عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-08-2021, 08:02 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,057
إفتراضي

"هذه هي مسألة (القضاء والقدر) وهذا هو رأي المعتزلة فيها وفحواها أنها مسألة إرادة فعل العبد وما يحدث في الأشياء من خاصيات نتيجة فعل الإنسان وفحوى رأيهم أن العبد حر الإرادة في أفعاله كلها، وأنه هو الذي يخلق أفعاله ويخلق الخواص التي تحدث في الأشياء من أفعاله"
وبين المؤلف أن الحركة المضادة لرأى المعتزلة يميت الجبرية وكان رد فعل على حرية الإرادة التى قال بها المعتزلة وفى هذا قال :
"وهذا الرأي من المعتزلة أثار ثائرة المسلمين، وكان رأيا جديدا عليهم ورأيا جريئا في الأساس الأول في الدين وهو العقيدة ولذلك انبروا يردون عليه فقام جماعة يطلق عليهم (الجبرية) ومن أشهرهم جهم بن صفوان، فقال هؤلاء الجبريون: إن الإنسان مجبور وليست له إرادة حرة، ولا قدرة على خلق أفعاله، وهو كالريشة في مهب الريح أو كالخشبة بين يدي الأمواج، وإنما يخلق الله الأعمال على يديه وقالوا: إذا قلنا إن العبد خالق أعماله ترتب عليه تحديد قدرة الله وإنها لم تشمل كل شيء وإن العبد شريك لله تعالى في إيجاد ما في هذا العالم والشيء الواحد لا يمكن أن تتعاون عليه قدرتان فإن كانت قدرة الله هي التي خلقته فلا شأن للإنسان فيه، وإن كانت قدرة الإنسان هي التي خلقته فلا شأن فيه لقدرة الله ولا يمكن أن يكون بعضه بقدرة الله وبعضه بقدرة العبد فالله هو خالق فعل العبد وبإرادته وحده فعل العبد الفعل ويرون أن أفعال العباد واقعة بقدرة الله وحدها وليس لقدرة العبد تأثير فيها، وليس الإنسان إلا محلا لما يجريه الله على يديه، فهو مجبر جبرا مطلقا، وهو والجماد سواء لا يختلفون إلا في المظهر وهكذا يمضون في البرهان على رأيهم ويستدلون عليه كذلك بآيات من القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} وقوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} وقوله: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} وقوله: {والله خلقكم وما تعملون} وقوله: {الله خالق كل شيء} ويؤولون الآيات الدالة على إرادة العبد وخلقه للأفعال، وتبعا لذلك يقولون إن ما تولد من فعل العبد من خواص الأشياء كاللذة، والجوع، والشجاعة، والقطع، والإحراق، وغير ذلك هو من الله تعالى"
وبعد أن رد الجبرية ردا خاطئا على رأى المعتزلة الخاطىء كان رد أهل السنة كالتالى :
"وقام أهل السنة والجماعة أيضا يردون على المعتزلة فقال أهل السنة إن أفعال العباد كلها بإرادة الله ومشيئته، والإرادة والمشيئة بمعنى واحد وهي صفة أزلية في الحي توجب تخصيص أحد المقدورين في أحد الأوقات بالوقوع مع استواء نسبة القدرة إلى الكل وأفعال العباد بحكمه، إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وقضيته أي قضاؤه وهو عبارة عن الفعل مع زيادة أحكام قال تعالى: {فقضاهن سبع سموات} {وقضى ربك} والمراد بالقضاء المقضي، لا صفة من صفات الله وفعل العبد بتقدير الله وهو تحديد كل مخلوق بحده الذي يوجد من حسن وقبح ونفع وضر وما يحويه من زمان ومكان وما يترتب عليه من ثواب وعقاب والمقصود تعميم إرادة الله وقدرته لأن الكل بخلق الله وهو يستدعي القدرة والإرادة لعدم الإكراه والإجبار وقالوا: إن قيل: فإن على قولكم يكون الكافر مجبورا في كفره والفاسق في فسقه فلا يصح تكليفهما بالإيمان والطاعة، قلنا - أي أجابوا- إن الله تعالى أراد منهما الكفر والفسق باختيارهما فلا جبر، كما أنه تعالى علم منهما الكفر والفسق بالاختيار ولم يلزم تكليف المحال وقالوا عن أفعال العباد في الرد على المعتزلة والجبرية: للعباد أفعال اختيارية يثابون بها إن كانت طاعة، ويعاقبون عليها إن كانت معصية وبينوا وجه كونها اختيارية مع أنهم يقولون إن الله مستقل بخلق الأفعال وأيجادها فقالوا: إن الخالق لفعل العبد هو الله تعالى
وإن لقدرة العبد وإرادته مدخلا في بعض الأفعال كحركة البطش، دون البعض كحركة الارتعاش وإن الله تعالى خالق كل شيء، والعبد كاسب ثم وضحوا ذلك فقالوا: إن صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل كسب، وإيجاد الله الفعل عقيب ذلك خلق والمقدور الواحد داخل تحت القدرتين لكن بجهتين مختلفتين، فالفعل مقدور لله تعالى بجهة الإيجاد ومقدور العبد بجهة الكسب، وبعبارة أخرى إن الله تعالى أجرى العادة بخلق الفعل عند قدرة العبد وإرادته لا بقدرة العبد وإرادته، فهذا الاقتران هو الكسب واستدلوا على قولهم بالآيات التي أستدل بها الجبرية على خلق الله للأفعال وإرادته لها، واستدلوا على الكسب من العبد بقوله تعالى: {جزاء بما كانوا يعملون} وقوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} وقوله: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} "
وبين المؤلف أن أهل السنة رأيهم هو نفسه رأى الجبرية ومن ثم فهم فشلوا فى الرد على المعتزلة وهو قوله:
" واعتبروا أنفسهم أنهم ردوا على المعتزلة والجبرية والحقيقة هو أن رأيهم ورأي الجبرية واحد فهم جبريون وقد أخفقوا كل الإخفاق في مسألة الكسب، فلا هي جارية على طريق العقل، إذ ليس عليها أي برهان عقلي، ولا على طريق النقل، إذ ليس عليها أي دليل من النصوص الشرعية، وإنما هي محاولة مخفقة للتوفيق بين رأي المعتزلة ورأي الجبرية"
وتحدث المؤلف مبينا خطأ الكل فى دراسة المسألة فقال :
"والخلاصة أن مسألة القضاء والقدر أخذت دورا هاما لدى المتكلمين، وكانوا جميعا يجعلون موضع البحث هو فعل العبد وما تولد من هذا الفعل من خاصيات، أي الخاصيات التي يحدثها العبد من فعله في الأشياء، ويجعلون أساس البحث هو هل فعل العبد والخاصيات التي يحدثها العبد من فعله قد خلقه الله وخلقها أم أن ذلك من خلق العبد؟ وهل ذلك حصل بإرادة الله أم بإرادة العبد؟ وسبب وجود هذا البحث هو أخذ المعتزلة لهذه المسألة عن الفلسفة اليونانية كما هي باسمها ومسماها (القضاء والقدر) أو (حرية الإرادة) أو (الجبر والإختيار) وبحثهم لها من وجهة نظر رأوها تتفق مع ما يجب لله تعالى من صفة العدل، فأدى هذا إلى قيام الجبرية وأهل السنة يردون على المعتزلة آراءهم على نفس الصعيد وعلى ذات الأساس، وبحثوها جميعا من ناحية صفات الله لا من ناحية موضوعها وحده، فسلطوا إرادة الله وقدرته على فعل العبد وعلى الخاصيات التي يحدثها العبد في الأشياء وصاروا يبحثون: هل هي بقدرة الله وإرادته أم هي بقدرة العبد وإرادته؟ فالقضاء والقدر إذن هو أفعال العباد وخاصيات الأشياء التي يحدثها الإنسان من فعله في الأشياء فالقضاء هو أفعال العباد والقدر هو خاصيات الأشياء أما كون القضاء هو أفعال العباد فظاهر من بحثهم له وخلافهم فيه، أي من قولهم إن العبد يقوم بالفعل بقدرته وإرادته، وقول من رد عليهم أن فعل العبد يوجد بقدرة الله وإرادته لا بقدرة العبد وإرادته، وقول من رد على الاثنين أن فعل العبد يوجد بخلق الله للفعل عند قدرة الفعل وإرادته لا بقدرة العبد وإرادته
فهذا يدل على أن معنى القضاء هو أفعال العباد، وأما كون القدر هو الخاصيات التي يحدثها العبد في الأشياء فظاهر من بحثهم له وخلافهم فيه فإنهم حين بحثوا ما تولد من أفعال العبد بحثوا في الخاصيات التي يحدثها فقد قالوا: (إذا أضفنا نشا وسكرا وأنضجناها تولد من ذلك الفالوذج فهل طعم الفالوذج ولونه من خلقنا أم من خلق الله؟ هل خروج الروح عند الذبح وذهاب الحجر عند الدفعة، والإبصار إذا فتحنا أبصارنا، وكسر الرجل عند السقوط وصحتها إذا جبرت، ونحو ذلك، هل هو من خلقنا أم من خلق الله؟)
فهذا البحث هو بحث في الخواص، ويدل على ذلك اختلافهم في حكم هذه المتولدات فقد قال بشر بن المعتمر رئيس معتزلة بغداد: كل ما تولد من فعلنا مخلوق لنا فإذا فتحت أنا عين الإنسان فأبصر الشيء، فإن إبصاره للشيء هو فعلي أنا، لأنه متولد من فعلي، وكذلك لون ما نصنع من المأكولات، وطعومها، ورائحتها، هو فعلنا وكذلك الألم واللذة والصحة والشهوة الخ كل ذلك من فعل الإنسان وقال أبو الهذيل العلاف أحد شيوخ المعتزلة: هنالك فرق بين المتولدات فكل ما تولد من أفعال الإنسان مما يعلم كيفيته هو من فعله وما لا فلا فالألم الحاصل من الضرب، وذهاب الحجر صعدا إذا رماه إلى أعلى، وسفلا إذا رماه إلى أسفل ونحو ذلك، هو من فعل الإنسان أما الألوان والطعوم والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والجبن والشجاعة والجوع والشبع، فكلها من فعل الله
وقال النظام إن الإنسان لا يفعل إلا الحركة فما ليس بحركة فليس من صنعه، ولا يفعل الإنسان الحركة إلا في نفسه، فأما في غيره فلا، فإذا حرك إنسان يده فذلك فعله، وأما إذا رمى حجرا فتحرك الحجر إلى فوق أو إلى تحت، فتحرك الحجر ليس من فعل الإنسان، وإنما هو من فعل الله، بمعنى أنه طبع الحجر أن يتحرك إذا دفعه دافع وهكذا، فتكون الألوان والطعوم والرائحة والألم واللذة ليست من فعل الإنسان لأنها ليست حركات فهذا الاختلاف في النظر إلى التولد واقعه يبين أنه اختلاف في خاصيات الأشياء: هل هي من فعل الإنسان أم من الله؟ فالبحث إذن والخلاف في هذا البحث إنما هو في الخاصيات التي يحدثها الإنسان في الأشياء وهكذا سار البحث في موضوع واحد وعلى صعيد واحد عند جميع المتكلمين ونظرا لأن البحث في متولدات الأفعال أي في الخاصيات التي يحدثها الإنسان في الأشياء كان فرعيا لأنه مترتب على بحث فعل العبد، فقد كان بحثا ثانويا في الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة والجبرية فكان بحث فعل العبد هو البحث الطاغي بين المتكلمين،

رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس