عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 17-08-2011, 04:39 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل السابع: مؤسسة السياسة الخارجية

غودفري هودسون*1


ص 233

(1)

يكتب الكاتب موضوعه وهو متأكدٌ لدرجة اليقين، من أن هناك مؤسسة للسياسة الخارجية، [والاسم كان قد ابتكره صحافي بريطاني يدعى هنري فيرلي، لوصف الشبكة غير الرسمية من الأشخاص الذين استخدموا النفوذ على المناصب العليا والأعمال في بريطانيا في الخمسينات من القرن العشرين] وهي تشمل نشاطات وزارة الخارجية والحرب والمخابرات، وهذه المؤسسة هي التي تحكمت بمصير الولايات المتحدة لحوالي ثلثي قرن، أي منذ بداية القرن العشرين وبالذات منذ عام 1902 ولغاية حرب فيتنام. وهذه المؤسسة تتكوّر حول أشخاص وعائلات ومدارس ومعاهد بعينها ودون غيرها.

يفتتح الكاتب حصته من الكتاب، بقصة حول محامٍ شاب سيكون هو محور التعيينات في دوائر الحربية والخارجية والمخابرات. وهو (هنري ستيمسون) والذي بقيت صوره معلقة في الدوائر السياسية المغلقة حتى عهد قريب.

وتقول القصة أن هذا المحامي قد ذهب مع زوجته لعشاء سنوي تقيمها جمعية صيادي طرائد للعائلات العليا. وبينما هو وصديقه يمتطيان ظهري جوادين، فإذا بصوت من الناحية الأخرى للنهر، يأمرهما(ممازحا) بعبور النهر وبأمر رئيس الولايات المتحدة ذاكرا اسم (ستيمسون بالذات)، تعرف على الصوت، ف فامتثلا للأمر بكل جدية، وقد كادا يغرقان من تلاطم المياه ومكابدة إدارة الحصانين العجوزين. ولما اقتربا من مصدر الصوت، فإذا بوزير الحرب (إليهو روت) يقف الى جانب الرئيس (روزفلت). [ نقصد هنا الرئيس ثيودور روزفلت وهو ابن عم الجد الخامس للرئيس فرانكلين روزفلت الذي ينحدر من نفس العائلة والذي حكم بين (1933ـ1945]

ضحك الجميع من تلك المغامرة، وعندما أخبرهم رئيس الجمهورية أن الطلب منهما عبور النهر كان مجرد مزحة، أجاب (ستيمسون) أنه على استعداد لفناء عمره فداء لرئيس الجمهورية.

كانت تلك الحادثة كفيلة لأن يحتل (ستيمسون) [كان وزيراً للحرب في الحرب العالمية الثانية] مكانة مرموقة ليس لدى رئيس الجمهورية فحسب، بل لكل من يمت له بصلة.


(2)

كان هناك خمسة أعمال رئيسية في تاريخ مؤسسة السياسة الخارجية، أولها تقديم شخصياتها ومؤسساتها وأهدافها في الحرب العالمية؛ وثانيها النقاش الكبير حول التورط الأمريكي في الحرب العالمية الثانية (وقد ساعدت حادثة بيرل هاربر عندما هاجمتها الطائرات اليابانية في تدخل الولايات المتحدة)؛ وثالثها: قيادة عملية شؤون الأمة إبان الحرب، وتطوير القنبلة النووية ثم الأمر باستخدامها في اليابان؛ ورابعتها: منع انتشار أيديولوجية العدو (أثناء الحرب الباردة)؛ والعمل الخامس: نشر القوات لمواجهة التمرد في دول العالم الثالث (فيتنام).

وقد ساعد في نشر توجهات المؤسسة الخارجية مجموعة من المعاهد المتخصصة وبعض الجامعات العريقة التي كانت إداراتها على صلة مع تلك المؤسسة. ومن بين المعاهد والمدارس (مدرسة ستيمسون) و(مدرسة فرانكلين روزفلت) وفي وقت لاحق مدرسة (جيمس بيكر: وزير الخارجية إبان حكم بوش الأب)، وجامعات هارفارد ويال وندرة من الجامعات.

ومن أكثر القضايا التي أثير فيها نقاشات كثيرة، هي الانعزال أو التدخل، فقد كان تيار الداعين للانعزال وعدم التدخل في الشؤون الخارجية هو المسيطر، حتى عام 1936 تقريباً، عندما دمج هتلر أراضي الراين وضمها الى ألمانيا، وعندما أخذت اليابان تتدخل بشؤون الصين كثيراً، وعندما تدخل الاتحاد السوفييتي بالحرب الأهلية الإسبانية. لقد كان مؤيدو الانعزال شريحة متنوعة من بينهم الرئيس (هربرت هوفر) وأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ الخ.

كان مؤيدو التدخل في الحرب العالمية الثانية يعتقدون أن ضمان انتصار بريطانيا على دول المحور هو أمر يصب في مصالح الولايات المتحدة. في حين كان مؤيدو عدم التدخل يرون أن تجنب الحرب هو أكثر أهمية من تجنيب بريطانيا الهزيمة.

اتخذ المجلس قراراً الى جانب سياسات التدخل، وبرز أسماء مثل (ألن. دبليو. دالاس) الشقيق الأصغر لوزير الخارجية (جون فوستر دالاس) والأول كان عميلا سريا في العاصمة السويسرية التي كانت مركز للتنصت لمعرفة ما يجري داخل ألمانيا.

لقد اتخذ المجلس قراراً في إسقاط القنبلتين على هيروشيما ونجازاكي وقد كان يعرف أنه بالقنبلتين وغيرهما كانت اليابان على وشك الهزيمة، لكن القرار اتخذ قبل أن يعلن الاتحاد السوفييتي حربه على اليابان*2. كان ستيمسون والذي كان وزيراً للحرب، على ثقة بأن اليابان ستعلن هزيمتها إذا سمحت لها الولايات المتحدة بإبقاء النظام الملكي الدستوري، ولكن الغاية كانت مختلفة في منع دخول السوفييت تلك المنطقة واقتصارها على النفوذ الأمريكي.

ومن إنجازات مؤسسة السياسة الخارجية، والتي زهت بانتصاراتها في الحرب العالمية الثانية، خطة مارشال (لحماية أوروبا من العدوان الستاليني)، ودمج وزارتي البحرية والحرب في وزارة الدفاع (1947) وإنشاء (وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في نفس السنة) وكذلك مجلس الأمن القومي.

(3)

لأسبابٍ تتعلق بالطبقة الأرستقراطية، وأخرى سنمر عليها، أخذ نفوذ مؤسسة السياسة الخارجية بالتلاشي. وقد يكون السبب الأول في ذلك هو أزمة خليج الخنازير (أزمة الصواريخ في كوبا).

وفي السنوات القليلة التالية، هزّت حركة الحقوق المدنية واغتيال (جون كندي) المعنويات الوطنية، وبانقضاء الستينيات من القرن العشرين، ظهرت تساؤلات كبيرة عن دور العائلة والأسرة وطبيعة الحكم، وأخذ اليمين الليبرالي يظهر، ليتجلى أثره في هزيمة فيتنام.

هل ستكون الولايات المتحدة شرطي العالم؟ ما هي الحدود الجغرافية للمسئولية الأمريكية؟ في أي ظروف يبرر استخدام القوة للدفاع عن المصالح الإستراتيجية؟

ويبدو أن قرار حرب فيتنام قد اتخذ في الأربعينيات من القرن العشرين، لدرء خطر الشيوعية، ولكن السوفييت خنقوه بدلاً من أن يضربوه بهراوة، فقد انتشر الجيش الأحمر بأوروبا الشرقية بقوة، ثم أخذ السوفييت بتشجيع حركات التحرر في أماكن مختلفة بالعالم.

بالمقابل، فإن ال (سي أي إي) قادت حملاتها تحت اسم (DDP) أي مديرية الخطط المُساعدة، وهو اسم تنكري للعمل السري الذي كان يعني (مواجهة التمرد) ـ مقاتلة الثوار داخل البلد ـ أو دعم انقلابات سياسية من خلال عمل حربي على نطاق ضيق تقريباً. مثل عملية الإطاحة بحكومة (مصدق) في إيران عام 1953، وإعادة الشاه الى عرشه. وإزاحة رئيس جواتيمالا وقمع ثورة الفلبين وتشيلي وغيرها.

وقد كان تورط الأمريكان في فيتنام قد أتى عن طريق دعم ال (سي أي إي) وتقديمها الأموال لتسعة آلاف رجل من قبيلة (ميو) أملاً في أنهم قد يتمكنون من هزم جيش شيوعي، وكان ذلك في لاووس ثم تم تطبيق ذلك في فيتنام.

لقد كانت هزيمة فيتنام سببا في اندثار مؤسسة السياسة الخارجية. في العام 1967 أنشأ (جيم روف) لجنة المواطنين للسلام والحرية في فيتنام، وعلى رأسها السناتور الأسبق (بول دوغلاس) وانضم إليها الرئيس الأسبق (إيزنهاور) وقد قال أحد أعضاء اللجنة (بول) (الحمقى الذين يرسلون الشبان بعيداً عن وطنهم ليقتلوا)*3

وعندما فاز نيكسون بالبيت الأبيض، سيطر هنري كيسنجر على السياسة الخارجية الأمريكية، واستبدل أنسجة مؤسسات العلاقات الخارجية بشكل كامل.*4



هوامش من تهميش المؤلف
*1ـ غودفري هودسون: صحافي بريطاني يعمل في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية في الولايات المتحدة الأمريكية. من كتبه (أمريكا في زمننا الحاضر 1976)؛ الكولونيل: حياة وحروب هنري ستيمسن (1867ـ1950) نشره عام 1990). أكثر مساواةً من الآخرين: أمريكا من نيكسون وحتى القرن الجديد نشره في 2004.
*2ـ Kai Bird, The Color of Truth: McGeorge Bundy and William Bundy, Brothers in Arms (New York: Simon & Schuster, 1998), 84-85
*3ـ Ibid.,598
*4ـ Walter Isaacson, Kissinger: A Biography (New York: Simon & Schuster, 1992), 83
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس