كل ما يُـطلب يُـنفَّـذ
كما سجلت swissinfo.ch حُـضورا مكثَّـفا لمصالح الأمن بالزيّ المدني، إما حاملين أوراقا وأقلاما أو كاميرات فيديو لتسجيل الحضور، دون أي تدخل عنيف، في سابقة لم تعرفها الجزائر من قبل، بل وقد زادت الحكومة الجزائرية، بأمْـر من الرئيس بوتفليقة، في تنفيذ قرارات لم يكن يحلم بها الجزائريون.
فقد وافقت وزارات حسّـاسة مثل الطاقة والبيئة على مشاريع استثمارية للقطاع الخاص، كانت ترفض توقيعها للمستثمرين الجزائريين لأسباب مجهولة، وعلمت swissinfo.ch أن مستثمرين جزائريين خَـواصّ من "أبناء الشعب"، سيبنون مصانع تُـنافس شركات عالمية، مثل سيمانس ورونو، لأنهم ما كانوا ينتظرون إلا الموافقة الإدارية، بما أن البنوك مستعدّة لتمويلهم بشكل مباشر.
ومع أن بعض هذه الإستثمارات كانت حبيسة أدراج المكاتب منذ ستة أعوام، إلا أنها قد رأت النور مؤخّـرا، بسبب أمر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي زاد على ذلك بالموافقة على كل مشاريع الشباب الإستثمارية من دون استثناء. وفي الأثناء سجّـلت مصالح المؤسسات التابعة للدولة والمهتمة بتشغيل الشباب هجوما بشريا غير مسبوق للفوْز بالقروض والمشاريع.
كما تمّ إلغاء قرارات رئاسية احتجّ عليها الطلاب منذ ثلاثة أعوام، كأن شيئا لم يكُـن، ومنحت قروض من دون فائدة للأطباء والمهندسين، وتم قبول كل المطالب، وصدر عفو على عشرات الآلاف من الشباب الهاربين من الخِـدمة العسكرية، بل ومنحوا بطاقات الإعفاء النهائي من الخدمة.
ويسود الآن شعور بأن ما يُـطلـب ينفَّـذ بأسرع وقت ممكن، وكأن الجزائر أصبحت "بلدا مختلِـفا في ظرف قصير جدا"، ويعلق المحلل الاقتصادي شريف رمضاني والخبير في بورصة لندن لـ swissinfo.ch: "الدولة الجزائرية خائفة من شعبها، إلا أن الشعب يخاف من بعضه بعضا، وهذا ما يساعد الحكومة على البقاء في مكانها، إلا أن هذا التوازن دقيق جدا، والحكومة تعلَـم ذلك جيِّـدا. فعليها، وبأسرع وقت ممكن، حل مشاكل المواطنين، حتى لا يغضبون ويطيحون بها، لكنها تعلم أن الشعب خائف من نفسه، لذا فإنها تستفيد من هذا الخوف".
الوضع هادئ لا يحتاج إلى تصعيد
وفي نفس السياق، تختلف الصحافة الجزائرية في كيفية نقْـل صورة الوضع في الجزائر. فغالبية اليوميات الناطقة باللغة الفرنسية تقول بأن الوضع متفجِّـر، في حين أن غالبية الصحف الناطقة باللغة العربية تُـشير إلى أن الوضع هادِئ، عِـلما أن نسبة قراءة الصحف الفرنسية بالنسبة إلى العربية، هي حسب الإحصاءات: 2 إلى 10، بمعنى أن غالبية الجزائريين ترى بأن الوضع هادِئ، وبأنه لا يحتاج إلى تصعيد.
لقد احتارت تنسيقية التغيير، التي يُـديرها المحامي مصطفى بوشاشي، في التعامل مع أبناء شعبها. فهو يرى الكثير منهم في فقْـر مدقَـع وفي قمع مستمر، إلا أنهم يرفضون الخروج معه إلى الشوارع، كما أن الصورة التي يبدو أنها قد أثَّـرت في منظِّـمي المظاهرات، وهم مثقفون في غالبيتهم، تتمثل في جهل سكان الأحياء الفقيرة بهم، فهُـم لا يعرفونهم ولا يثقون بهم.
لا شيء يُـثلِـج صدر نظام سياسي، كاختلاف خصومه عليه. ويضيف ناشطون حقوقيون رفضوا كشف أسمائهم أن "النظام الجزائري نظام أجهِـزة، فيه الرئاسة والمخابرات العسكرية والجيش والشرطة والدرك والجمارك، كل هؤلاء يشكِّـلون شيئا واحدا، على خِـلاف نظام بن علي أو مبارك. فكِـلا النظاميْـن السابقيْـن، كانا كالثمرة الفاسدة التي انفصلت عن شعبها وعن الجيش، فسهل رميها".
الجزائر .. وضع خاص
وفي السياق نفسه، يضيف حقوقيون جزائريون: "رأس النظام الجزائري، هو المخابرات العسكرية، التي يشعُـر بها الجزائريون، لكنهم لا يعرفون أفرادها. فنحن نتعامل مع شيء خفِـي، لكنه هو الذي يعيِّـن الرؤساء ويختارهم، بل ويدير البلد من وراء السِّـتار، ولم نلاحظ خلال كل المسيرات التي طالبت برحيل بوتفليقة، مطالِـب شعبية بإزالة المخابرات العسكرية التي يعرفها الجزائريون تحت اسم DRS".
ليس هناك ما يشير بشكل مباشر أن النظام سيتغيَّـر في الجزائر، لكن هناك إشارات قوية تؤكِّـد أنه خائف جدا وبأنه يتحرّك على الأرض، وِفق هذا الخوف. وقد علمت swissinfo.ch أن قيادات كبيرة وشابة في المؤسسة العسكرية تتحرّك في الوقت الحالي، للتفاوُض مع القيادات الأكبر منها سِـنا، حول أفضل السُّـبل للخروج من الحُـكم بهدوء ومن دون إراقة الدماء.
كما علمت swissinfo.ch، أن أفكارا ثورِية تتعلّـق بتسيير الإدارة وحرية الإعلام والإستثمار، قد تكون في طريقها إلى التجسيد خلال الأشهر القليلة المُـقبلة بإيحاء من نفس هذه القيادات، التي أضحت تتواصل مع القيادات الأكبر منها سِـنا باستعمال عبارة من قبيل: "لا مفر من إحداث كذا وكذا، لأن العودة إلى الوراء صعبة جدا وربما مستحيلة".
ويبدو أن ما يجري في الكواليس السرية والعميقة للدولة الجزائرية، قد وصلت بعض أصداؤه إلى الدول الغربية التي أصبح ناطِـقو مؤسساتها الرسمية يكرِّرون عبارة أن الجزائر تعرِف وضعا خاصا. ويبدو أن هذه الخصوصية قد تجنِّـب البلاد حمَّـام دم أو ربما لأن ثمَـن التغيير، قد دُفِـع في تسعينات القرن الماضي عندما قُـتل ما بين مائة وخمسين ومائتيْ ألف جزائري بالرّصاص أو في تفجير أو خنْـقا أو ذبحا، فنهاية كل واحد من هؤلاء الألوف، تعكِـس رغبة شعب في التغيير، دون عنْـف أو ربما يبدو الأمر كذلك حتى الآن...
المصدر: سويس انفو