فقال رسول الله (ص)«اللهم اهد أم أبي هريرة» فخرجت مستبشرا بدعوة رسول الله، فلما جئت وصرت بالباب فإذا هو مجاف، فسمعت أمي صوت قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها، وفتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال: فرجعت إلى رسول الله وأنا أبكي من الفرح، فقلت: يا رسول الله، أبشر، قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة وكان أبو هريرة إذا دخل على أمه قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما ربيتني صغيرا، فترد عليه: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما بررتني كبيرة.
ولقد رأى ابن عمر رجلا يطوف بالبيت وقد حمل أمه وراء ظهره، فقال: هل ترى أني جازيتها يا ابن عمر؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة.
وعن بعض آل سيرين قالوا: ما رأينا محمد بن سيرين يكلم أمه إلا وهو يتضرع وكان زين العابدين - من سادات التابعين - وكان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، قال: إني أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها.
وهذا عبد الله بن عون، نادته أمه، فعلى صوته صوتها، فاعتق رقبتين.
صور من العقوق مؤلمة:
وعلى النقيض من تلك الصور المشرقة، صور مؤلمة.
في الأثر أنه جاء رجل إلى رسول الله (ص)وقال: إن أبي يريد أن يجتاح مالي!! فقال (ص)«اذهب وادع لي أباك»، فلما جاء الأب الشيخ الكهل الكبير العجوز ووقف بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال (ص): «ما بالك تريد أن تجتاح مال ولدك؟» قال الشيخ العجوز: يا رسول الله، سله وهل أنفقته إلا على أمه وأخواته؟!
قال (ص): «هيه أسمعني أبياتا قلتها ما تحركت بها شفتاك» فقال الرجل: أشهد إنك لرسول الله وأني قلت في شأنه:
غذوتك مولودا وعلتك يافعا ... تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت ... بسقمك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طرقت به دوني وعيني تهمل
فلما بلغت السن والغاية التي ... إليك مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة ... كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذا لم ترع حق أبوتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأوليتني حق الجوار ولم تكن ... علي بمال دون مالك تبخل
فالتفت النبي (ص)وقال: «أتسمع، أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك».
وقد ذكر أن عاقا كان يجر أباه برجله إلى الباب ليخرجه من الدار، فكان له ولد أعق منه، فكان يجر أباه إلى الشارع، فإذا بلغ به الباب، قال له الأب: حسبك، ما كنت أجر أبي إلا إلى هذا المكان، فيقول له ولده: هذا جزاؤك، والزائد صدقة مني عليك.
وذكر أيضا أن رجلا كان مكبا على اللهو واللعب، وكان له والد صاحب دين، كثيرا ما كان يعظ هذا الابن، فيقول له: يا بني، احذر هفوات الشباب وعثراته، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألح عليه زاد في العقوق وجار على أبيه، وفي يوم من الأيام ألح على ابنه في النصح، فمد الولد يده على أبيه، فحلف الأب بالله ليأتين بيت الله الحرام ويدعو على ولده، فخرج حتى انتهى إلى بيت الله الحرام، فتعلق بأستار الكعبة، ودعا على ولده بأن يشل منه جانبه، حتى قيل أنه ما استتم كلامه حتى يبس شق ولده الأيمن.
وهذه أم مسكينة تروي قصتها فتقول: ذات يوم طلبت الزوجة من ابني أن يضعني في غرفة منفصلة خارج المنزل، ولم يتردد بل وافقها، وعندما خيم الشتاء وجاء البرد القارص، حاولت ذات ليلة دخول المنزل فإذا الأبواب مقفلة في وجهي فلسعني البرد وساءت حالتي وحملني ابني زيادة على هذا، وكنت أظن أنه سيذهب بي إلى أحد المستشفيات، وإذا به يلقي بي في دار الرعاية الاجتماعية، ولم يسأل عني بعد ذلك .. ولسان حالها يقول: يا فلذة كبدي، لقد كان بطني لك وعاء، وثديي لك سقاء، يا ولدي حملتك تسعة أشهر، وأرضعتك حولين كاملين، يا ولدي غسلت نجاستك بيدي، وأسهرتني الليالي والأيام.
يا بني:
فلا تطع زوجة في قطع والدة ... عليك يا ابن أخي قد أفنت العمرا
فكيف تنكر أما ثقلك احتملت ... وقد تمرغت في أحشاءها شهرا
وعالجت بك أوضاع النفاس وكم ... سرت لما ولدت مولودها ذكرا
وأرضعتك حولين مكملة ... في حجرها تستقي من ثديها الدررا
ومنك ينجسها ما أنت راضعه ... منها ولا تشتكي نتنا ولا قذرا
وقل هو الله بالآلاف تقرؤها ... خوفا عليك وترخي دونك السترا
وعامتلك بإحسان وتربية ... حتى استويت وحتى صرت كيف ترى
فلا تفضل عليها زوجة أبدا ... ولا تدع قلبها بالقهر منكسرا
يا بني: بعدمنا قرأنا عن فضل البر، والصور المشرقة في بر الوالدين، وجزاء العقوق والتحذير من الله ورسوله، فإياك يا بني وعقوق والديك فإن الإثم كبير وجزاؤه عند الله عظيم.
يا بني أنت اليوم ابن، وغدا بإذن الله تكون أبا، وستري صدق رسالتي"
والرسالة تتبع مقولة خاطئة وهى أن من عق والده أو والدته أو هما معا أو عقت أمها أو أباهما أو هما معا لابد أن يعقه أولاده أو يعقها أولادها وهو كلام غير صحيح حيث ينطبق على بعض الحالات ولا ينطبق على حالات أخرى فقد ينجب العاق بارا وقد ينجب البار عاقا
|