والعايد هنا لا يفرق بين الكراهية للشىء الذى ينتج منه خير وبين الضرر فالمكروه كالزوجة ليست ضررا تاما وإنما فيها خير وشر وكذلك القتال ففيه خير وشر أيضا فخيره امتناع الكفار عن الاعتداء على المسلمين والاستيلاء على الغنائم وضرر استشهاد المجاهدين وجرحهم ودمار البيوت وغيرها
وتحدث عن كون البلاء تمحيص وتكفير فقال :
"رابعا: محطة تمحيص وتكفير:
* نعم، الابتلاء محطة نتوقف فيها برهة من الزمن، فإذا بأدران الذنوب والمعاصي تتحات منا كما يتحات ورق الشجر؛ إذ المؤمن يثاب على كل ضربة عرق، وصداع رأس، ووجع ضرس، وعلى الهم والغم والأذى، وعلى النصب والوصب يصيبه، بل وحتى الشوكة يشاكها، وفي الحديث: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب - وهما المرض والتعب - ولا هم ولا حزن، ولا غم ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» [متفق عليه].
* فالأجر ثابت يا عبد الله على كل ألم نفسي أو حسي يشعر به المؤمن إذا صبر واحتسب، فقد جاء في كتب السنة أن النبي (ص) دخل على أم السائب - رضي الله عنها - فقال لها: «ما لك تزفزفين؟» قالت: الحمى، لا بارك الله فيها! فقال: «لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد» [رواه مسلم]، وفي الحديث عن النبي (ص) أنه قال: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله تعالى به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» [متفق عليه]، فهنيئا للصابرين المحتسبين."
والحديث لا يصح هنا فسب المريض للمرض ليس ذنبا فقد وصفه أيوب (ص) بالنصب والعذاب كما أن المريض لا يعاقب على هذا السب والتوجع كما قال تعالى "
" ولا على المريض حرج"
فقد رفع الحرج وهو العقاب أو الذنب على المريض إذا ارتكبه لأنه فى حالة غير صحية ومن ثم أعطاه الله حقوقا فى تلك الحالة
وحدثنا عن ىثواب الابتلاء بكونه زيادة الدرجات فى الجنات فقال :
خامسا: رفعة للدرجات وتبوؤ لمنازل الجنات:
* إن البلاء يعتري المسلم فيمحو منه - بإذن الله - أدران الذنوب والمعاصي إن كان مذنبا مخطئا، وكل ابن آدم خطاء كما مر معك، وإن لم يكن كذلك فإن البلاء يرفع درجاته ويبوؤه أعلى المنازل في الجنة، وقد جاء في الحديث أن الله عز وجل يقول لملائكته إذا قبضوا روح ولد عبده: «قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع،فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد» [رواه أحمد وحسنه الألباني]، ويقول سبحانه في الحديث القدسي: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» [رواه البخاري].
* بل ترفع درجات المؤمن حينما يبتلى بما هو أقل من ذلك، ففي الحديث أن النبي (ص) قال: «ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة» [رواه مسلم].
* إذا هي درجة تلو درجة ليبلغه الله منزلته في الجنة، والتي يكون تبليغه إياها بفضل الله، ثم بفضل صبره على البلاء، والله عز وجل يقول: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}
عطيته إذا أعطى سرور ... وإن أخذ الذي أعطى أثابا
فأي النعمتين أعم فضلا ... وأحمد في عواقبها إيابا
أنعمته التي أهدت سرورا ... أم الأخرى التي أهدت ثوابا
بل الأخرى وإن نزلت بكره ... أحق بشكر من صبر احتسابا"
والحديث ألأول لا يصح فالمسلم لا يبنى له بيت يسمى بيت الحمد فى الجنة لأن الله يعطى كل مسلم قصور أى غرف على الأعمال كلها وليس على الحمد وحده كما قال تعالى:
" وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون"
والحديث الثالث عن إعطاء درجةفى الجنة بكل شوكة أو وجع لا يصح والخطأ هو أن يقرر وجود درجات كثيرة فى الجنة بينما هما درجتين كما قال تعالى :
" فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
وقال :
" ومن دونهما جنتان"
وحدثنا عن كون البلاء علامة حب ورأفة فقال :
"سادسا: علامة حب ورأفة:
* إن المصائب والبلاء امتحان للعبد، وهي علامة حب من الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنه وإن كان مرا إلا أنك تقدمه على مرارته لمن تحب، ولله المثل الأعلى، ففي الحديث الصحيح: «إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
* يقول ابن القيم: إن ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه لأهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به إلى تمام الأجر وعلو المنزلة ... إلى آخر ما قال.
* ولا شك - أخي الحبيب - أن نزول البلاء خير للمؤمن من أن يدخر له العقاب في الآخرة، وكيف لا، وفيه ترفع درجاته وتكفر سيئاته!
يقول المصطفى (ص): «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة» [رواه الترمذي وصححه الألباني]، وبين أهل العلم أن الذي يمسك عنه هو المنافق، فإن الله يمسك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة، عياذا بالله."
والكلام السابق الخطأ الأساسى فيه هو أن البلاء حب فلو كان الأمر كذلك فإن الله يحب كل الناس كفارا ومسلمين لأنه يبتلى الكل كما قال:
"ونبلوكم بالشر والخبير فتنة"
ولو كان الجزاء على قدر البلاء الضار فمعنى هذا أن الكفار سيكونون فى الجنة لأن هلاكهم بأنواع العذاب المختلفة هو أعظم ضررا يمكن أن يبتلى به إنسان ومن ثم يكونون فى الجنة ومن ثم لا تصح الرواية التى استشهد بها العايد لأن المحبوب والمكروه مبتلى كما قال تعالى :
" لنبلوهم أيهم أحسن عملا"
وحدثنا عن اتخاذ الدروس والعبر من البلاء فقال:
"سابعا: دروس وذكرى:
* في البلاء دروس لا يمكن أن نأخذها من غيره أبدا، وهي من حكم البلاء، ومن أهمها ما يلي:
* الدرس الأول: أن البلاء - أخي المسلم - درس من دروس التوحيد والإيمان والتوكل، يطلعك عمليا على حقيقة نفسك؛ لتعلم أنك عبد ضعيف لا حول لك ولا قوة إلا بربك، فتتوكل عليه حق التوكل، وتلجأ إليه حق اللجوء، حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء، والعجب والغرور والغفلة، وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه.
* الدرس الثاني: أن البلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور، وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا، في حياة لا مرض فيها ولا تعب، {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} أما هذه الدنيا فنكد وجهد وكبد، {لقد خلقنا الإنسان في كبد *} فهذا شان الدنيا، فبينما هي مقبلة إذا بها مدبرة، وبينما هي ضاحكة إذا بها عابسة، فما أسرع العبوس من ابتسامتها، وما أسرع القطع من وصلها، وما أسرع البلاء من نعمائها.
* فهذه طبيعتها، ولكنك تنسى - أخي الحبيب - فيأتي البلاء فيذكرك بحقيقتها؛ لتستعد للآخرة، ويقول لك:
فاعمل لدار غدا رضوان خازنها
الجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهب والمسك تربتها
والزعفران حشيش نابت فيها
* الدرس الثالث: أن البلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالعافية، فإن هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان وأصرح برهان معنى العافية التي كنت تتمتع بها سنين طويلة، ولم تتذوق حلاوتها ولم تقدرها حق قدرها، وصدق من قال: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى. ومن غير المبتلى يعرف أن الدنيا كلمة ليس لها معنى إلا العافية؟
* الدرس الرابع: أن البلاء يذكرنا، فلا نفرح فرحا يطغينا، ولا نأسى أسى يفنينا، فإن الله عز وجل يقول: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}
* الدرس الخامس: أن البلاء يذكرك بعيوب نفسك لتتوب منها، والله عز وجل يقول: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا}
فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر، فإن الله تعالى يقول: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون} والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها.
* الدرس السادس: أن البلاء درس تربوي عملي يربينا على الصبر، وما أحوجنا إلى الصبر في كل شيء، فلن نستطيع الثبات على الحق إلا بالصبر على طاعة الله، ولن نستطيع البعد عن الباطل إلا بالصبر عن معصية الله، ولن نستطيع السير في مناحي الحياة إلا بالصبر على أقدار الله المؤلمة، وما أجمل الصبر في ذلك كله، فهو زادنا إلى جنة الخلد والرضوان، قال سبحانه وتعالى: {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}
* وختاما لهذه الدروس: أظنك - أخي الحبيب - توافقني الرأي بأن هذه الدروس الستة لا يمكن أن نأخذها من غير بلاء؛ إذ هي من قبل أن نصاب بالبلاء لا تعدو أن تكون حبرا على ورق، أو كلاما نظريا يطير به الهوى، فإذا نزل بنا البلاء واجتزناه بنجاح صارت واقعا عمليا نعيشه، وهذا من حكم البلاء."
|