بسم الله الرحمن الرحيم
بكل هدوء يمكن القول أن الانتقادات التي وجهها البعض لهؤلاء الحكام لم تأت من فراغ مطلقًا وإنما استدلوا عليها من خلال أحداث ومذكرات يعود بعض منها إلى المسؤلين أنفسهم ، ولهذا فبدلاً من اتهامهم بالمسمومية والسخف ،فعلى من يدافع عنهم أن يثبت بالبرهان والمواقف التاريخية والإحصاءات ما يعضد موقفه بدلاً من الكلام المرسل الذي يقع في خانة الدفاع عن الحكام .
والدفاع عنهم بهذه الاستماتة يوحي بأن ثمة عدم إدراك للواقع ومتطلباته ، فإذا كانت نصوص القوانين في كل من مصر ،ليبيا ، تونس تقضي بأن مدة الحكم لا تزيد عن 14 سنة تقريبًا مقسمة على فترتين ، فماذا يعني تجاوزهم جميعًا ربع القرن ؟ إما أنهم لا يجيدون الحساب ، وفي هذه الحالة لا يصح لمن لا يعرف الحساب أن يكون حاكم دولة .
أو أن لهم تقويمًا يختلف عن المتعارف عليه من أن السنة تقريبًا 365 يومًا . هذا موضوع لا يحتاج الفرد إلى الرد عليه لكن فقط بعض المواقف يمكن أن تدلك إلى أي مدى حكامنا مشغولون بمصالح شعوبهم وليس أنفسهم (عياذًا بالله):
* في عام 1998 ذهب بنفسه لاستقبال بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثالث ، وبعدها بيومين فقط أو ثلاثة أيام توفي الشيخ سيد سابق رحمه الله صاحب كتاب فقه السنة ، ولم يعلق على شيء مما حدث مع العلم بأنه (مبارك) كان قد أعطاه قلادة النيل (مشكورًا) سنة 1989 !!
* في عام 2001 زار الرئيس المصري مشكورًا اللاعب الناشيء محمد اليماني لاعب المنتخب المصري للشباب وقتها ليطمئن على سلامته بعد إصابته في حادث سيارة .
بينما في عام 2003 قُتِل جندي مصري على الحدود برصاص إسرائيلي ولم نسمع من سيادة الرئيس تعليقًا ولا تلميحًا إلى الحادث .
*في عام 2006 غرقت الباخرة بالمصريين في البحر الأحمر وكان عدد القتلى تجاوز 1400 قتيل ولم يقف وقفة حداد على أرواحهم (مع التسليم بتحريمه ،لكنه لم يفعل ذلك اجتنابًا للمحرم وهو لا يحكم أساسًا بشرع الله )، إنما بكل حماسة ذهب إلى استاد القاهرة ليشجع المنتخب المصري في مباراته النهائية أمام ساحل العاج (وليس ساحل الموت!).
وفي عام 2009 لما حدثت انهيارات مساكن الدويقة لم يذهب لزيارة أحد منهم ، بل لم يعلق على شيء مما جرى مطلقًا.
هذا يا عزيزي غيض من فيض ، للباقين دناءاتهم وخياناتهم وكفى بعدم تحكيمهم شريعة الله دليلاً على فجورهم ، وكفى بعدم سحبهم سفراءهم من دول الصهاينة دليلاً على تواطئهم مع الأعداء .
وإن حدثتك عن موجات الغلاء وأعداد السجناء ،والغرقى في البحار من المهاجرين ،وتضخم أموال الفاسدين ، وتعديل مناهج التعليم ،والتضييق على القنوات الإسلامية بحجة التنظيم ، فلن أنتهي .
هؤلاء حكام ستندم إسرائيل وأميريكا فيما بعد على أنهم لم يجردوهم من ثيابهم ،ولم يتخذوا منهم خدمًا لمسح حمَّاماتهم لأنهم لهم أكثر طواعية ، ومن شعوبهم أشد كراهية .
وأخيرًا-تذكيرًا بهديه صلى الله عليه وسلم-في حديث البخاري من حديث حذيفة رضي الله عنه قال:
"كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر ، مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : ( نعم ) . قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : ( نعم ، وفيه دخن ) . قلت : وما دخنه ؟ قال : ( قوم يهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر ) . قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها ) . قلت : يا رسول الله صفهم لنا ، قال : ( هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا ) . قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : ( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ) . قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : ( فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة ، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ) ".
فقل لي هداك الله بأي هدي يحكمون ؟ وإلى من في أمورهم يتنازعون ؟أهديك مسك الختام :
حدثنا
شيبان بن فروخ حدثنا أبو الأشهب عن الحسن قال عاد عبيد الله بن زياد معقل بن يسار المزني في مرضه الذي مات فيه قال معقل إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو علمت أن لي حياة ما حدثتك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" .
وأخيرًا وأولاً وقبل كل شيء قال تعالى :"ولا تكن للخائنين خصيمًا ،واستغفر الله إن الله كان غفورًا رحيمًا . ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانًا أثيمًا "
وأعوذ بالله أن يكون أحدنا مدافعًا عمّن ظاهر أمره وباطنه ينبض بالفساد والخيانة .