عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-05-2010, 01:55 PM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة هشام مصطفى الفنان مشاهدة مشاركة
لرسمى القديم ِأجرُّ خيوطا



ًفأى النساء ِتُرى قد رسمت ُ ؟


وعشقي لحرفٍ يفوق انتظاري
وشوقي لرسمِك ِحفرٌ ونحت ُ


زجاجة وعدي وكوبُ ارتوائي
اطلا عليَّ بماذا ارتطمتُ ؟!


ووجهُكِ فوق المرايا حطام
ٌفأي الوجوهِ تري قد كسرتُ ؟!


تراقب ُوجهي شظايا الحنينِ
ويسكبُ لوني شرودٌ وصمتُ


فماذا سيفعلُ لوني الوحيدُ
لثغركِ بعدي إذا ما انسكبتُ


لأنك ِلونٌ تحاشي الرتوشَ
فأثر هجرَكِ لحنٌ وبيت ُ


وحارب ظني اليكِ اشتياقٌ
فمرت غيومٌ وخانك وقتُ


وهاجر خلفكِ لوني ذ بيحا ً
ترانى أكون الذى قد ذبحتُ


فغنت على لون جرحى جروحٌ

بدأتكِ جرحاً فأين انتهيتُ؟!


بسم الله الرحمن الرحيم

إذا كان للشاعر حق التشكيل اللغوي للعمل وفقًا للأسلوب الذي يرتضيه لنفسه ، فإن فن الرسم وسائر فنون الصورة من نحت وتصوير وغيرها تطل بأرؤسها على ساحة الشعر لتعلن عن حضورها القوي في إطار الأدب الحديث قائلة ها أنا .
لم يعد الشاعر هو من يقوم بقص ونسخ ولا حتى ابتكار الصور وإلصاقها على ظهر القصيدة أو صدرها وإنما صار إنسانًا يهندس للفنون ويضع في فن الشعر من الفنون على الوجه الذي يرضيه صورًا تطابق الفكرة التي يريد الوصول إليها .
وإذا كان الرسم هو ذلك الفن الذي أرّخ للكثير من وجوه الحياة القديمة وأعطى القارئ معرفة بالعديد من وجوه الحياة هناك ، فإن الرسم عندما يقترن بالتعبير الشعري ويكون أداة لتوصيله
يعطي القارئ صورة أنيقة عن هذه الأخوّة الفنية التي تجمع سائر الفنون والتي تجعل الإحساس
هو ذلك المحبوب الذي تتسابق جميع الفنون في إعطائه القرابين آملين رضاه المراوغ الذي
يختفي في طيات النفس ولكنه يظهر غير ذلك طلبًا للمزيد ولمزيد .
ترى ما يقول هذا المحبوب حينما يرى هذه القصيدة ؟



لرسمى القديم ِأجرُّ خيوطًا
فأى النساء ِتُرى قد رسمت ُ ؟

نجد هنا البداية سهلة ومبتكرة في وقت واحد ، وتكون المرأة حاضرة في ذهن الشاعر في هذه اللحظة التي لا يرسم فيها إلا بقلبه تلك الفرشاة الجميلة المبدِعة التي تعودت أن تمتعنا بصورها الجميلة الراقية ، وإذ يكون القارئ في حضرة فن الرسم فإن المبدع يعود به إلى الماضي ليستعيد هذه الصورة آملاً في أن يجد لدى القارئ إجابة عن هذا الحاضر الذي لا يعرف معه المبدع هل كان محقًا في رسم هذه الصورة أم لا .
وعشقي لحرفٍ يفوق انتظاري
وشوقي لرسمِك ِحفرٌ ونحت ُ
وإذا كان الانتظار هو ذلك الدماء التي تجري في شرايين قصص الحب مؤجلة إتمامها
وسيرورتها على الوجه الذي يتمنونه ، فإن هذه الكثرة وطول الوقت على امتدادهما الدائم
والمستمر أقل من عشق المبدع للحرف ، وهنا يكون من الجميل أن يكون الانتظار هو الأداة
التي يقيم بها الشاعر الكثرة والقلة أو الطول والقصر ليكون لدينا رؤية مميزة في هذا العشق
الذي يشكو منه ، إذ يفوق الانتظار ! ، وإذ يكون الحب على هذه الشاكلة التي يمتد فيها الحرف
إلى أعلى السطح فإن هذا الشوق الذي يقبع في الجذور هو حفر ونحت ليكون الحب بهذه الطريقة
حبًا تشكيليًا كيف لا ومبدعنا العزيز كان يصرح في ديوانه (بين البحر وبيني) أن الرسم والشعر عملة واحدة؟

زجاجة وعدي وكوبُ ارتوائي
اطلا عليَّ بماذا ارتطمتُ ؟!

وإذا كان البيت السابق يحتوي على قدرة عالية على تجسيد عناصر البيئة وإيجاد بيئة تشبيهية
متكاملة للحب في شكل الزجاجة والكوب تلك الزجاجة التي هي القلب وتُملأ بالشوق الذي يرجو الارتواء منه فإن وجود الزجاج ها هنا كان مقحمًا -في رأيي الشخصي- نوعًا ما وتبدو الصورة فيها بعض الغياب والشحوب بسبب سيطرة عنصر الصورة على المشهد
ووجهُكِ فوق المرايا حطام ٌ
فأي الوجوهِ تري قد كسرتُ ؟!

ولعلك هنا تذكرنا بحكاية بجماليون والتي مفادها :
في الميتولوجيا الإغريقيةوالرومانية العتيقة، كان رجل يسمى بجماليون جد أدونيس وأبو ميثارمي. لكن حكاية الشاعر الروماني أوفيد أشهر، وهو يصف أن بجماليون (Pygmalion) كان نحّات عظيم يكره النساء، فصنع تمثال من العاج يمثل امرأة جميلة، ووقع في الحب. زينها باللباس الغالية واللؤلؤ، وأخيرا يوم عيد فينوس دعا إلهة الحب فينوس أن تحيي التمثال، فأحيته فلما عاد من العيد وقابلها. سمى التمثال الحي جالاتيا ونكحها، فولدت لهما بنت اسمها بافوس أسست مدينة بافوس في قبرص.

ففي هذا البيت يطل الشاعر وقد تقنع شخصية هذا الرسام ليصف لنا هذا الواقع الدامي والذي لا يبدو فيه قانعًا بالانتقا م ولا فرحًا به وإنما ما زال الحنين إلى براءة عهده الأول يتلاعب به ، ليكون تعبير شظايا الحنين معبرًا بعبقرية عن هذا اللهيب الذي يسمى الحنين إذ غدا مادة ملهة ، وبين الشظايا والحنين تنافر صوتي كبير واختلاف كذلك في الشيئية فالشظايا شيء مادي ملموس والحنين معنوي ملموس،ولكن مجيئهما مع بعضهما البعض في هذا الموقف أكسب القصيدة متانة وقوة خاصة وأن عناصر الصورة غير المكتملة تبدأ بالظهور ، وفلسفة الحنين على هذا النحو المحز ن المؤذي زاد العمل قوة ومتانة ،والتجسيم في جعل الحنين بل شظاياه إنسانًا يرى والصمت والشرود أشياء تسكب تقوم بفعل بشري زاد من تعميق إحساس الشاعر بالأشياء المحيطة به. ويعكس البيت حالة من القلق التي تنتاب الشاعر الذي ربما اعتاد رسم الصور المكتملة.
تراقب ُوجهي شظايا الحنينِ
ويسكبُ لوني شرودٌ وصمتُ

كذلك أشعر أن في هذا البيت تعقيد وغموض في التركيب ،فاللون هو التعبير عن القلب مثلاً ،فماذا تكون علاقته
بالثغر ؟وكيف في هذه الحالة يكون للقلب خاصية الانسكاب ؟أشعر أن المعنى لم يصل بشكل جيد
فماذا سيفعلُ لوني الوحيدُ
لثغركِ بعدي إذا ما انسكبتُ
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس