عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-07-2011, 09:05 AM   #129
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

9- التَّنازُعُ

التَّنازُعُ: أن يَتوجهَ عاملانِ مُتقدمانِ، أو أكثرُ، إلى معمول واحدٍ مُتأخرٍ أو أكثر، كقوله تعالى: {آتوني أُفرغْ عليه قِطراً}.


(آتوا: فعل أمر يتعدى الى مفعولين. ومفعوله الأول هو الياء، ضميرُ المتكلم. وهو يطلب (قطراً) ليكون مفعوله الثاني.و (أفرغ) : فعل مضارع متعد الى مفعول واحد. وهو يطلب (قطراً) ليكون ذلك المفعول. فأنت ترى أنّ (قطراً) قد تنازعه عاملانِ، كلاهما يطلبه ليكون مفعولاً به له، لأنّ التقدير: {آتوني قطراً أفرغه عليه}. وهذا هو معنى التنازع).


ولكَ أن تُعمِلَ في الاسم المذكور أيَّ العاملَينِ شئتَ. فإن أعملت الثاني فَلقُربهِ، وإن أعملت الأولَ فلسبَقهِ.

فإن أَعملتَ الأوَّلَ في الظاهرِ أَعملتَ الثانيَ في ضميرهِ، مرفوعاً كان أم غيرَهُ، نحو: (قامَ، وقعدا، أخواك. اجتهدَ، فأكرمتُهما، أخواك.وقفَ، فسلمتُ عليهما، أخواك. أكرمتُ، فَسُرّا، أخَويْكَ. أكرمتُ، فشكرَ لي، خالداً). ومن النُّحاة من أجاز حذفه، إن كان غيرَ ضميرِ رفعٍ، لأنهُ فضلةٌ، وعليه قول الشاعر:

بِعُكاظَ يُعْشي النَّاظِريـ

ـنَ، إذا هُمُ لَمَحُوا، شُعاعُهْ
[شُعاعه: فاعل (يُعشي) وقد حذف مفعول (لمحوا) ولم يأتِ به ضميراً. ولو أضمره لقال: (لمحوه). وذلك أن كلا من (يعشي ولمحوا) يطلب (شعاعه) ليعمل فيه. فالأول يطلبه لأنه فاعلٌ له. والآخر يطلبه لأنه مفعوله فأعملَ الأول، وأهمل الآخر؛ ولم يعمله في ضميره والمعنى: يُعشي شعاعه الناظرين، إذا لمحوه، أي يبهرهم، فلا يستطيعون إدامة النظر إليه]

وأن أعملتَ الثانيَ في الظاهر، أعملتَ الأولَ في ضميرهِ، إن كان مرفوعاً نحو: (قاما، وقعدَ أخواك. اجتهدا، فأكرمتُ أخوَيْك) وَقَفا، فسَلَّمتُ على أخويكَ". ومنه قولُ الشاعر:


جَفَوْني، ولم أَجفُ الأَخِلاَّءَ، إِنَّني

لِغَيْرِ جَميلٍ مِنْ خَلِيلَي مُهْمِلُ

وإن كان ضميرُهُ غير مرفوعٍ حذفتَهُ، نحو: (أكرمت، فَسُرَّ أخواك. أكرمتُ، فشكرَ لي خالدٌ. أكرمتُ، وأكرَمني سعيدٌ. مررتُ، ومَرَّ بي علىُّ). ولا يقال: (أكرمتهما، فَسُرَّ أخواكَ. أكرمتُهُ، فشكرَ لي خالد. أكرمتُهُ، وأكرمني سعيدٌ. مررتُ به، ومرَّ بي عليَّ). وأمّا قول الشاعر:


إذا كُنْتَ تُرْضِيهِ، وَيُرْضيكَ صاحبٌ

جِهاراً، فَكُنْ في الْغَيْبِ أَحفَظَ للعَهْدِ

وَأَلْغِ أَحاديثَ الْوُشاة، فَقَلَّما

يُحاوِلُ واشٍ غَيْرَ هِجْرانِ ذِي وُدِّ

بإظهار الضمير المنصوب في (تُرضيه)، فضرورةٌ لا يحسُنُ ارتكابها عند الجمهور. وكان حقُّهُ أن يقول: (إذا كنت تُرضي، ويُرضيكَ صاحبٌ). وأجازَ ذلك بعضُ مُحَقّقي النّحاة.

(وذهب الكسائيّ ومن تابعه الى أنه أذا أعملت الثاني في الظاهر، لم تُضمر الفاعلَ في الأول بل يكون فاعله محذوفاً لدلالة ما بعده عليه (لأنه يُجيز حذف الفاعل إذا دل عليه دليل). فإذا قلت: (أكرمني فسرّني زهيرُ)، فإن جعلت زهيراً فاعلاً لسرّ، كان فاعل (أكرمَ) (على رأى سيبويه والجمهور) ضميراً مستتراً يعود إليه. وعلى رأي الكسائي ومن وافقه يكون فاعل (أكرم) محذوفاً لدلالة ما بعده عليه. ويظهر اثر الخلاف في التثنية والجمع، فعلى رأي سيبويه يجب أن تقول: (إن أعملت الثاني): (أكرماني، فسرَّني صديقايَ. وأكرموني، فسرَّني أصدقائي). وتقول على مذهب الكسائي ومن تابعه: (أكرمني، فسرَّني صديقايَ. وأكرمني، فسرَّني أصدقائي). فيكون الاسم الظاهر فاعلاً للثاني. ويكون فاعل الأول محذوفاً. وما قاله الكسائي ليس ببعيدٌ، لان العرب تستغني في كلامها عما يُعلم لو حُذف، ولو كان عمدة. ولهذا شواهدُ من كلامهم. أما لو أعملت الأول في الاسم الظاهر، فيجب بالاتفاق الإضمار في الثاني، نحو: (أكرمني، فسرَّاني، صديقايَ، وأكرمني، فسرّوني، أصدقائي).

والذي دعا الكسائيّ الى ما ذهب إليه، انه لو لم يحذف الفاعل، لوجب أن يكون ضميراً عائداً على الاسم الظاهر المتأخر لفظاً ورتبة، وذلك قبيح. وقال سيبويه: ان عود الضمير على المتأخر أهون من حذف الفاعل، وهو عمدة، والحقّ أنَّ لكل وجهاً، وانّ الإضمار وتركه على حد سواء. وقد ورد في كلامهم ما يؤيج ما ذهب اليه الفريقان. فقول الشاعر: جفوني ولم اجف الأخلاء... شاهدٌ لسيبويه: وقول الآخر:


تعفق بالارطى لها وأرادها

رجالٌ، فبذَّت نبلَهم وكَليبٌ
[ تعفق بالأرطي: لاذ بها والتجأ إليها. والأرطي: نوع من الشجر. والضمير في لها يعود الى بقرة الوحش. و (نبلهم) : مفعوله. وليس هو الفاعل، كما قال من فسر البيت من أصحاب الشروح والحواشي النحوية. و (الكليب): الكلاب، جمع كلب. وهو معطوف على رجال. والمعنى أن رجالاً لاذوا بالأرطي مستترين بها، وأرادوا صيد هذه البقرة الوحشية هم وكلابهم فلم يفلحوا، لأنها غلبت كلابهم ونبالهم]

(شاهدٌ للكسائي: فهو لا يُضمر في واحد من الفعلين. ولو اضمر في الأول واعمل الثاني لقال: (تعفقوا بالارطى وأرادها رجال). ولو اضمر في الثاني واعمل الأول، لقال: (تعفق بالارطى ورادوها رجال)).


واعلم أنهُ لا يقعُ التنازعُ إلا بينَ فعلينِ مُتصرّفينِ، او اسمينِ يُشبهانِهما، أو فعلٍ متصرفٍ واسمٍ يُشبهُه. فالأول نحو: "جاءَني، وأكرمتُ خالداً"، والثاني كقول الشاعر:


عُهِدْتَ مُغِيثاً مُغنِياً مَنْ أَجَرْتَهُ

فَلَمْ أَتَّخِذْ إِلاَّ فِناءَكَ مَوْئِلا

والثالثُ كقوله تعالى: {هاؤُمُ اقرَأُوا كتابِيَهْ}. ولا يقعُ بينَ حرفين ولا بينَ حرفٍ وغيره، ولا بينَ جامدينِ، ولا بينَ جامدٍ وغيره.

وقد يُذكَرُ الثاني لمجرَّدِ التَّقويةِ والتأكيد، فلا عَمَلَ له، وإنَّما العمل للأوَّلِ. ولا يكونُ الكلامُ حينئذٍ من باب التنازع، كقول الشاعر:

فَهَيْهَاتَ، هَيْهَاتَ، الْعَقِيقُ وَمَنْ بهِ

وهَيْهَاتَ خِلٌّ بالْعَقيقِ نُواصِلُهْ

وقول الآخر:


فأَينَ إلى أَينَ النَّجَاةُ ببَغْلَتِي

أَتاكَ، أَتاكَ، اللاَّحِقُونَ، احْبِسِ احْبِسِ

(ولو كان من باب التنازع لقال: (أتوك أتاك اللاحقون)؛ بإعمال الثاني في الظاهر والإضمار في الأول، أو (أتاك أتوك اللاحقون) بالإضمار في الأول وإعمال الثاني في الظاهر).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس