عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 01-10-2011, 06:51 PM   #2
جهراوي
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,669
إفتراضي

كما قال في منتهى الإرادات : ( وإن أظهـر قـومٌ رأي الخوارج ، كتكفير مرتكب الكبيرة ، ولم يخرجوا عن قبضـة الإمام ، أي لـم يجتمعـوا للحرب ، لـم يتعرَّض لهم ) _ أي يُكتفى هنا بالحوار لردهم عن غيّهم _ ، وقال فـي العنايـة شـرح الهداية : ( ولا يَبدأُ بِقتال حتَّى يبدؤوه ) ، ومثل هذا مذهب المالكية ، والشافعية ، وهذا متفق عليه بين الفقهاء ، فلا نطيل فيـه.
فإذن الشريعة الإسلامية واضحة في أنهـا توجب على السلطة القائمة ، إحترام الحراك السلمي المعارض _ حتى لو كانوا بغـاة أو خوارج !! _ وتجـرِّم إستعمال سلاح السلطة ضـدَّه إبتـداءً !
وأحسب أنَّ علـَّة ذلك فـي نظر الفقهاء ، أنَّ السلطة _ في الفقه الإسلامي _ إن كانت غير قادرة حتـَّى على كسب الرأي العام الشعبي معها ، وقـد تفوَّق عليها غيـرُها ، فهي من الضعـف بحيث يصدق عليها الوصف : ( الفاقدة بحكـم الواقع لشرعيتها ) ! فأيُّ مصلحـة للمسلمين في بقائها !!
والثاني : أنه حتى البغاة في الشريعة الإسلامية الذين اجتمعوا لحرب ، لايحلُّ للسلطة أن تقاتلـهم حتى تزيل المظالم ، وتكشف الشُّبه ، بحيث لايبقى لهم عذر ، أمام سلطة تقوم بواجبهـا ، وتحقق مصالح المسلمين .
كما في شرح الزركشي : ( البغاة إذا خرجوا على الإمام فإنه يراسلهم ، ويسألهم ما ينقمون منه ؟ فإن ذكروا مظلمة أزالها ، وإن ادّعوا شبهة كشفها) ، ومثل هذا في المغني ، وغيره .
أمـّا أنْ تصـِرّ السلطة الطاغية ، على مظالمها ، وتبقى سادرة في غيِّها ، وتطلب فتوى من العلماء لتسبيح دماء المعارضة السلمية ، الذين لايصدق عليهم بحال وصف البـغاة ، فلا أدري _ والله _ أي تزوير للدين أبشـع من هـذا ، ولا أشـدُّ جرمـا وشناعـة !!
الوجـه الثالث : أنَّ السلطة الجائرة في الشريعة الإسلامية ، لاتعامـل معاملة السلطة الراشدة ، في حكـم تغييرها بالقوة ، ولهذا اختلف الفقهاء في إستعمال السلاح لإسقاط السلطة الجائـرة ، ( الحكم التفصيلي في نهاية المقال )
هذا .. ومعلوم أنَّ الثورة اليمنيِّة بل كلُّ الثورات العربية _ وهي أبعـد مـا تكون عن البغاة بلْـهَ الخوارج _ ( لـم تجتمع لحـرب ) ، وإنما هي ثورات سلمية ، تنشد التغيير ، والإصلاح ، والكرامة ، والحقوق ، والعدالة .
وأنـَّها يقوم عليها شبابٌ شرفـاء ، ورؤوسٌ نبـلاء ، يستعملون وسائل مباحة ، يكفلها النظام حقوقا لاتمُسُّ للمواطنيـن ،
كما تنصُّ القوانيـن على محاسبة النظام إذا منع الشعب من هذه الحقوق ، ومعاقبته.
وبهذا التوصيف الحـقِّ ، تكون الثورة اليمنية _ وكلُّ الثورات العربية _ هي التي عملت بالنظام ، وتقيـَّدت به .
والسلطة هـي التي خرجـت عنـه خروجا سافـراً ، وتعـدَّت حدودَه ، واستهانت بـه ، وخانت عهدها ، فتكون هي الباغيـة ، فتُنـزل عليها نصوص الفئة الباغيـة !
وبهـذا يتبيـَّن التزوير القبيح التي ارتكبه (عملاء طاغية اليمن ) عندما أنزلوا ما ورد من النصوص في شأن الخروج المسلَّح لطائفة تجتمع للحرب ضد سلطـة عادلة تحكم بالشريعة ! أنزلوها على شعبٍ كريم ، يستعمل وسائل سلميّة يكفلها له النظام ، ليرفع عنه قهر الظلم ، والطغيـان ، وحيث تكون السلطة هي التي خرجت عن النظام ، ونقضتـه !
وقـد حـرَّفوُا أحكـامَ دين الله تعالى ، مرتين : عندما أنزلـوا الزعيـم اليمنـي منزلة ( أمير المؤمنين ، وخليفة المسلمين ) ، ونظامه منزلة النظام الإسلامي ، وجعلوا كلام الفقهاء في هذا المنصب العظيم الشريف في الحضارة الإسلامية ، لهذا الطاغية المفسـد في الأرض !
وعندما تلاعبـوا بكلام الفقهاء حتـَّى في أحكام ( البغـاة على الإمام العدل) ، وأباحوا مالم يبحـْهُ أحـدٌ قبلهـم ، متحمّلين وزر الدماء التي ستسفكها سلطة طاغية ، مفسـدة ، أهلـكت البلاد ، والعبـاد .
والعجب العجاب أنهم يعلمون _ إن كانوا قد تعلَّموا الفقـه _ ما نص عليه الفقهاء من أنَّ عقد البيعة للإمام في النظام السياسي الإسلامي ، لايعطي السلطة شرعيّـةً بمجرد وجودها في الحكم ! بل يقيد تلك الشرعيـة بما يجـب أن تقوم به السلطة من مهـام جسيـمة إن فرَّطـت بها فقـدت شرعيـّتها _ وهذا بخلاف مجرد فسق الحاكم المشهور الخلاف فيه _ ولنذكـر هنا بعض ما نص عليها الفقهاء ، كما في منتهى الإرادات على سبيل المثـال :
( وصفة العقد أن يقول له كلُّ من أهل الحـلّ ، والعقد : قد بايعناك على إقامة العدل ، والإنصاف ، والقيام لفروض الأمة ، ولا يحتاج مع ذلك إلى صفقة اليد ، فإذا ثبتت إمامته لزمه حفظ الدين على أصوله ، التي أجمع عليها سلف الأمة ، فإن زاغ ذو شبهة عنه ، بيـَّن له الحجة ، وأخـذه بما يلزمه ، حراسةً للدين من الخلل ، وتنفيذ الأحكام بين المتشاجرين ، وقطع خصومتهم ، وحمايـةَ البيضة ، والذبِّ عن الحوزة ، ليتصرف الناس في معايشهم ، ويسيروا في الأسفار آمنين ، وإقامة الحدود ، لتُصان محارم الله تعالى ، وحقوق عباده ، وتحصين الثغور بالعدة المانعة ، وجهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة ، وجباية الفيء ، والصدقات على ما أوجبه الشرع ، وتقدير ما يستحق من بيت المال بلا سرف ، ولا تقصير ، ودفعه في وقته بلا تقديم ، ولا تأخير واستكفاء الأمناء ، وتقليد النصحاء فيما يفوضه إليهم ضبطا للأعمال ، وحفظا للأموال ، وأن يباشر بنفسه مشارفة الأمور ، ويتصفح الأحوال ، لينهض بسياسة الأمّة وحراسة الملـّة ) أ.هـ.
جهراوي غير متصل   الرد مع إقتباس