حثت حركة "طالبان"، الولايات المتحدة التي تقود القوات الدولية بأفغانستان على أن تبادر إلى الانسحاب وأن تأخذ "العظة" من الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، الذي استمر لنحو عشر سنوات في حقبة الثمانينات دون أن تحقق الجمهورية السوفيتية أهدافها من ذلك الغزو، وبعد أن تكبدت خسائر كبيرة، وكان ذلك ممهدًا لانهيار الاتحاد السوفيتي.
واعتبرت "طالبان" في بيان بمناسبة الذكرى الـ31 للغزو السوفيتي أن هذا الأمر كان سببا للحروب التي استمرت لمدة 30 عاما في أفغانستان، وحثت الأمريكيين على أن "يفكروا بحكمة وبصيرة ويتعظوا من النهاية المفتضحة للاتحاد السوفيتي، ويخرجوا قواتهم من أفغانستان عاجلاً غير آجل".
وفي 27 ديسمبر 1979، دخلت القوات السوفيتية الأراضي الأفغانية بناء على طلب رسمي من الحزب الشيوعي الحاكم، وتدخلت عسكريا في تغيير هرم الحكم ودخلت في صراع دموي مسلح مع المقاومة الأفغانية الشعبية التي بدأت تزحف من القرى والأرياف نحو المدن.
واضطر السوفيت إلى الانسحاب من أفغانستان بعد تكبد خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات على مدار أكثر من تسع سنوات من الحرب التي دمرت الكثير في أفغانستان وقتلت أكثر من مليون شخص ودفع أكثر من 5 ملايين آخرين إلى الهجرة خارج البلد.
وفيما يلي نص البيان الذي أصدرته "طالبان" على موقع "إمارة أفغانستان الإسلامية"، والذي حاء تحت عنوان "بيان الإمارة الإسلامية حول الذكرى الـ 31 لهجوم الجيش الأحمر على أفغانستان":
"يوم السادس من شهر محرم الهجري و يوافق 27 من شهر ديسمبر (كانون الأول) هو يوم هجوم الاتحاد السوفياتي السابق على أفغانستان، فقبل ثلاث عقود في مثل هذا اليوم قام 700 جندي روسي يرتدون زي الجيش الأفغاني، بقتل رئيس الحزب الشيوعي الأفغاني/ حفيظ الله أمين في قصر تاج بيغ غرب مدينة كابل عاصمة البلاد، ومع قتله على الفور شرع الإتحاد السوفياتي إدخال 80,000 مقاتل جوا وبرا إلى أفغانستان، وبلغ عددهم في آخر الأمر إلى 150,000 جندي روسي .
ونتيجة هذا التجاوز الجائر والخارم للمروءة من قبل الإتحاد السوفياتي الجار الشمالي لأفغانستان، أقبل الشعب الأفغاني على الجهاد المسلح المبني على الذب عن الدين والدفاع عن العرض والوطن، ونتيجة هذا الهجوم السوفياتي الوحشي نشط المجاهدون أكثر في كفاحهم المسلح المبدوء من ذي قبل ضد الحكومة الشيوعية المحلية.
واصلت قوات الإتحاد السوفياتي منذ ديسمبر عام 1979م إلى شهر فبراير عام 1989م قرابة عشر سنوات، بذل طاقاتها، وجربت قدراتها في الحرب ضد الشعب الأفغاني المسلم والمحب للحرية؛ لكن مع مرور بضعة سنين، وتبديل الإستراتيجيات وتغيرها وزيادة القوات الغازية.. لم يلمح أي مكسب للعدو، بل على العكس فإن إطالة الغزو وتوسعة مساحة التورط العسكري تحول الوضع إلى شكل أزمة عميقة واسعة، عجز الاقتصاد السوفياتي عن احتوائها أكثر من ذلك، ولذلك اضطر رئيس الإتحاد السوفياتي الأخير غروباتشوف على الإعتراف بالحقائق في أوائل عام 1989م، واعتبر معركة أفغانستان جرحا نازفا، والسبب الرئيسي للأزمة السوفياتية، وعزم على وضع نقطة النهاية لاحتلال أفغانستان.
إن حرب الاتحاد السوفياتي في أفغانستان وهزيمتها، إن كانت قد تم تعبيرها من الناحية الحماسية معجزة القرن، وأثبتت أن الشعب الأفغاني مرة أخرى أنقذ العالم من غول عالمي آخر، ومن جهة آخرى اعتبر زعماء الإتحاد السوفياتي هذا التجاوز أكبر خطأ ارتكبوه في تاريخهم، حيث إنهارت من جرائها إمبراطورية الإتحاد السوفياتي العظيمة، وانتهى الحكم الشيوعي في قارة آسيا المركزية وأوروبا الشرقية، وتفكك حلف وارسو، وانهار جدار برلين، وبشكل عام زال الرعب الشيوعي المنتشر في انحاء العالم بأسره.
وبعد انهيار الإمبراطورية الشيوعية بعون الله ومن ثم بجهاد الشعب الأفغاني المسلم ، تهيأ الوضع للإمبراطورية الغربية، لإستعراض عضلاتها وتفرد جبروتها في العالم، فالجبروت الأمريكي بدلا من أن يتعظ من النهاية المفتضحة للإتحاد السوفياتي، على العكس أخذ في إحتلال الشعوب المستضعفة واضطهادها.
وهذه النشوة من الجبروت والإنفراد أخذت الأمريكيين بالإثم حتى فكروا مثل الإتحاد السوفياتي في الهجوم على الشعب الأفغاني المظلوم، وتلطيخ هذا الشعب في دمائه بأسلحتهم المتطورة مرة أخرى، واحتلال أرضهم ووطنهم.
وأخيرا شرع الأمريكيون في إشباع هوسهم المشؤوم، وكالاتحاد السوفياتي حسبوا هضم أفغانستان أمرا سهلا ويسيرا، وإن موظفي الإدارة العميلة في كابل أيضاً كانوا يقدمون المشورة للبيت الأبيض بشن الهجوم على أفغانستان، وخدعوا بذلك المسؤولين الأمريكيين واستخدموهم من أجل العثور على المناصب، والإقتدار لأنفسهم ، والآن أيضا يحاولون ابقاءهم بعيدا عن الحقائق الميدانية بأفغانستان، ويشيرون عليهم مزيداً من التعدي والظلم والإستبداد على الشعب، والإحتلال أيضا وفق عادته سحب الحرية من الشعب الأفغاني الباسل تحت شعارات الديموقراطية المخادعة، وملأ سجون قندهار وبجرام وعشرات سجون أخرى من المدنيين الأفغان الأبرياء، وخيموا جواً من الإرهاب في جميع أنحاء البلد نتيجة مداهمات ليلية لمنازل الأهالي وسلوك وحشيي، فهؤلاء أيضا كأسلافهم يظنون أن الظلم والبربرية سيسوقهم إلى الفوز والنصر وسيخضعون الشعب الأفغاني بالجبر والإكراه، لكن رغم مرور عشرة سنوات لم يتمكنوا من تسخير أفغانستان والسيطرة عليها، ولم يتمكنوا من القضاء على المقاومة الجهادية، وإن شاء الله ستكون أفغانستان خنجرا في خاصرة الغزاة المحتلين، وسيدفن هذا الإحتلال الجائر ها هنا أيضاً.
إن الإمارة الإسلامية بمناسبة الذكرى الـ31 للغزو السوفياتي، تندد بتلك الغزوات، وتعتبرها سببا للحروب التي استمرت لمدة 30 عاما في أفغانستان، وإغتناماً لهذه الفرصة تذكر المحتلين الأمريكيين كي يفكروا بحكمة وبصيرة ويتعظوا من النهاية المفتضحة للإتحاد السوفياتي، ويخرجوا قواتهم من أفغانستان عاجلاً غير آجل".