يقول العلماء: إن هذا الاختبار العظيم الذي يورث سعادة الدنيا قبل سعادة الآخرة قد ورد في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة حينما قال رسول الله (ص)«إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إليه مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإذا سألني لأعطينه، ولئن أستعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته»."
يقول الله عز وجل: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليه مما افترضه عليه» إذا أحبتي نحن عندما نتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأداء فرائضه فإن الله سبحانه وتعالى يحب الفريضة لذاتها ولا يحبنا نحن لماذا؟ لأننا نؤدي الفريضة فقط خوفا من الله، ولكن عندما نرقي أنفسنا إلى مرتبة أعلى ألا وهي مرتبة أداء النوافل، فإننا بإذن الله سوف نحصل على محبة الله سبحانه وتعالى إذا اجتزنا الاختبارات المترتبة بعد أداء النوافل.
وقوله عز وجل: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به» لنجري الآن أحبتي هذا الاختبار على أسماعنا بمعنى: كل منا الآن يؤدي هذا الاختبار على سمعه بمعنى هل سمعه ممتثلا لأمر الله أم أن هذا السمع يستمع إلى ما حرم الله فإذا كان مثلا سمع المسلم ينطلق إلى ما حرم الله، فهذا بمعنى أنه يسمع الغيبة والنميمة والآثام والفواحش والأغاني وما شابه ذلك، فهذا معناه: أن سمع هذا المسلم ليس السمع الذي ورد في قوله عز وجل: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به» وبالتالي يقينا أن الله سبحانه وتعالى لم يحبه؛ لأنه لو أحبه لتكفل بحفظ هذا السمع، فيجب أن نحذر أحبتي، فإن قضية أن المسلم يجعل أذنيه مرتعا لكل ما حرم الله، وهذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى لم يحبه كما أن عليه أن يتذكر قول رسول الله (ص)من استمع إلى مغن أو مغنية صب الله في أذنيه الرصاص المذاب يوم القيامة.
الآن الاختبار الثاني قوله تعالى: «فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به» أي: لنجري هذا الاختبار على هذه الجارحة وهي البصر إذا كانت مثلا هذه الجارحة تنطلق فيما حرم الله من النظر إلى الصور المحرمة بشتى أنواعها سواء بالنظر إلى النساء الأجنبيات أو النظر إلى الصور المحرمة في المجلات أو التلفاز أو غير ذلك؛ فهذا معناه أن هذا البصر غير مضبوط بأمر الله، وأيضا هذا معناه أن هذا البصر الذي ينظر فيما حرم الله ليس البصر الذي ورد في قول الله عز وجل: «فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به» وبالتالي يقينا أن الله سبحانه وتعالى لم يحبه؛ لأنه لو أحبه لتكفل بحفظ هذا البصر ألا وهي جارحة البصر"
والحديث السابق لا يصح لأنه يرمى الله بنقيصة من نقائص الخلق وهى التردد فالله ليس مخلوقا حتى يتردد وفى هذا قال تعالى :
"ليس كمثله شىء"
فما أراده يكون على الفور كما قال تعالى:
" إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون"
وحدثنا عن الترغيب والترهيب فقال :
" وهنا يذكر العلماء الترغيب والترهيب فروي عن الرسول في المسند قوله من ناحية الترغيب: «النظر سهم مسموم من سهام إبليس، فمن غض بصره عن محاسن امرأة لله؛ أورث الله قلبه حلاوة إلى يوم يلقاه» "
والحديث لا يصح فإبليس لم يخترع النظر فهى سهم من سهام الشهوة لأن إبليس دخل النار فور خروجه من الجنة فكيف علم البشر كل ما يفعلونه من الذنوب؟
وفى هذا قال تعالى:
"اخرج منها مذءوما مدحورا"
ثم قال :
"هذا من ناحية الترغيب، أما من ناحية الترهيب، فقد صح عن الرسول قوله أيضا من حديث أبي هريرة - -: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه» [متفق عليه]."
والحديث هو الآخر لا يصح إلا أن يكون معنى الزنا الذنب وليس الجماع فالزنا معروف وهو جماع غير الزوجة ولا يوجد فى الحديث جماع حتى يسمى زنى
كما أن النظر لا يمكن أن يسمى زنا أى ذنب عامة مع وجود نظر حلال للزوجة ونظر حلال للأمهات والبنات والأخوات ونظر حلال للمخلوقات للتفكر فيها وأتم الرجل كلامه عن الحديث القدسى فقال :
"وقد سئل الحسن البصري فقيل له يا أبا الحسن: رحمك الله كيف نستعين على غض أبصارنا؟ فقال: بأن تتأمل أن نظر الله سبحانه وتعالى إليك أسرع من نظرك إلى الصورة المحرمة.
الاختبار الثالث: «فإذا أحببته كنت يده التي يبطش بها» أيضا لنختبر هذه الجارحة التي يمتلكها كل منا ولله الحمد وهي جارحة اليد إذا كانت مثلا هذه الجارحة تقوم بأي بطش محرم سواء من الإمساك بالسيجارة للتدخين، أو القيام بحلق اللحية فهذا معناه أن هذه الجارحة وهي اليد ليست الجارحة التي وردت في قوله عز وجل: «فصرت يده التي يبطش بها» لماذا؟ لأن قبضة البطش المحرم، ولا يعقل أيها الأحبة أن الله سبحانه وتعالى يتكفل بحفظ يده فيكون هو يده التي يبطش بها، ولكي تقوم هذه اليد بأي بطش محرم من حلق اللحية أو تقصيرها أو الإمساك بالسيجارة والتدخين، أو أي بطش محرم فهذا معناه أن هذه ليست اليد التي وردت في قوله عز وجل: «كنت يده التي يبطش بها» وبالتالي يقينا أن الله سبحانه وتعالى لم يحبه؛ لأنه لو أحبه لتكفل بحفظ هذه الجارحة.
الاختبار الرابع والأخير: «فإذا أحببته كنت رجله التي يمشي بها» أيضا أحبتي لنجري هذا الاختبار على أرجلنا أو بمعنى آخر الأماكن التي نذهب إليها إذا كان في أحد تلك الأماكن أي مكان محرم ونحن نعرف جميعا الأماكن المحرمة سواء من أماكن الفساد أو أماكن المقاهي التي يشرب فيها المشروبات المحرمة أو النظر إلى الصور المحرمة أو أي مكان فيه مكان محرم فهذا معناه أن أرجلنا ذهبت إلى هذا المكان المحرم ليست الرجل التي وردت في قوله عز وجل: «وصرت رجله التي يمشي بها» لأنه لا يعقل أن الله سبحانه وتعالى يتكفل بحفظ الرجل، ومن ثم تذهب هذه الرجل إلى أي مكان محرم، وبالتالي يقينا أن الله سبحانه وتعالى لم يحبه؛ لأنه لو أحبه لتكفل بحفظ هذه الرجل.
إذا أحبتي على ضوء تلك الاختبارات الأربعة على هذه الجوارح ألا وهي: السمع، والبصر، والبطش، والمشي، كل منا علم يقينا أن الله سبحانه وتعالى يحبه أو لا يحبه، وليعلم إن رسب في أحد تلك الاختبارات فليعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يحبه بعد، وبعضنا للأسف قد رسب للأسف في جميع هذه الاختبارات الأربع، بمعنى أنه يبصر ما حرم الله، ويسمع ما حرم الله، ويبطش بيده ما حرم الله، ويذهب إلى ما حرم الله، و لا حول ولا قوة إلا بالله. هذا أيها الأحبة لا يلومن إلا نفسه، ولذلك نجد أيها الأحبة أن المستقيمين أو ما يسمون بالمطاوعة المتلزمين نجد أنهم قد تكفل الله تعالى بحفظ هذه الجوارح الأربع لديهم فلا ينظرون إلا ما أحل الله، ولا يسمعون إلا ما أحل الله، ولا يبطشون بأيديهم إلا ما أحل الله، ولا يذهبون إلى أماكن لا يحبها الله
ويحلها، فهذا معناه أن الله سبحانه وتعالى أحبهم، فتكفل بحفظ هذه الجوارح الأربعة لديهم.
إذا كنا رسبنا في أحد هذه الاختبارات أو ربما جميعها كيف نصل إلى مرتبة يحبنا فيها الله عز وجل، وبالتالي يتكفل بحفظ هذه الجوارح الأربعة لدينا، نرجع إلى قوله عز وجل: «فإذا أحببته» قوله عز وجل «وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل» أي: «ما زال» في اللغة العربية تعني الاستمرار والمداومة أي أنه داوم واستمر على أداء هذه النوافل حتى وصل إلى مرتبة أحبه فيها الله عز وجل، وبالتالي تكفل بحفظ هذه الجوارح الأربعة لديه، ونقول أيها الأحبة: إن من أولى الأولويات عند المسلم أن يحصل على محبة الله عز وجل قبل أن يلقاه، لماذا؟ لأن أحدا منا لو كان سوف يقابل ملكا أو مسؤولا من المسؤولين، وسوف يحاسبه على أمر ما، فإنه يحرص أشد الحرص على أن ينال رضى هذا المسؤول لماذا؟ لأنه سوف يحاسبه على أمر زائل من أمور الدنيا، فما بالك بالجبار عز وجل.
من أولى الأولويات لكل واحد منا أن يحصل محبته عز وجل قبل أن يحاسبه وينال بذلك سعادة الدارين"
وما فهمه الرجل من الحديث غير الصحيح يتناقض مع قوله تعالى :
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
فالإنسان مسلم أو كافر لا يعمل عمل إلا عندما يقدره الله على العمل ومن ثم فهو أيضا يد الكافر وبصر الكافر وسمع الكافر لأنه خلق الإنسان وعمله كما قال إبراهيم(ص) :
" والله خلقكم وما تعملون"
واختتم الرجل كتابه بموعظة لنا فقال :
"همسة الوداع:
من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته، ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه، ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه.
وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه، وأنت معرض، وفيما يبعدك عنه راغب."
وهى كلمة مؤثرة نافعة
|