الصفحة الثانية من المفتتح
ولكن ثمة قدر أكبر من المسؤولية يقع على عاتق الناقد العربي المعاصر ، الذي هو أقدر الناس على تحقيق نوع من المصاحلة بين القصيدة العربية الحديثة وقارئها ، وعلى إزالة الفجوة الفاصلة بينهما ،أو على الأقل على تضييقها وإقامة الجسور عليها لتعبر فوقها القصيدة إلى قارئها ، أو ليعبر هو فوقها إليها ، ولكن النقد العربي المعاصر بدل أن يمد يد العون إلى القارئ ويعمل على تضييق الفجوة بينه وبين القصيدة الحديثة ساعد على توسيع هذه الفجوة وتعميها ؛ فالكثير من الدراسات النقدية التي تدور حول شعرنا العربي الحديث إما أن تهوم في أجواء من الغموض والضباببية ليست أقل انغلاقًا من تلك الأجواء التي التي يهوم في آ فاقها الشعر الحديث ذاتها ومن ثم فهي لا تساعد أحدًا على الولوج إلى هذه العوامل وفض مغاليها ، وإما أن تعنى بكل ما هو غير شعري في الشعر العربي الحديث .
لذلك فالنقد العربي الحديث مدعو الآن أكثر من أي وقت مضى إلى أن يبذل جهدًا حقيقيًا في سبيل إزالة الفجوة بين القارئ والقصيدة العربية الحديثة وبينه وبين الأشكال الأدبية بشكل عام قبل أن تبلغ حدًا من الاتساع يتعذر معه إقامة أي جسر فوقها يصل القارئ العربي بالأشكال الأدبية الحديثة ، فتضحمل هذه الأشكال في عزلتها القاسية ، وهذا ما تلوح بوادره المخيفة بالفعل.