عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 26-11-2010, 10:12 AM   #209
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الأزمة الاقتصادية وانتهاء السوهارتية

شهدت منطقة جنوب آسيا نموًا اقتصاديًا كبيرًا، وظهرت مجموعة النمور الآسيوية التي استطاعت أن تحقق ازدهارًا اقتصاديًّا كبيرًا، وكانت إندونيسيا إحدى هذه النمور، وحققت نجاحًا كبيرًا جعلها تقترب من قائمة الدول الصناعية الكبرى، إلا أن هذه الدول الآسيوية شهدت أزمة اقتصادية حادة بدأت عام [1417هـ= 1996م] عندما تعرض الاقتصاد التايلاندي لهزة عنيفة وصدمات خارجية وداخلية كشفت عن ضعف هيكله المالي، وانتقلت الأزمة منه إلى بقية الدول الأسيوية ومنها إندونيسيا التي انخفضت عملتها "الروبية" بنسبة كبيرة زادت عن 30% فأدى ذلك إلى إصابة الاقتصاد الإندونيسي بمشاكل وأزمات كبيرة انتقلت إلى احتقانات في الشارع وغضب جماهيري، واختلطت مطالب الحريات بشدة الأزمة الاقتصادية.

وأرجع بعض السياسيين الإندونيسيين أسباب هذه الأزمة التي هزت البلاد إلى أسلوب التنمية الذي اتسم بالسرعة أكثر من اللازم لم يتح معه الوقت الكافي لوضع ضوابط تتحكم في النشاط الاقتصادي، وأرجع آخرون أسباب هذه الأزمة إلى إسراف القطاع الخاص بالاقتراض والتوسع في مشروعات بطيئة الدوران اقتصاديًا وكذلك المضاربات العقارية، كما أن معدلات النمو المرتفعة أدت إلى ارتفاع المديونية الخارجية، وتدفق معها الاستثمار الأجنبي الذي أخفى معه العيوب الهيكلية في الاقتصاد ومنها انعدام الشفافية وانتشار الفساد، وانخفاض الصادرات، وعجز الميزان التجاري.

وقد وجهت المؤسسات المالية عدة انتقادات إلى سوهارتو، وكانت إحدى نقاط الخلاف مع صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بضرورة الفصل بين المهام السياسية والأعمال الاقتصادية، كما أن سوهارتو كان يشارك أو يمتلك أكثر من ثمانين شركة عملاقة، ووجهت إليه اتهامات بالفساد، وقدرت ثروته بحوالي ثمانين مليار دولار.

يضاف إلى هذه الأزمة الاقتصادية الانتقادات التي وجهت إلى نظام حكم سوهارتو الذي اتسم بضعف النظام الحزبي، وسيطرة حزب الحكومة "جولكار" على الحكم، بينما الأحزاب الأخرى هامشية أو غير مسموح لها بممارسة نشاطها في ظل القوانين التعسفية، كل هذه الأمور عمقت الغضب الشعبي، ولم يفلح التعديل الوزاري الذي أجراه سوهارتو واختياره "يوسف حبيبي" نائبًا له في تخفيف حدة الغضب الشعبي أو وقف تدهور الروبية الإندوسية، وزادت موجة التدمير والإضراب الشعبي مع ارتفاع الأسعار بنسبة 20% وما تولد معها من أزمة في المواد الغذائية، وارتفاع حجم البطالة إلى 15.4 مليون عاطل (17% من حجم القوة العاملة) ومهاجمة الجماهير الغاضبة للممتلكات والواحدات الاقتصادية التي يمتلكها الصينيون (يشكلون 5% من حجم السكان) فأدى ذلك إلى مغادرة بعض هؤلاء لإندونيسيا، واقتربت البلاد من حافة الانهيار السياسي والإفلاس الاقتصادي، فقدم الأمريكيون نصيحتهم إلى سوهارتو بأن يتنازل عن الحكم، فاستجاب لهذا المطلب، وقدم استقالته في (المحرم 1419هـ= 21 مايو 1998) بعدما تعهد قائد الجيش الإندونيسي الجنرال دبرانتو بالالتزام بحمايته، وبذلك انتهت المرحلة السوهارتية المتمثلة في شخص سوهارتو، وإن امتدت في خليفته يوسف حبيبي الذي عمل على تخفيف القيود عن الأحزاب السياسية والصحافة، وارتفع شعار التغيير السياسي الحقيقي، وارتفع عدد الأحزاب التي خاضت الانتخابات النيابية بعد سوهارتو إلى 48 حزبًا، وشهدت الانتخابات إقبالا جماهيريًا كبيرًا باستثناء إقليمي تيمور الشرقية وآتشيه المطالبين بالاستقلال عن إندونيسيا.

الولايات المتحدة وإندونيسيا

كان سوهارتو يتجاهل الاحتجاجات والمظاهرات الطلابية ويستبعد إجراء أي تغيير سياسي قبل عام (1424هـ= 2003م) حتى احتل الطلاب البرلمان وطالبوا سوهارتو بالاستقالة، عندها طلبت منه وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك "مادلين أولبرايت" التنحي حفاظًا على تراثه القيادي، فاستجاب للضغط الشعبي والمطلب الأمريكي وقدم استقالته وبعدها بفترة زارت أولبريت إندونيسيا وتحدثت بصراحة عن قضية الوحدة في الدولة الإندونيسية وموقف واشنطن منها، وذكرت أن بلادها حريصة على تماسك الدولة واستمرار وحدتها لعدة أسباب منها أن الولايات المتحدة تريد أن تظل إندونيسيا قوة متماسكة لكي توازن الدور الصيني في آسيا، وذكرت أن موقع إندونيسيا إستراتيجي وحيوي للأمن القومي الأمريكي؛ لأنها تحكم وتحرس جانبي بوابة العبور إلى آسيا، وهو دور يهدده أي انفراط في عقد الدولة، وذكرت ـ أيضًا ـ أن من مصلحة واشنطن التمسك بوحدة إندونيسيا؛ لأن الولايات المتحدة ضخت استثمارات مالية ضخمة إليها تقدر بـ 300 مليار دولار، وهي غير مستعدة لإهدارها، وطالبت من النظام الجديد الامتثال لشرطين أساسيين لضمان دعم واشنطن: الأول يتمثل في حل مشكلة إقليم تيمور الشرقية والاعتراف بحق الشعب في تقرير مصيره، أما الثاني فيتمثل في منح أقاليم الدولة (26 إقليمًا) حكمًا ذاتيًّا وتخصيصها بحصة أكبر من عائدات ثرواتها.

وفعلا حصلت تيمور الشرقية على استقلالها بعد الاستفتاء على تقرير المصير، وتم إصدار قانون الحكم الذاتي الذي أعطى أقاليم الدولة صلاحيات واسعة، كما أعطاها حصة تتراوح بين 15% و 30% من مواردها الذاتية الخاصة بالنفط والغاز، و80% من عائدات الأسماك والغابات والمعادن، ولمَّا تم لواشنطن ما أرادت وفت بالتزاماتها ودعمت النظام الجديد برئاسة عبد الرحمن واحد.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس