عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-08-2010, 04:24 AM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

يستلهم الشاعر دائمًا من عناصر الطبيعة المحيطة به كل ما يوصله القارئ إلى الشعور الذي يحرص على إيصاله إليه.، وفي علاقة المحب بالمحبوبة تتخذ الطبيعة شكلاً خاصًا في هذه العلاقة ، فمكوناتها هي عناصر مؤدية إلى انسجام الشاعر معها أو انقلابه عليها. وفي ظل علاقة حب تتسم بالخصوصية بين المحب والمحبوبة تكون غيرة الشاعر من تدخل أطراف أخرى لإفساد هذا الحب ،لذا يكون إيقاع القصائد السائرة على هذا النمط متسمًا بحالة من التنوع بين الحب الصادق والدفاع المستميت عن المحبوبة والتي تكون محط أنظار الآخرين ، خاصة إذا كانت هذه المحبوبة في النهاية أنثى استثنائية ، من نوع لا يمكن الحياة بدونه وإلا اعتبرت الحياة جحيمًاوتشريدًا ، إنها الأرض ..الوطن ، ذلك المعنى الذي أراده الشاعر من القصيدة ولكن في وقت متأخر من ولادتها ليفتح أعيننا على مصارع الدهشة من هذا الانسياب الهادئ إلى المحبوبة التي لا يقبل بالمساس بها أبدًا

وتأتي البداية متوترة حاملة في طياتها عتابًا يكاد يكون صريحًا من خلال التكرار الذي ابتدأت به القصيدة (مرة أخرى ) والذي يضمر حدثًا ما لم يذكره رغبة في الاختصار أو تناسيًا مؤقتًا ، إلا أن هذه المرة الأخرى لم يحدث فيها شيء طبيعي وإنما حدث استثنائي وهو مراودة العيون الخائنات تلك التي تحاول سحب الشاعر من عالمه الإنساني والعاطفي الراقي والتي تحاول إغراءه بالحدائق الزائفة والبنفسج المخادع وغني عن الذكر أن تعبيرات البنفسج المخادع والحدائق الزائفة هي إسقاطات على واقع يفترضه الشاعر لتكون هذه الحدائق والبنفسج هي إغراءات مادية ،معنوية ..لكن يكون من الأفضل تركها سائبة دون تفصيلها وجعل العالم الشعري المتكون من هذه الصور يزيد ألم المعاناة من خلال الصور البهيجة المفخخة .وتبدو تيمة البلاد قد عُزِف عليها مبكرًا ليمسك القارئ بخيط القصيدة منها ولكنه –بتعمد من الشاعر – يظهر كأنه حدث عارض .وبعد حوالى خمسة أسطر يلتفت الشاعر إلى المحبوبة تلك التي اختار لها رمز المهرة وهو رمز معتاد عند العرب معبر عن الأصالة التي تميزها \تميزه عن الآخرين، وهو رمز كثيرًا ما تنبسط النفس إليه منجرفة إلى ما يصنعه من عوالم زاخرة بالحياة والعنفوان . وهذه المهرة\ الأنثى ظلت شغل الشاعر لكنه لم يستطع الالتفات إليها إلا بعد خمسة أسطر تقريبًا إذ أن حدثًا ما يمنعه من الحديث إليها وتبدو قريبة منه ظاهريًا لكن حرف النداء يا أفاد البعد ، لذلك فقد تكون قريبة إليه بالمسافة بعيدة عنه بالروح

ولعل استنهاضها على هذا النحو يأتي من شعوره بالنفور رغم تضحيته من أجلها ، إذ تبدو في المشهد مستمعة فحسب ، لا تقوى (وربما لا ترغب) على \في معاونته على مقاومة هذه المغريات التي تناوشه مما استدعى النداء معتمدًا من بعده الدلال والاستعطاف أداة لاستدراجها إلى بستان حبه . يأتي بعد سبعة أسطر خبر العبارة (وأنا يا مهرتي)لتشويق هذه المهرة وترويض نفورها الذي يستعصي على الجميع من أجل الإنصات إليه . غير أن هذا الإنصات لن يكون لحديث شوق وحب فقط ، وإنما العتاب مدسوس فيه من حيث لا تدري هذه المهرة ، ولكنها حتمًا ستلتفت إليه وربما تستعذبه

والملاحظ على هذه المهرة أن استدعاءها بهذه السمة جاء مرتين على مسافة متقاربة مما يوحي باستمرار النفور من جانبها بما يستدعي إعادة النداء بذات الأداة وبنفس السمة (المهرة)

وفي غمرة هذا العالم المزدهي بالألوان والتصويرات الفنية والمدخلات السمعية والبصرية المنبعثة من بين الكلمات يخرج علينا الشاعر بنزعة صوفية هادئة في هذه المباركة (تبارك سحرك اللهبي) مستدعيًا أجواء روحانية دافئة من خلال هذا الصدى الذي يشعر به القارئ من خلال التزاوج والتنوع في القوافي ذات النبرة الهادئة الرخيمة المكسورة الروي المتناسبة بطبيعة الحال مع حالة الانكسار والتي أتبعها الشاعر بعد ذلك بالإقسام بأنها واللظى قَدِرُه .

إن الشاعر قد يتلذذ بتعذيب نفسه من أجل محبوبته أو الفناء في المحبوب كما يرى الصوفيون ؛لذلك يتلذذ بما يشعل اللهيب في قلبه بل ويطلبه رغبة في التطهر "فلا تتورعي أن تشعلي النار قبسًا من أشواقي" ليكون قلبه هو ذلك الواحة النارية التي يوزع منها القبس لكي يُعاد اشتعاله مرة أخرى في حالة دائرية من التلظي بهذا الحب الجنوني

ويبدو أن الشاعر –لغاية ما في نفسه- قد أطفأ أو قُل خفف لهيب هذا القبس ليذهب بنا ويستدرجنا والمحبوبة قبلنا إلى هذه المنطقة التي أفلح في نصب الشِراك لها . لقد أفلح الشاعر بذكاء شديد في استدراج المُهرة والثناء عليها وإعطاء قرابين الشوق لها حتى تنتبه إليه ، فإذا بها تجده قد أوصلها إلى منطقة العتاب والمصارحة التي كان ينشدها

وإذا كانت المحبوبة \المهرة في هذا الجو الطبيعي الخلاب ،لأنه لا يتصور أن تكون المهرة في خارج هذا النطاق الزراعي البهيج فإنه يهدي إليها آخر القرابين قبل المصارحة إذ يناديها بعشب العمر ، ذلك العشب الذي من سماته الخضرة ،ولعل مقام العتاب جعله لا يصرح به ، ليبقي مساحة من الكبرياء يتحدث من خلفها ، ذلك العشب الذي من سماته النمو والمساعدة في التسميد –بما له من تأويل يناسب الحالة- يستخدمه الشاعر من أجل نداء المحبوبة التي تتنامى في ضميره كل يوم كتنامي هذا العشب ، ومن هنا يبدو أن التفاتة المُهرة إلى العُشب جعلته قادرًا على البوح لها بصراحة أو قُل بدرجة من المصارحة لم تكن متحققة في الأسطر الأُوَل
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس