(3)
وقال أبو هريرة: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أريك الدنيا جمعاً بما فيها? قلت: بلى. قال، فأخذ بيدي وأتى بي إلى واد من أودية المدينة، فإذا مزبلة فيها رؤوس الناس وعذرات وخرق بالية وعظام البهائم، ثم قال: يا أبا هريرة هذه الرؤوس كانت تحرص حرصكم وتأمل آمالكم، ثم هي اليوم تساقط جلداً بلا عظم ثم هي صائرة رماداً رمدداً، وهذه العذرات ألوان أطعمتهم اكتسبوها من حيث اكتسبوها وقذفوها في بطونهم فأصبحت والناس يتحامونها، وهذه الخرق البالية رياشهم ولباسهم ثم أصبحت والرياح تصفقها، وهذه العظام عظام دوابهم التي كانوا ينتجعون عليها أطراف البلاد فمن كان باكياً على الدنيا فليبك! فما برحنا حتى أشتد بكاؤنا.
(4)
ولما دخل يزيد الرقاشي على عمر بن عبد العزيز قال: عظني يا يزيد! فقال: يا أمير المؤمنين، اعلم ما أنت أول خليفة يموت! فبكى عمر وقال: زدني يا يزيد. فقال: يا أمير المؤمنين ليس بينك وبين آدم إلا أب ميت! فبكى وقال: زدني يا يزيد. فقال: يا أمير المؤمنين ليس بينك وبين الموت موعد. فبكى وقال: زدني يا يزيد. فقال: يا أمير المؤمنين ليس بين الجنة والنار منزل! فسقط مغشياً عليه.
__________________
ابن حوران
|