عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 01-08-2010, 10:57 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

كيف يتعامل الجمهور مع خطاب المرشحين؟

إن كان للانتخابات في بلادنا بعض الميزات، فإنها تتمثل في دفع المواطن للتأمل في واقعه بكل جوانبه: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. ولا يقتصر هذا التأمل على فئة أو شريحة أو طبقة دون غيرها، بل تبدأ حالة التأمل كما هي في الطفح الجلدي، يبدأ في بقعة ثم ما يلبث وينتشر نتيجة حك الجلد واستفزازه.


يتساوى المواطنون في ردود أفعالهم الأولية، تجاه الانتخابات وسيرورتها، فدهماء الشعب مع أنصاف المثقفين مع المثقفين الكاملين بانتماءاتهم السياسية أو باعتقاداتهم السياسية، إن كانوا غير ذوي أهواءٍ سياسية، تكون في بداياتها سلبية واستنكارية. فتبدأ بالضجر المبكر والتساؤل: ماذا سيفعل لنا المرشحون إن فازوا؟ وماذا عمل من كان قبلهم؟ وهل عندنا ديمقراطية حقيقية تسمح بنفاذ الأداء البرلماني لنهاياته المعمول بها في العالم؟ وهل التقنيات القانونية والدستورية التي تحكم العملية الانتخابية هي من الشفافية والنزاهة بحيث يُتاح لذوي الكفاءات والقدرات على الوصول؟ الخ من تلك التساؤلات..

كما أن دعوات المقاطعة للانتخابات، وإن كان يصدر عنها في البداية رنيناً لحظياً، لا يلبث أن يخفت وتنتهي آثاره. فنسب المشاركة في بلدان العالم الثالث تزيد كثيراً عنها في الدول المتقدمة، وتتم الانتخابات ويتذكر القليل من الناس أن هناك من قام بمقاطعتها.

فُرص لتوكيد الذات

قد يُشَاهدُ أحد المواطنين باب مدير لدائرة اجتماعية، أو في رحاب إدارة جمعية خيرية، للحصول على (إعانة) تساعده على إطعام (كومة من اللحم) عنده في البيت. ولكن تلك الكومة من اللحم ستصبح مبعثاً للمفاخرة عندما يصبح عدد أصوات أفرادها يُحقق الفوز لمرشح أو يبعده عن الفوز. ولا ينسى هذا المواطن صاحب (كومة اللحم) أن ينتزع وعداً أو جهداً في توظيف أحد أبنائه كحارس في دائرة أو مؤذنٍ في مسجد، أو فراش في مدرسة، وأحياناً يعرض نفسه بصورة ليست كريمة كثيراً ليحصل على (كيس) من الرز أو حتى بعض النقود. أما بقية الدهماء، فإنهم يندفعون من أجل رفع اسم العشيرة عالياً.

لم يهتم ذلك الصنف من المواطنين بحصار غزة، أو حتى القضية الفلسطينية، ليس كُرهاً بهما، بل لتيقنه من عدم قدرة النظام العربي الرسمي القائم برمته في فعل ذلك. فيكتفي بطلبات تُذكِر بعض الناس فيه بتلك الفرصة القليلة الحدوث.

المثقفون وأصحاب الفكر وغيرهم من موظفي الدولة، يتعاملون مع ظاهرة الانتخابات وِفق أجندةٍ ومصالح لا يتم الإفصاح عنها بشكلٍ كافٍ وتتمثل بالآتي:

1ـ تعريف الجمهور بهم من خلال تبادل الأحاديث والأفكار، خصوصاً لأولئك الذين لا يُتاح لهم الالتقاء بالجمهور. ولعل ذلك يدفعه شعورٌ بإمكانية الترشح مستقبلاً!

2ـ حجز مقاعد قريبة من نائب (المستقبل)، عل ذلك يحسن من الموقع الوظيفي لأولئك المقربين، (محافظ، وكيل وزارة، مدير عام الخ).

3ـ يُدرك المثقفون والموظفون وغيرهم، أن العيون الأمنية تملأ أمكنة نشاط وساحات العملية الانتخابية، فتملأ الرغبة نفوس بعضهم في التملق للحكومة بذكر مناقبها، أو أنهم يريدون إرسال رسالة على أنهم وراء نشاطات اجتماعية كثيرة ويحظون بجماهيرية غير قليلة، عسى أن توضع أسماؤهم بين الأسماء التي تحتل مكانة في الوظائف العليا، والتي تعتمدها بعض الحكومات في إحداث التوازن الاجتماعي في قسمة الوظائف العليا.

4ـ يحذر الكثير من الجمهور، أن يعلن سلبيته تجاه العملية الانتخابية، أو حتى المرشحين، فتراه يزج نفسه دون قناعة تامة، حتى لا يصبح مثار تساؤل أقربائه ومعارفه، ومن يدري فلعله يحتاجهم مستقبلاً.

إمكانية المرشح أم الالتفاف الجماهيري؟

نريد وجهاً (نَجِّيحاً: أي لديه إمكانية النجاح) و (نريد نائب خدمات، لا نائب للتنظير)، هذه من العبارات التي يكررها الجميع في تسويق المرشحين. فنادراً ما يُسأل مرشحٌ عن إمكانياته الفكرية، أو مشاريعه البرلمانية، فالمراهنات تكون على من لهم القابلية للنجاح.

في إحدى الدورات الانتخابية للبرلمان، كانت نسبة الاقتراع في دائرة ما، حوالي 80%، وكانت الأوراق الصحيحة (حسب تقرير الهيئة المشرفة على الانتخابات) حوالي 37500 ورقة، حصل أول ثمانية مرشحين على حوالي 34900 صوتاً، فيما لم يحصل المرشحون الباقون (11 مرشح ) إلا على 2900 صوت، علماً أن من بين هؤلاء المخفقين من كان يحمل الدكتوراه وشهادات التخصص وغيره، وفي أقل تقييم ممكن أن يُقال بحقهم أنهم لا يقلون إمكانيات عن من فاز أو تفوق عليهم بالحصول على أصواتٍ أكثر.

أوعية عمل عام خالية من الحياة

لكي نضمن تحقيق أهدافٍ تلاءم اللعبة الديمقراطية، فإنه من المهم أن يكون الرصف العام للمواطنين (الناخبين) رصفاً يتلاءم مع تلك اللعبة. أي أن يتم مخاطبة الجمهور على ضوء المهنة أو الرأي السياسي. فالأولى أن يقوم المرشح بعقد اللقاءات مع نقابات العمال وجمعيات الفلاحين والنقابات المهنية، ويتم تداول أوضاع قوانين بعينها، ومدى خطورتها أو ضرورة تعديلها، فهذا النهج سيرفع من قدرة المواطن ضمن رصفه المهني للتعامل مع القوانين، وسيرفع أداء النواب كمشرعين (عند نجاحهم) بأنهم قد التقوا ميدانياً مع عينات تعلم ما تريد.

وهذا يقال أيضاً في اللقاء مع المنظمات الحزبية والفكرية والثقافية، فهذا سيرتقي بالمستوى الثقافي والسياسي للجمهور وللنخب على حدٍ سواء.

سيقول قائل: إن لدينا منظمات مجتمع مدني ونقابات وأندية رياضية وغيرها. صحيح أن لدينا مثل تلك الأوعية، لكن من يتواجد فيها كلها، هم من يوجدوا في كل واحدة منها، ونسبتهم أقل من واحد بالألف. ولن يستطيعوا منافسة الخيام وقاعات نشاط المرشحين التي تتصف بالحركة، وإن كانت حركتها عبثية لا تتعدى الترحيب المبالغ فيه وتقديم الحلوى وإطلاق الكلمات الكاذبة في التأييد والترحيب معاً..

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس