بحث: علاقة عليّ بن أبي طالب بعمر بن الخطاب
هذا البحث كتبه : د. علي الصلابي
01/07/1429 التاريخ
كانعليّ -رضي الله عنه- عضوًا بارزًا في مجلس شورى الدولة العمرية، بل كان هوالمستشار الأول، فقد كان عمر -رضي الله عنه- يعرف لعليّ فضله، وفقهه،وحكمته، وكان رأيه فيه حسنًا، فقد ثبت قوله فيه: أقضانا عليّ, وقال ابنالجوزي: كان أبو بكر وعمر يشاورانه، وكان عمر يقول: أعوذ بالله من معضلةليس لها أبو الحسن, وقال مسروق: كان الناس يأخذون عن ستة: عمر وعليّ وعبدالله وأبي موسى وزيد بن ثابت، وأبيّ بن كعب وقال: شاممت أصحاب محمد -صلىالله عليه وسلم- فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر: عمر، وعليّ، وعبد الله،وأبي الدرداء، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدتعلمهم انتهى إلى رجلين منهم: إلى علي، وعبد الله, وقال أيضًا: انتهى العلمإلى ثلاثة: عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق. فعالم المدينةعلي بن أبي طالب، وعالم الكوفة عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبوالدرداء، فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق، عالم المدينة ولميسألهما, فكان عليّ من هؤلاء المقربين، يشدّ من أزر أخيه، ولا يبخل عليهبرأيه، ويجتهد معه في إيجاد حلول للقضايا، التي لم يرد فيها نصّ، وفيتنظيم أمور الدولة الفتية، والشواهد على ذلك كثيرة، نذكر منها:
أولاً: في الأمور القضائية:
1- امرأة تعتريها نوبات من الجنون: عن أبي ظبيان الجنبي: أن عمر بن الخطاب أُتي بامرأة قد زنت، فأمر برجمها،فذهبوا بها ليرجموها، فلقيهم علي -رضي الله عنه- فقال: ما هذه؟ قالوا: زنتفأمر عمر برجمها، فانتزعها عليّ من أيديهم وردّهم، فرجعوا إلى عمر، فقال: ما ردّكم؟ قالوا: ردنا عليّ، قال: ما فعل هذا عليّ إلاّ لشيء قد علمه،فأرسل إلى عليّ، فجاء وهو شبه المغضب، فقال: مالك رَدَدْتَ هؤلاء؟ قال: أما سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "رُفع القلم عن ثلاثة: عنالنائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المُبتلى حتى يعقل؟" قال: بلى، قال عليّ: فإن هذه مبتلاة بني فلان، فلعله أتاها وهو بها، فقال عمر: لا أدري، فلم يرجمها, فقد كان عمر لا يعلم أنها مجنونة.
2- مضاعفة الحد لمن شرب الخمر: أخذ عمر برأي علي -رضي الله عنهما- في مضاعفة الحد لمن شرب الخمر، وذلكلانتشار شرب الخمر وخاصة في البلاد المفتوحة، وهي حديثة العهد بالإسلام،فأشار عليّ على عمر -رضي الله عنهما- بأن يجلد فيها ثمانين، كأخف الحدود،وعلّل ذلك بقوله: نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون،وقد ثبت عن عليّ -رضي الله عنه- أنه قال: ما كنت أقيم حدًا على أحد،فيموت، وأجد في نفسي، إلاّ صاحب الخمر، فإنه لو مات وَدَيْتُه، وذلك لأنرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يسنّه. وأوَّل البيهقي قوله: (لميسنّه) زيادة على الأربعين، أو لم يسنّه بالسياط وقد سنّه بالنعال وأطرافالثياب مقدار أربعين والله أعلم, وقد استنبط الفقهاء من أفعال الخلفاءالراشدين مقدار الحد في الخمر، على قول مالك والثوري وأبي حنيفة ومن تبعهمثمانون، لإجماع الصحابة، ومن قال إن الحد أربعون: أبو بكر، والشافعي، وقوللأحمد، وتُحمل الزيادة على ذلك من عمر-رضي الله عنه- على أنها تعزير يجوزفعله إذا رآه الإمام، وهذا هو القول الصحيح للشافعي, وهذا الرأي مال إليهابن تيمية أيضاً وقال:.. فأما مع قلة الشاربين وقرب أمر الشارب، فتكفيالأربعون.
3- لا سلطان لك على ما في بطنها: أُتي عمر -رضي الله عنه- بامرأة حامل فسألها عمر فاعترفت بالفجور، فأمربها عمر تُرجم، فلقيها عليّ فقال: ما بال هذه؟ فقالوا: أمر بها أميرالمؤمنين أن تُرجم، فردها علي فقال: أأمرت بها أن ترجم؟ قال: نعم، اعترفتعندي بالفجور! قال: هذا سلطانك عليها، فما سلطانك على ما في بطنها؟ قالعلي: فلعلك انتهرتها, أو أخفتها؟ قال: قد كان ذاك، قال: أو ما سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا حد على معترف بعد بلاء، أنه من قيدت أوحبست أو تهددت فلا إقرار له» فخلى عمر سبيلها، ثم قال: عجزت النساء أن تلدمثل علي بن أبي طالب، لولا علي لهلك عمر.
وقد علق ابن تيمية على هذهالقصة: إن هذه القصة إن كانت صحيحة، فلا تخلو من أن يكون عمر لم يعلم أنهاحامل، فأخبره عليّ بحملها، ولا ريب أن الأصل عدم العلم، والإمام إذا لميعلم أن المستحقة للقتل أو الرجم حامل، فعرّفه بعض الناس بحالها، كان هذامن جملة إخباره بأحوال الناس... إلى أن قال عن عمر، يعطي الحقوق، ويقيمالحدود، ويحكم بين الناس كلهم، وفي زمنه انتشر الإسلام، وظهر ظهورًا لميكن قبله مثله، وهو دائمًا يقضي، ويفتي ولولا كثرة علمه لم يطق ذلك، فإذاخفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها أو كان نسيها فذكرها فأي عيب فيذلك؟ وكان رده هذا في سياق رده على الروافض.