة اتيانه الطبقة التحتية
اتحدث هنا مع ان الله لم يشبه شىء في الآية وإنما معناها أن الرجل والمرأة يلتذا من أى ناحية أمام أو خلف أو جانب ولو فتحنا التأويل في الآية لكان معنى هذا الإنسان جواز وضع القضيب في كل مكان من جسد المرأة لأنه لا يوجد تحديد
وأما التحديد فقد بينه الله بقوله" من حيث أمركم الله" الذى دل على أن موضع وضع القضيب واحد ونقل الرجل عن الشيعة والإباضية فقال:
"وممن ذهب إلى الجواز مع الكراهة:
الشيعة الإمامية جاء في كتاب الروضة البهية:
الفصل الأول في مقدمات النكاح: والوطء في دبرها مكروه كراهة مغلظة من غير تحريم على أشهر القولين والروايتين وظاهر آية الحرث، وفي رواية سدير عن الصادق: يحرم، لأنه روى عن النبي (ص)أنه قال: " محاش النساء على أمتي حرام " وهو مع سلامة سنده محمول على شدة الكراهة جمعا بينه وبين صحيحة ابن أبي يعقوب الدالة على الجواز صراحة "...
وجاء في الفقه الإباضي فيما يحرم المرأة أو يبينها:
وغيوب حشفة في دبر ورخص بعض أن لا تحرم كما في الديوان، وكتاب الألواح وغيرها ولو تعمد ذلك مرارا ورخص فيه أبو يحيى الفرسطائي، وليس على من يتعمد ذلك منهما شيء ولا تحرم إن لم يتعمدا، وقيل: تحرم، وصححه بعض، ثم قال:
الظاهر عندي أنها حلال ولغيره، ولكن يجتنب الدبر ويجامعها حيث شاء."
والرجل نقل عن الشيعة تناقص أحاديثهم في الأمر كما حال السنة وكما هو حال الإباضية الذين يعتمدون في الغالب على أحاديث السنة مع مسند الربيع وقد ذكر الطوارى أن أحد ائمة الأحاديث قال أن كل الأحاديث المحرمة والمبيحة لا يوجد فيها حديث صحيح وهو قوله:
"وقد رد هذا الفريق على الأحاديث بأنها معلولة لا يصح منها شيء.
قال البزار: لا أعلم في الباب حديثا صحيحا لا في الحظر ولا في الإطلاق، وكل ما روي عن خزيمة بن ثابت من طريق فيه، فغير صحيح "
وكما نقل الطوارى أن العقل يحرم الأمر نقل عن المبيحين أنه يبيحه فقال :
"أدلة المعقول:
علة من قال بالجواز: إن إجماع الكل على أن النكاح قد أحل للزوج ما كان حراما، وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن القبل بأولى في التحليل من الدبر.
وقالوا: لأنه لو استثناه - أي الوطء في الدبر - من عقد النكاح فسد، ولو أوقع عليه الطلاق سرى إلى الباقي، فدل على أنه مقصود بالإستمتاع، ولأنه أحد الفرجين، وفجاز إتيانه كالقبل، ولأنه لما ساوى في كمال المهر، وتحريم المصاهرة، ووجود الحد ساواه في الإباحة. "
وهذا الكلام ليس فيه شىء من العقل فالمعقول حسب كلامهم هو أن الإتيان مباح في كل جسد المرأة دون استثناء لأن الله لم يحدد القبل والدبر كما يزعمون في الآية
ونقل لنا حكاية عن الشافعى ومحمد بن الحسن فقال :
"ومن الأدلة الطريفة التي رويت عن الإمام الشافعي في حوار مع الإمام محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة في إباحة وطء المرأة في دبرها ما رأينا نقله لما فيه من قوة الدليل ورجحان عقلية هذا الإمام.
قال الشافعي:
سألني محمد بن الحسن فقلت له: إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك: على المناصفة.قلت: فبأي شيء حرمته؟قال: بقول الله تعالى "فأتوهن من حيث أمركم الله "وقال "فأتوا حرثكم أنى شئتم ?،والحرث لا يكون إلا في الفرج قلت : أفيكون ذلك محرما لما سواه؟قال: نعم.قلت: فما تقول لو وطئها بين ساقيها، أو في أعطافها، أو تحت إبطها، أو أخذت ذكره بيدها أفي ذلك حرث؟قال: لا.
قلت: أفيحرم ذلك؟قال: لا قلت: فلم تحتج بما لا حجة فيه؟قال: فإن الله قال "والذين هم لفروجهم حافظون "قال: فقلت له: إن هذا مما يحتجون به على الجواز إن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته، وما ملكت يمينه فقلت: أنت تتحفظ من زوجته وما ملكت يمينه
وهذا لا يعني قول الشافعي بالجواز بل يقول بالتحريم كما أسلفنا."
ثم نقل رد المحرمين على المبيحين فقال :
"رد الجمهور على أدلة المبيحين:
أما قوله تعالى "أنى شئتم "بمعنى من أين شئتم.
و"أنى "تأتي سؤالا وإخبارا عن أمر له جهات فهو أعم في اللغة من " كيف "، ومن " أين "، ومن " متى " هذا هو الإستعمال العربي في " أنى " ويؤيد هذا ما أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في سبب النزول عن جابر بن عبد الله: أن يهود كانت تقول: إذا أتيت المرأة من دبرها في قبلها ثم حملت، كان ولدها أحول، قال: فأنزلت "نسآؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم "أي كيف شئتم من قيام وقعود واضطجاع أو من ورائها في فرجها
ثم كيف تفسرون " أنى " بأن معناها " أين " فصار المعنى: فأتوا حرثكم أي مكان شئتم فحدث التناقض بين أولها وآخرها، حيث سمى المرأة حرثا ومكانا لزرع النسل، وأباح إتيانها في مكان ليس محلا للزرع.
أما الرد على الشبهة الثانية: بين كلمتي " من "، و" في " في حديث ابن عمر: أن رجلا أتى امرأته في دبرها ".
فقال ابن القيم " ومن ههنا نشأ الغلط على من نقل عنه الإباحة من سلف والأئمة فإنهم أباحوا أن يكون الدبر طريقا إلى الوطء في الفرج فيطأ من الدبر لا في الدبر فاشتبه على السامع من نفى أولم يظن بينهما فرقا فهذا الذى أباحه السلف والأئمة فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه ".
أما قوله "أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ? فمعناه: أتأتون المحظور من الذكران، وتذرون المباح من فروج النساء.
وقال تعالى "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن "ففيه تأويلان:
الأول: أن اللباس السكن كقوله تعالى "وهو الذي جعل لكم الليل لباسا "
والثاني: أن بعضهم يستر بعضا كاللباس، وليس في ذلك على التأويلين دليل لهم وأما فساد العقد باستثنائه وسراية الطلاق به، فقد يفسد العقد باستثناء كل عضو لا يصح الاستمتاع به من فؤادها، وكبدها ويسري منه الطلاق إلى جميع بدنها، ولا يدل على إباحة الاستمتاع به فكذلك الدبر.
وأما استدلالاهم بما يتعلق به من كمال المهر، وتحريم المصاهرة، فغير صحيح لأن ذلك يختص بمباح الوطء دون محظور، ألا تراه يتعلق بالوطء في الحيض والإحرام والصيام وإن كان محظورا فكذلك في هذا."
واستعرض الرجل روايات عن ناس قالوا بالإباحة ونفى صحتها فقال :
"هل أفتى إمام دار الهجرة مالك بن أنس بالجواز وكذلك الإمام الشافعي وما صحة رواية ابن عمر؟
يستند من يرى إباحة وطء المرأة في دبرها أو على الأقل من يرى أن المسألة خلافية بين أهل العلم يسوغ فيها الإجتهاد إلى أقوال من نقل عنهم الجواز وعلى رأسهم من الصحابة: ابن عمر ومن العلماء: الإمامان مالك والشافعي أما جواب ما نقل عن ابن عمر فالآتي:
عن عبيد الله بن عمر بن حفص عن نافع قال قال لي بن عمر أمسك على المصحف يا نافع فقرأ حتى أتى على هذه الآية نساؤكم حرث لكم فقال تدري يا نافع فيمن أنزلت هذه الآية قال قلت لا قال فقال لي في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم الآية قال نافع فقلت لابن عمر من دبرها في قبلها قال لا إلا في دبرها وله طرق عن ابن عمر ومتابعة الرواة لنافع فيها.
قال الحافظ ابن حجر: ورواية ابن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه بغير نكير أو يرويها عنه زيد بن أسلم ورواها الإمام الطبري في التفسير بإسناد صحيح عنه.
أخرجها إسحاق بن راهوية في التفسير كما في الدر المنثور فالأثر ثابت وصحيح غير أنه وردت رواية عن ابن عمر تنص على القول بتحريم إتيان المرأة في دبرها، وقد صح عنه أنه أنكر ذلك فيما روى النسائي من رواية الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: إنا نشتري الجواري فيمحض لهن قال: وما التحميض؟قال: إتيانهن في أدبارهن فقال ابن عمر: أو يفعل ذلك مسلم؟!أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار والدارمي في سننه (بإسناد حسن قال الإمام الذهبي في السير: وقد جاءت رواية أخرى عنه أي عن نافع عن ابن عمر بتحريم أدبار النساء.
..وذهب بعض العلماء إلى القول بوهم النقلة عن ابن عمر، ونفي الوهم عنه:
قال ابن القيم :
" فقد صح عن ابن عمر الآية بالإتيان في الفرج من ناحية الدبر وهو الذي رواه عنه نافع وأخطأ من أخطأ على نافع فتوهم أن الدبر محل للوطء لا طريق إلى وطء الفرج فكذبهم نافع وكذلك مسألة الجواري إن كان قد حفظ عن ابن عمر أنه رخص في الإحماض لهن فإنما مراده إتيانهن من طريق الدبر فإنه قد صرح في الرواية الأخرى بالإنكار على من وطئهن في الدبر وقال أو يفعل هذا مسلم فهذا يبين تصادق الروايات وتوافقها عنه "."
وهنا يثبت الطوارى تعارض الروايات عن الفرد الواحد كابن عمر ويقول بهذا التعارض في أقوال مالك فيقول:
"أما ما روي عن الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة ففيه قولان:
روي القول عنه بالإباحة من رواية عطاف بن موسى، عن عبد الله بن الحسن، عن أبيه أنه حكى عن مالك إباحة ذلك وروي عن مالك أنه قال: ما أدركت أحا أقتدي به في ديني يشك أنه حلال، وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك.
قال ابن العربي في أحكام القرآن: وقد جمع في ذلك ابن شعبان في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن وأسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصحابة والتابعين وإلى مالك روايات كثيرة.
|