فكان انكشاف نفاق المشروع الصفوي _ إذن _ ووضْع العصا في دولاب مخطّطِهِ الخبيث ، أوّل بركات هذا الربيع ، وباكورة ثماره اليانعة .
وأما دعوى النظام المجرم في طهران السبْقَ بنظامه السياسي ، فإنّ الربيع العربي الذي ضرب أروع الأمثلة في تجسيد سلطة الأمة واقعا حقيقيا لازائفا _ كما في طهران _ قد أظهر تلك الدعوى على حقيقتها ، وأزال المساحيق عن وجهها القبيح .
وذلك عندما قارنت الشعوب بين نظام يدّعي إشراك الشعب ، بينمـا هـو ينصـب على رأس هذا النظـام مرشدا لايُردُّ لـه قـول ! يزعم أنـّه يتلقى مباشرة من شخصية معصومة غائبة ، ديكتاتورا معمّما ! يحكم بإسـم الدين ، فمـن خالفـه ، فقد خان الله !!
ولهذا عندما خاف على سلطته المطلقة ، زوّر الإنتخابات ! فقامت ثورة الشعب الإيراني الخضراء عام 2009م ، فقُمعت قمعا لم تعرف حتـّى الأنظمة الوحشية مثله في البشاعـة !
بين هذا الواقع المزيف للنظام الإيراني في طهران ، وبين أنظمة الربيع العربي السياسية التي تسخـر من خرافة : (المرشد النائب عن المعصوم) ، ( الحاكم بأمر الله ) !
بل تحترم إرادة الشعب ، وتجعل كلمتها فوق الأشخاص مهما كان قدرهم !
والمقصـود أنّ الربيع العربي لن يكتمل _ بإذن الله _ حتى يعيد الأمة إلى مكانتها العالمية ، ورسالتها الحضارية ، وقوتها الدولية ، فلا يبقى لأيّ مشروع آخر مكانٌ هنا ، هذا لو كان مشروعا صديقا ، فكيف إذا كان عدوَّا ؟!
ولقد ذكرت مرّات عديدة أنْ كأنّ الله تعالى أبى إلاّ أن يجعل هذه النهضة التي بدأت بالربيع العربي تنتبـه لعدوِّها الأخطر في طهران ، فأظهر حقدَ هؤلاء الخونة فيما يقترفونه في الشعب السوي ، حتى رأت الأمـّة بأسرها مدى هذا الحـقد الأسـود المربادّ ، فأغناها ذلك عن كلّ درس !
ذلك أنه لن يُكتب لهذه الأمة نهوضٌ عالميُّ ، وهذه الزمرة المجوسيّة المجرمة الخائنة لهذه الحضارة الإسلامية تعدُّ خناجرها لتطعنَ الأمـّة في ظهرها في أحلك الأوقات ، كما كانت تفعل في ماضيها الأغبـر في دولتها الصفوية ، إذ أعملت معاول الخيانة في الخلافة الإسلامية العثمانية .
ولنختم هذا المقال بمثالٍ خليجيّ موضّحٌ لمقاصد الكلام ، ذلك أنّه لايختلف عاقلان لو كان لشعوب الخليج أنظمة سياسية متطوّرة تُشرك إرادة الشعوب ، مفعّلة لطاقاتها ، حافظة لثرواتها عن الفساد ، لاختارت الشعوب هنـا _ في ضمن مشروع ارتقاء شامل للشعوب يخلّصها من كلّ أمراض الأنظمة المستبدّة المتخلّفة _ أن يكون لديها إتحادٌ بجيشٍ يضاهي الجيش التركي بل يتفوّق عليه ، فلا تطمع بل لاتفكّـر إيران أن تتحرّش بهـا !
بلْ كانت سترفض أصلاً احتلال العراق ، كما رفض البرلمان التركي 2003 م عبور القوات الأمريكية من تركيا ! فترتاح من كلّ هذه التداعيات الكارثية التي تسبب بها وقوع العراق في براثن الغدر الإيراني !
ثـم سيحدث أبعـد من ذلك ، فسيكون الخليج القويّ المتحدّ الذي تتمثل فيه إرادة شعوبه ، عونا للشعب الإيراني لإطلاق ربيعِهِ ، ومأوىً لشرفاء إيـران للخلاص من نظامـه المجرم !
هذا .. ومهما ذكرنا من الأمثلة على البركات التي ستتنزّل لو صارت لشعوبنا إرادتها لتحقّق أحلامها ، فلن نحصيها ، ذلك أنّ هذه الأمة تحمل بين جنباتها ينابيع خير لاتنضب ،
كيف لا ؟! والله تعالى هو الذي زكّاها بوحيه المقدس قائلا : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) .
فما علينا سوى أن نرفع عنها كابوس الطغيان ، ونردّ الأمر إليها لتختار ، فستبهر العالـم حينئذ بأنـوار التألـّق الحضاري لاختياراتها العظيمـة ، وما سيتفجّـر من هذه الأمة المباركة الخالـدة ، من خيرٍ ، وبركات ، وإشعاع على الدنيـا بأسـرها.
والله حسبنا ، عليه توكّلنا ، وعليه فليتوكـّل المتوكـّلون .