عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 26-01-2011, 01:05 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(5)

ولقد أصاب ابن السماك لما قال له الرشيد: يا ابن السماك عظني، وبيده شربة من ماء، فقال: يا أمير المؤمنين أرأيت لو حبست عنك هذه الشربة أكنت تفديها بملكك? قال: نعم. قال: يا أمير المؤمنين أرأيت لو حبس عنك خروجها أكنت تفديها بملكك? قال: نعم. قال: فلا خير في ملك لا يساوي شربة ولا بولة!

(6)

وممن استبصر من أبناء الملوك، فرأى عيب الدنيا وفناءها وتقضيها وزوالها، إبراهيم بن أدهم بن منصور من أبناء ملوك خراسان من كورة بلخ، ولما زهد في الدنيا زهد عن ثمانين سريراً. قال إبراهيم بن بشار: سألت إبراهيم بن أدهم كيف كان بدء أمرك حتى صرت إلى هذا? قال: غير هذا أولى بك! قلت: يرحمك الله لعل الله ينفعني به يوماً ما. ثم سألته ثانية فقال: ويحك اشتغل بالله سبحانه! ثم سألته ثالثة فقلت: إن رأيت يرحمك الله أن تخبرني به لعل الله أن ينفعني به. فقال: كان أبي من ملوك خراسان وكان من المياسير وكان قد حبب إلي الصيد، فبينما أنا راكب فرساً ومعي كلبي، فأثرت أرنباً أو ثعلباً، فحركت فرسي فسمعت نداء من ورائي: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت ولا بهذا أمرت! فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحداً فقلت في نفسي: لعن الله الشيطان، ثم حركت فرسي فسمعت نداء أقوى من الأول: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت ولا بهذا أمرت! فوقفت مقشعراً وجعلت أنظر يمنة ويسرة فلم أر شيئاً فقلت: لعن الله إبليس! ثم حركت فرسي فسمعت نداء من قربوس سرجي: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت ولا بهذا أمرت! فوقفت وقلت: هيهات قد جاءني النذير من رب العالمين، والله لا عصيت ربي ما عصمني بعد يومي هذا!

فتوجهت إلى أهلي وخلفت فرسي، وجئت إلى بعض رعاة أبي فأخذت جبته وكساءه وألقيت إليه ثيابي، فلم تزل أرض تقلني وأرض تضعني، حتى صرت إلى العراق وعملت بها أياماً فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت المشايخ عن الحلال، فقال: عليك بالشام. قال: فانصرفت إلى الشام إلى مدينة يقال لها المنصورية وهي المصيصة، فعملت بها أياماً فلم يصف لي منها شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ فقال: إن أردت الحلال فعليك بطرطوس، فإن العمل بها والمباحات كثير.

قال: فبينما أنا قاعد على باب البحر إذ جاءني رجل فاكتراني أنظر له بستاناً، فتوجهت معه فمكثت في البستان أياماً كثيرة، فإذا بخادم قد أظلل ومعه أصحاب له، ولو علمت أن البستان لخادم ما نظرته، فقعد في مجلسه ثم قال: يا ناظورنا. فأجبته، قال: اذهب فأتنا بأكبر رمان تقدر عليه وأطيبه. فأتيته برمان فأخذ الخادم رمانة فكسرها فوجدها حامضة، فقال: يا ناظورنا أنت منذ كذا وكذا في بستاننا تأكل من فاكهتنا ورماننا لا تعرف الحلو من الحامض? قلت: والله ما أكلت من فاكهتكم شيئاً وما أعرف الحلو من الحامض! قال: فغمز الخادم أصحابه وقال: ألا تعجبون من هذا? ثم قال لي: لو كنت إبراهيم بن أدهم ما زاد على هذا! فلما كان من الغد حدث الناس في المسجد بالصفة، فجاء الناس عنقاً إلى البستان، فلما رأيت كثرة الناس اختبأت والناس داخلون وأنا هارب منهم.

وكان إبراهيم بن أدهم يأكل من عمل يده مثل الحصاد وحفظ البساتين والعمل في الطين. وكان يوماً يحفظ كرماً فمر به جندي فقال: أعطنا من هذا العنب. فقال: ما أمرني صاحبه. فأخذ يضربه بالسوط فطأطأ رأسه وقال: اضرب رأساً طالما عصى الله. فانحجز الرجل ومضى.

وقال سهل بن إبراهيم: صحبت إبراهيم بن أدهم فمرضت فأنفق علي نفقته، فاشتهيت شهوة فباع حماره وأنفق علي، فلما تماثلت قلت: يا إبراهيم أين الحمار? فقال: بعته. قلت: فعلام أركب? قال: يا أخي على عنقي! قال: فحملني ثلاث منازل رحمه الله. وأنشدوا:

أيها المرء إن دنياك بحر
طافحٌ موجهُ فلا تأمننها

وسبيل النجاة فيها منيرٌ
وهو أخذُ الكفافِ والقوت منها
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس