ومن عجائب ما يتكـرّر من مشاهد التاريخ ، أنّ الأسطول العثماني الذي إتجـه إلى الأندلس فتأخـّر بسبب كثرة الإشتباكـات مع أساطيل الدول الصليبية في البحر المتوسـط ، اضطـر أن يدخل في مواجهة أيضا مع الدولة الحفصيـّة في شمال إفريقيـا التي كانت في تحالف مع الأسبـان ضد إخوانهم مسلمي الأندلس !
وها نحـن نرى كيف أنّ النظام المصري يتحالف مع الصهاينة ضد غـزّة ، ويشـدّد الحصـار عليهـا ، بينما يهـبُّ الأتـراك لنجدة إخوانهم من أهـل غـزّة وفكّ الحصـار عنهـم !
هذا .. وفـي قافلة الحريـة المتجّهـة إلى غـزَّة سبـع عبــر أخـرى :
فأولـها : ليتأمـّل العاقـل هشاشة الكيان الصهيوني ، وعجـزه ، وسهولة هزيمته أمام العزائـم الصادقـة ، فهاهو يقف حائـراً أمام قافـلة الحريـة ، لاهـو قادر على دفعهـا ، ولا السماح بهـا ، ولكنها مع ذلك ستكسر الحصار رغم أنف الصهاينـة .
الثانية : أنّ هذا العجز الصهيوني يدل أنَّ سبب بقـاء كيانه ، هو الخيانـات الداخلية في صفوف الأمـة من منافقيـها فحسب ، وليس قوته الذاتية ، ولايرتاب أحـد أنه لو فتح معبـر رفح لوحده ، وسُمح لأمتنـا العظيـمة ، بأن تدعم صمود أهل غزة ، لكان في ذلك بدء العد التنازلي لنهاية الصهاينة .
الثالث : إنطلاق القافلة من الناشطين الحقوقيين ، وغيرهـم ، في ظـلّ صمت الدول الغربية ، يفضح السياسة الغربية المتواطئة مع الصهاينة في حصارهم الظالم لمليون ونصف إنسان ، يعانون أشـد المعانـاة ، ويسقط كل شعاراتهم التي ينافقون فيها عن حقوق الإنسان ، والحرية ، والديمقراطية ..إلخ
الرابع : يفضـح أيضا الأنظمـة العربيـّة المتخاذلة بل المتواطئة مع أعداء الأمة ضد شعوبـها .
الخامـس : كم في هذه الأمـّة الإسلاميـّة من خيـر عظيم ، وأنها لو خُلـِّي بينها وبين إطـلاق طاقتهـا ، لما وقف في وجهـها شيء حتى تتفوق قياديا على كـلّ العالم ، فتقوده إلى الخير ، والرحمـة ، والرشد .
السادس : صمود أهل غزة ، وصبـرهم ، وإصرارهم على التمسك بخيار المقاومة ، جاء بالفـرج ، وجلب إليهم تعاطف شرفاء العالم ، وسخر الله لهم بـه حتى غير المسلمين ،
بينما لو تخلـوا عن المقاومة ، ورضوا بما رضيت به فتح لنفسها من الذل والمهانة ، لكان حالهـم حال سلطة عباس المتصهينة الخائنة ، وهي أسوء حال إلى أقبـح مآل .
السـابـع : الواجب على كـلّ منابر النهضـة الإسلامية في البلاد العربية خاصـّة ، والإسلاميـّة عامّـة ، بما يدخـل تحت هذه المصطلح العـام من حركات الإصلاح ، ومؤسسات الدعوة ، والعمل الخيري ، و غيرها ، أن تلتـفت بقـوّة إلى الظاهـرة المثيرة للدهشـة المتفائلـة وهـي الرجـوع الكبيـر إلـى الإسلام في تركيـا ،
وأنْ تمـدّ إليها جسـور التواصل ، لتعـود تركيا إلى الدور الإستراتيجـي الذي ينتظـرها هنـا ، لتعيـد التوازن الذي فقـد بسبب إستفراد الغطرسة الأمريكية ، ثم تضعـف كـلّ من التأثيـر الصهيوغربي والصفوي ، ثـم تحـقّق _ مع سائـر الحـالة الإسلامية الجهادية والنهضـة الإصـلاحية الدعـوية على الرقعة الجغرافية من أندونيسيا إلى موريتانيا _ تحولاً إستراتيجيـاً لصالح حضـارة الإسـلام ، يحـول بين التحالف الصهيوغربي واستمراره في إنتهـاك حقوق أمّتـنا على شتـى الأصعـدة .
وإنه لواضح من الحكمة الإلهية ، المندرجة تحت قوله تعالى ( ووضع الميزان ) ، والمقتضية لسنة التدافع ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) ، أن جـاء هذا التحــول المـبارك في تركيـا في هذا الوقت بالذات ، ( والله غالـب على أمره ولكن أكثـر الناس لايعلـمـون ) .
والله الموفق وهو حسبنا عليه توكلـنا وعليه فلتوكـل المتوكـلون
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 30/05/2010