عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-02-2010, 10:36 AM   #122
جهراوي
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,669
إفتراضي

لا تخطئ العين المجردة رغبة الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية وكافة دول الجوار الأفغاني في دمج حركة طالبان الأفغانية في العملية السياسية, وإنهاء التدخل العسكري الذي تخطى عامه العاشر.
الولايات المتحدة, على اعتبار أن لها اليد العليا في أفغانستان, هناك عدة دوافع تدعوها لإعلان هذه الرغبة والدفع باتجاهها, فقد اعترف وزير الحرب الأمريكي روبرت جيتس خلال زياراته الأخيرة لدولة باكستان بأن حركة طالبان الأفغانية هي جزء من النسيج السياسي في أفغانستان, مضيفا أن السؤال هو ما إذا كانت حركة طالبان مستعدة للقيام بدور مشروع في النسيج السياسي لأفغانستان مثل المشاركة في الانتخابات.
أيضا ستانلي مكريستال قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان لوح بذات الأمر, حيث دعا مسلحي طالبان لقبول اتفاقية سلام وإنهاء الحرب, وأثار في حديث مع صحيفة فاينانشال تايمز احتمال أن تدير طالبان البلاد في المستقبل.
ولكن ماذا عن الدوافع التي تحرك الولايات المتحدة في هذا الاتجاه؟
هناك عدة دوافع, في مقدمتها فشل احتواء طالبان عسكريا, حيث أثبتت طالبان أنها قادرة على إدارة الحرب لسنوات طويلة, وعلى أكثر من جبهة بكفاءة عالية.
فهي قادرة على مواجهة قوات الاحتلال الأمريكي, والقوات الحكومية الأفغانية المتحالفة معها, ولا تتوقف إداراتها على الصمود في المواجهات فقط, بل في مقدورها أيضا شن هجمات نوعية, على غرار هجمات كابول التي وصلت بمقتضاها إلى القصر الرئاسي, وأخطر مؤسسات الحكم في البلد.
أي أن طالبان أثبتت لقوات الاحتلال أنها رقم صعب على المستوي العسكري, يصعب هضمه واحتوائه, حتى مع الاستراتيجية الجديدة التي تم أدت إلى زيادة ضخمة في عديد القوات الأمريكية العاملة.
كما أن الاستراتيجية التي حققت بها الولايات المتحدة بعض النجاحات في العراق, من خلال ما يسمى بتجربة الصحوات, التي واجهت بها القاعدة غير قابلة للتحقق في أفغانستان, نظرا لان عناصر القاعدة في العراق كان غالبهم من خارج الأطر القبلية العراقية, وكان من السهل حينذاك مواجهتها بقوات قبلية, وهو عكس الوضع في أفغانستان, فطالبان الباشتونية أفغانية حتى النخاع.
أضف إلى ذلك رخوية القوات الحكومية التي بنتها القوات الأمريكية, فهي تحتاج لأكثر من 20 عاما, وفق تقديرات كرزاي نفسه, لكي تتمكن من الاعتماد على نفسها في مواجهة عناصر طالبان, ولاشك أن الولايات المتحدة لا تحتمل البقاء في هذه البلاد طوال هذا الوقت.
وإذا كانت هذه بعض الدواعي المرتبطة بالإطار العسكري, فثمة دواعي أخرى سياسية, لعل في مقدمتها فشل حكومة كرزاي في السيطرة على الأوضاع المدنية, وإصابة البلد بما يشبه الشلل السياسي, نتيجة الفساد والضعف المسيطر على هذه الحكومة.
أضف إلى الدواعي السياسية أن طالبان هي فعليا من يحكم أفغانستان, حيث أكد مسئول رفيع في الاستخبارات العسكرية للحلف الأطلسي (ناتو) في كابول أن طالبان تملك حكومات خفية في 33 من أصل 34 ولاية في البلاد, مضيفا أن زعيم الحركة الملا عمر لديه حكومة جاهزة لتولي السلطة بكامل وزرائها، يوم سقوط حكومة الرئيس حامد كرزاي.
وهل هذا يعنى أن الولايات المتحدة مستعدة للتضحية بمجهوداتها السابقة في أفغانستان والتخلي عن أهدافها في مقابل ذلك؟
الولايات المتحدة, برأينا, ليست على استعداد لتقديم كابول لقادة طالبان على طبق من ذهب, فهي قد وضعت عدة اشتراطات كي تحافظ على دور مستقبلي لها في أفغانستان, وعدم عودتها لتكون مركزا لانطلاق عمليات ضدها من قبل تنظيم القاعدة, ولذلك نجد أبرز اشتراطاتها لقبول طالبان سياسيا قطع علاقتها بتنظيم القاعدة, والتنظيمات المسلحة الأخرى, وأن يكون وجودها في نظام سياسي, على قاعدة المشاركة مع الحكومة الأفغانية وباقي القوى السياسية, وليس التفرد بالحكم, وأن يكون للولايات المتحدة حق التدخل في تشكيل الحكومة وتسمية الشخصيات التي تتولى المناصب المدنية الكبرى.
والمتوقع أن ترفض طالبان, من جانبها, مثل هذه الاشتراطات, بل نراها ذهبت تضع شروطها في مقابلة الشروط الأمريكية, وكان أبرزها انسحاب كافة القوات الأجنبية من أفغانستان, وفي مقدمتها القوات الأمريكية, وأن علاقة الحركة بغيرها من الجماعات والحركات المسلحة شأن خاص بالحركة ذاتها, وليس لأحد التدخل فيها.
كما اشترطت عدم تدخل المجتمع الدولي في الشؤون الداخلية لأفغانستان بعد انسحاب قوات الاحتلال, وأنه لا مجال لعودة العمل السياسي وفق المفاهيم الديموقراطية الغربية, بل وفق مقتضيات الشريعة الإسلامية.
وبالجملة سيكون من الصعب إقناع زعماء طالبان بالتصالح مع الحكومة في الوقت الذي يعتقدون فيه أنهم يكسبون الحرب مع ارتفاع عدد القتلى من الجنود الأجانب بشكل قياسي العام الماضي.
جهراوي غير متصل   الرد مع إقتباس