عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-03-2011, 11:32 AM   #3
جهراوي
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,669
إفتراضي

لايشترط أن تكون الوسائل مستعملة في زمن النبوة حتى تكون مشروعة

هذا .. ولايشترط ، عند جميع الفقهاء ، أن تكون هذه الوسائل مستعملة في زمن النبوَّة _ وإلاّ لما قيل الوسائل لها حكم المقاصد _ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وهذا باب واسع بسطناه في غير هذا الموضع وميّزنـا بين السنة ، والبدعة ، وبيّنـا أنَّ السنة هي ماقام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ، ورسوله ، فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو فُعل على زمانه ، أو لـم يفعله ، ولم يُفعـل على زمانه ، لعدم المقتضى حينئذ لفعله ، أولوجود المانع منه ) مجموع الفتاوى 21/381 .
كما لايمنـع مـن الإستفاده منها ، كونها من إختراع غير المسلمين _ وسنبيّن أنها كانت في التاريخ الإسلامي أصـلا _ كما أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في النفع الذي يفعله المسلم ، وغير المسـلم ، كالبناء ، والخياطة والنسيج ، والصناعة ، ونحو ذلك أنه يجوز أخذه من غيرالمسلم , ينظر الفتاوى 30/206 ،

وذكر أنه لهذا أجاز المسلمون استعمال القوس الفارسية بعد فتح فارس في عهد عمر رضي الله عنه ،
وقد استفادوا بعد الفتح بعض التنظيمات الإدارية مـن غير المسلمين ،
يُنظـر فيما تقدم التفسير الكبير لابن تيميه 7/547 ،548 ويُنظر أيضاً مجموع الفتاوى 31/85 .
ومعلوم أنّ الصناعات والتنظيمات الإدارية – على سبيل المثال – التي أنشأها غير المسلمين ، قد تصير وسائل لإنكار المنكـر ، والدعوة إلى الله تعالى ، والإصلاح ، ومن ذلك إصلاح النظام السياسي ، وفي هذا العصر السريع التطور ، قـد تداخلت الوسائل الإدارية ، والمادية التي تنظم شؤون الناس بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ ، ولا يكاد شيءٌ منها يختص بجنس من البشر حتى يقال أنه من عمل الكفار دون المسلمين !

ولهذا تجد المانعين لبعض وسائل تقييد السلطة ، ومحاسبتها ، كالمظاهرات السلمية ، محتجين بأنها تشبُّه بالكفار ! لابد أن يتناقضوا تناقضاً بيناً ، فهم يستعملون من الوسائل الحادثة ما لايُحصـى كثـرة ، ويجيزونه في وسائل الدعوة _ مثـلا _ فإذا جاءت وسائل الحسبة على السلطة التي هي أعظم نفعا ، وأوسع فائدة لأهل الإسلام حظروها ، وحاربوهـا أشـدّ الحـرب ؟!!

أمثـلة على دخول المظاهرات ، وسائر وسائل الإحتجاج السلمي في الوسائل المشروعـة لإصلاح السلطة ، وتقييدها ، وردعها عن الظلم .

وهذا كلُّه يدلّ على أنَّ المظاهرات وغيرها من وسائل الإحتجاج السلمي إذا صارت وسيلة لجلب المصالح ، ودرء المفاسد ، وعادت بالخير على المجتمع ، بتقييدها السلطة ، ثـمَّ حملِها على تحقيق العدالة ، وإصلاح الأحوال ، وإرجاع الحقوق ، ورفع الظلم ، فهي مشروعة ، وقـد تكون واجبـة .
وحتى لو كانت تمُنـع فيما مضى في زمن لاتحقـِّق مصالحها ، فلايجب استصحاب التحريم في كـلّ عصر ، كما قال القرافي في فروقه : ( ما هو مبني على العوائد ، مما لايحصى عدده ، متى تغيرت فيه العائدة ، تغير الحكم ، بإجماع المسلمين ، وحرمت الفتيـا بالأول ) الفروق للقرافي 1/44
ومعلوم أنَّ المظاهرات ، وسائـر وسائـل الإحتجاج السلمي ، قد أصبحت في هذا العصر ، وسيلة ناجحة في التغييـر ، والإصلاح ، وهي تستعمل _ تقريبا _ كلَّ يوم في العالم كلـِّه ، وهي في عامتها تحقق مصالح الشعوب ، وتردع السلطة عن جورها ، وتعقبـها منافع عظيمة ، وما يحدث منها بضد ذلك ، في غاية الندرة ، مما لايلتفت إليه عند بناء الأحكام على مقتضى الوقائع ، كما هو متقرر في قواعد الشريعة .
وبهذا يكفي في الإستدلال على مشروعتها ، الإباحة الأصلية ، إذْ من قواعـد الشريعة العامة عظيمة النفـع ، أنَّ الأصل في الأشياء الإباحة ، ولايحـرم منها شـيء إلاّ بدليـل.
كما يستدل أيضـاً بقاعدة الوسائل لها حكم المقاصد على ما ذكرنا قبل قليـل .
ومع ذلك ، ولأنَّ وسيلة الإحتشاد للتظاهـر ، مؤثـِّرة في التغيير الإصلاحي ، فقد استعملت في تاريخ أمّتنـا الإسلامية ، بالطبيعة التي أودعها الله في السنن الإجتماعية البشرية ، أنَّ الناس تجتمع فيما تشترك فيه ، وتستعمـل إجتماعها في تحقيـق أهدافهـا ، ولهذا أُسِّست النقابات ، والإتحادات ، والأحزاب ، ونحوها من التجمَّعات وجعل في يدها وسائـل تمكنها من نيل حقوقها بقوة الدسـتور ، في كلّ دول العالم المتحضّـر ، التي ترفض الإستبداد ، وتترفَّع عن الصيـغ المتخـلّفة للحكم !
ومن الأمثـلة على ما ذكرته من إستعمال وسائل الإحتجاج الجماعي في تاريخ أمـّتنا ، مـا في المنتظم للإمام ابن الجوزي رحمه الله قال _ بعدما ذكر إنتشار المفاسد في بغداد آنذاك _ : ( واجتمع الحنابلة في جامع القصر من الغـد ، فأقامـوا فيه مستغيثيـن ، وأدخلوا معهم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي وأصحابه _ أي فقهاء الشافعيـّة _ وطلبوا قلع المواخير ، وتتبع المفسدات ، ومن يبيع النبيذ ، وضرب دراهم المعاملة بها عوض القراضة ، فتقدم أميـر المؤمنين بذلك ، فهرب المفسدات ، وكبست الدور ، وارتفعت الأنبذة ، ووعد بقلع المواخير ، ومكاتبة عضد الدولة برفعها ، والتقدم بضرب دراهم يتعامل بها ، فلم يقتنع أقوام منهم بالوعد ، وأظهر أبو إسحاق الخروج من البلد فروسل برسالة سكتته ) المنتظـم 16/139
فهذه مظاهرة ، وإعتصام ، نظمهما علمـاء الحنابلة ، والشافعية معهـم ، لحمل السلطة على تتبّع الفساد ، فنجحت ، وآتت أكلَهـا ، ولم ينكرها أحـدٌ من العلماء ، إذ كيف ينكر فقيه وسيلـة إجتماعيـة لانص على تحريمها ، ومع ذلك تفضـي إلى مصلحة شرعية ؟!!
ومما ورد في تاريخنـا أيضـا من غير نكيـر من العلماء ، ما ذكره ابن الجوزي في المنتظم أيضـا قال : ( واجتمع في يوم الخميس رابع عشر المحرم خلق كثير من الحربية ، والنصرية ، وشارع دار الرقيق ، وباب البصرة ، والقلائين ، ونهر طابق ، بعد أن أغلقوا دكاكينهم ، وقصدوا دار الخلافة ، وبين أيديهم الدعاة ، والقراء ، وهم يلعنون أهل الكرخ _ أي منكرين لبدعة إظهار شتم الصحابة التي وقعت من أهل الكرخ _ واجتمعوا ، وازدحموا على باب الغربة ، وتكلّموا من غير تحفـُّظ في القول ، فراسلهم الخليفة ببعض الخدم ، أننا قد أنكرنا ما أنكرتم ، وتقدمنا بأن لا يقع معاودة ، فانصرفوا ) المنتظـم 16/94
فهؤلاء الدعـاة ، والقـرّاء ، تقدّموا المحتجّيـن المتظاهرين ضـد السماح ببدعة شتم الصحابة ، في مسيرة إلى دار الخلافة ، وتكلَّموا بغير تحفّظ في القول _ فلعلّهـم شتموا السلطة لتقصيرها في أداء واجبـها ! _ وكان مع هذه المسيـرة ، إضراب عن العمل ذلك اليوم ، بإغـلاق الدكاكين ، ولم ينكـر ذلك أحدٌ من العلماء ، إذ لايستنكـر مثل هـذه الوسائـل الإجتماعية السلميّة الفعّالة عاقل فضلا عن عالم !!
جهراوي غير متصل   الرد مع إقتباس