النصب بأن مُضمرة
قد اختصت (أن) من بين أخواتها بأنها تنصبُ ظاهرةً، مثل: {يُريد الله أن يُخففَ عنكم}، ومقدرةً، مثل: {يُريدُ اللهُ ليُبينَ لكم} أي لأن يبين لكم.
وإضمارها على ضربين: جائزٍ وواجب.
أـ إضمار (أن) جوازاً:
تقدَّر (أن) جوازاً بعد ستةِ أحرفٍ:
1ـ لام كي ( وتسمى لام التعليل أيضاً، وهي اللام الجارَّة، أي التي يكون ما بعدها علةً لما قبلها وسبباً له، فيكون ما قبلها مقصوداً لحصول ما بعدها، مثل: {وأنزلنا إليك الذكر لتبينَ للناس} أي لأجل أن تبين. فإنزال الذكر مقصود للتبيين.
وإنما يجوز إضمار (أن) بعدها إذا لم تقترن بلا النافية أو الزائدة.
فإن اقترنت بإحداهما، وجب إظهارها. فالنافية مثل: { لئلا يكونَ للناس على الله حجة} والزائدة مثل: { لئلا يعلم أهل الكتاب}.
2ـ لام العاقبة، وهي اللام الجارَّة التي يكون ما بعدها عاقبة لما قبلها ونتيجة له، لا علة في حصوله، وسبباً في الإقدام عليه، كما في لام كي. وتُسمى لام الصيرورة، ولام المآل، ولام النتيجة أيضاً، مثل: { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً}
3و4و5و6 ـ الواو والفاء وثم و أو العاطفات: إنما يُنصب الفعل بعدهن بأن مضمرة، إذا لزم عطفه على اسمٍ محض، أي جامد غير مشتق، وليس في تأويل الفعل، كالمصدر وغيره من الأسماء الجامدة، لأن الفعل لا يُعطف إلا على الفعل، أو على اسمٍ هو في معنى الفعل وتأويله، كأسماء الأفعال والصفات التي في الفعل فإن وقع الفعل في موضع اقتضى فيه عطفه على اسم محض قُدرت (أن) بينه وبين حرف العطف، وكان المصدر المؤول بها هو المعطوف على اسمٍ قبلها.
مثال الواو: (يأبى الشجاعُ الفرار ويسلمَ) أي وأن يسلم. والتأويل: يأبى الفرار والسلامة. ومثل: (لولا الله ويلطفَ بي لهلكت) أي وأن يلطُف بي. والتأويل: لولا الله ولطفه بي. وقول ميسون البدوية التي تزوجها معاوية
ولُبس عباءةٍ وتقرَّ عيني
أحبُّ إليَّ من لُبس الشفوف
ومثال الفاء: (تَعبُك، فتنالَ المجد، خير من راحتك فتحرمَ القصدَ)
ومثال ثم: (يرضى الجبانُ بالهوان ثم يسلمَ)
ومثال أو: (الموتُ أو يبلغَ الإنسان مأمله أفضلُ)، وقوله تعالى { ما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً، أو من وراء حجاب، أو يُرسلَ رسولا}.
ب ـ إضمار (أن) وجوباً:
تُقدر (أن) وجوباً بعد خمسة أحرف
1ـ لام الجحود، وسماها بعضهم لام النفي، وهي لام الجر التي تقع بعد ( ما كان) أو (لم يكن) الناقصتين، مثل قوله تعالى { ما كان الله ليظلمَهم} و قوله {لم يكن الله ليغفرَ لهم}.
2ـ فاء السببية، مثل قوله تعالى { كُلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحلَّ عليكم غضبي} أي أنه بسبب طغيانكم حل غضبه تعالى.
3ـ واو المعية، كقول الشاعر:
لا تنهَ عن خُلقٍ وتأتيَ مثلَهُ
عارٌ عليك، إذا فعلتَ عظيمُ
4ـ حتى: وهي حتى الجارَّة التي بمعنى (إلى) أو لام التعليل. فالأول مثل: (قالوا: لن نبرحَ عليه عاكفين حتى يَرجعَ إلينا موسى) أي الى أن يرجع. والثاني: (أطع الله حتى تفوزَ برضاه)، أي لتفوز برضاه.
5ـ أو. ولا تضمر بعدها (أن) إلا أن يصلح في موضعها (الى) أو (إلا) الاستثنائية، فالأول مثل قول الشاعر:
لأستسهلن الصعب أو أدركَ المُنى
فما انقادت الآمال إلا لصابرِ
أي الى أن أدرك المنى، والثاني كقول الآخر:
وكنت إذا غمزت قناة قومٍ
كسرت كعوبها أو تستقيما
أي الى أن تستقيم
شذوذ حذف أن
قد يرفع الفعل بعد حذف (أن) المضمرة، كقوله تعالى { ومن آياتهِ يُريكُم البرقَ خوفاً وطمعاً} وقوله { قل أفغير الله تأمروني أعبُدُ} والأصل: أن يريَكم وأن أعبدَ.
__________________
ابن حوران
|