عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-12-2009, 06:27 PM   #53
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

" قوموا وشمروا للعمل هاهي منحة عيد الأضحى التي كنتم تنتظرونها قد جائت"
صار التنكيل بأبناء هذا الوطن الذي يزعمون حبه منحة يسيل لها اللعاب ( أمريكا في الدمة) هم آخر من يحب هذا الوطن وأول من يفر عنه إن أصابه مكروه لا قدر الله. كرهوه وجعلوا الأمة بأسرها تكرهه بسببهم , حتى أضحى الفرار منه أمنية الصغير قبل الكبير.


لن أنسى أبدا يوم ولجت غرفة دردشة صوتية على الأنترنت أثارني الموضوعالمطروح للنقاش,_ الهجرة وحب الوطن_ لم تخل كلمة متدخل من حنق على هذا البلد ومسؤوليه ورغبة جامحة في الرحيل عنه مهما كلف ذلك من ثمن حتى قال أحدهم:


" أفضل أن تفترسني أسماك القرش في مضيق جبل طارق على أنياب الذئاب والتماسيح التي تجتم علينا وتتربص بنا في هذه البلاد." حين حل دوري بعد طول انتظار وتناولت الكلمة مذكرا بواجب حب الوطن والتضحية من أجله بالغالي والنفيس تعالت عبارات التهكم والسخرية والإستهزاء مني كنت نشازا ,سط هذا الخضم من الحانقين . استجاب مشرف الغرفة لطلب الرواد فأقصاني قبل أن أتم وناول الكلمة من يليني . وجه لي الأخير كلمات مباشرة قائلا بتهكم :


" اسمعيا أستاذ التربية على المواطنة الذي تكلم قبل قليل, أخبرك أنني بعد أيام سأرحل عن هذه البلاد عند عشيقي الألماني الذي أقمت معه عرسا مجنونا بمدينة مراكش الحمراء. هذا الوطن الذي يبدو أنك تذوب حبا فيه سأتركه لك ولأمثالك من أصحاب البطون والأرصدة البنكية المنتفخة!!! وعندي لك نصيحة خذ ورقة وسجل هذه الوصفة الناجعة والمجربة التي تذهب عنك الحمى والهذيان.


أذب هذا الوطن مع قطعة سكر صغيرة في كأس ماء واشربها على الريق قبل الفطور...ههههههه....أتمنى لك شفاء عاجلا ههههه!!


بقيت مشدوها أمام شاشة الحاسوب أقرأ تهاني الحضور للمتكلم على زيجته الغريبة بصاحبه الألماني ودعواتهم له بالتوفيق والسعادة والرفاه والبنين!!! كيف سينجبون هذا البنين ؟؟؟ الله أعلم. طالب آخرون بمدهم بعناوين مواقع قد تساعدهم على إتمام هكذا زيجات للهروب من الجحيم كما وصفه بعضهم بل جلهم.
ليومي هذا ورغم مرور سنوات على الحادثة فلا زلت لم أستسغ أو أهضم وصفة العريس أو العروس. لم أشأ أن أسأله أهو فاعل أم مفعول به تبا له!! كلما ذكرت كلماته تلك ضحكت ,كيف أذيب الوطن في كوب ماء مع قطعة سكر؟؟ لا أدري , لكن يبدو أنني أنا من شرع في الذوبان, مذ ولجت السرداب ليومي هذا يزداد جسمي ضمورا يوما بعد يوم. تنخرني العلل. لم أطد أصدق أنني برأت من إحداهن حتى تظهر من هي أشد وأفتك منها. صدق من قال" الحبس والبرودة يشيبو القرودة" كرهت المرآة بدورها لم أعد أطق مواجهتها.


بعد انتهائهم من درس المواطنة الغبي خاطبني أحدهم :


" أنت شاب, والشباب أولاد اليوم يفهمون بعضهم البعض. لهذا سنتركك لوحدك مع( الحاج هشام) رأسا لرأس. هو في مثل سنك تقريبا.يكبرك بسنوات فقط فتعاون معه ولا تنس مصلحة الوطن. فكن رجلا نحن في حاجة لك وأنت كذلك في حاجة لنا.


تظاهروا بالقيام والإنصراف فعاد أحدهم لفتح الباب وتذكيري بصوت مسموع :


" لا تنس العهد الذي عاهدتنا لقد شبكنا الأصابع!!! المؤمنون عند عهودهم.


يبدو من نبرات صوته أنه في بداية أو منتصف الثلاثينيات من عمره. زعم أن اسمه هشام ويعرفني حقيقة المعرفة منذ أيام الجامعة.


ثم استرسل دون مقدمات يذكر لي مساره منذ صباه إلى حين وصوله الجامعة وانخراطه في صفوف ( مناضلي) اليسار الشيوعي الذي سيطر لمدة طويلةعلى منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وأنه بدوره كان (مناضلا) لا يشق له غبار لينتهي به المسار النضالي وقطعة الخبز إلى حيث هو الآن !!! مرت أمام عيني حينها عشرات الصور لكثيرين أمثاله ممن كانوا يتظاهرون ويجمعون الطلبة في حلقات نقاش لا تنتهي ويقاطعون الإمتحانات ويرغمون الطلبة على ذلك لأتفه الأسباب ويرفعون شعارات كبيرة عظيمة _ جماهير ثوري ,ثوري على النظام الدكتاتوري_ وحين يحمى الوطيس ويدخل أصحاب القبعات الحديدية والهراوات الغليظة إلى ساحات الجامعة يطاردون الناس حتى داخل الأقسام والمطعم كان رفاقنا هؤلاء أول من يفر ويولي الدبر بدعوى القاعدة الشيوعية التبريرية الجبانة: القائد آخر من يموت .انتهى المطاف بالكثير ممن أعرفهم من (أعداء النظام الدكتاتوري الورقيون هؤلاء) إلى أحبابه وطابوره الأول محققون, ممثلوا نيابة عامة, براحون , صحفيون مأجورون, ضباط , عمداء شرطة...


مرت صورهم أمامي بسرعة خاطفة بهيآتهم الجديدة ربطات العنق الأنيقة وساعات وسلاسل ذهبية تزين المعاصم وسيارات آخر صيحة وأسنان صفراء سوداء وهم من كانوا يتناوبون على السيجارة الرديئة الثلاثة والأربعة . زمان غريب !!!!


ضايقه صمتي وعدم تجاوبي مع ضراطه ذاك.فغير نبرة صوته شيئا ما. "أعرف أنك تكفرني وتكفر أمثالي. لكن أنت حر. وهذا أكبر دليل على أنك في بلاد الحرية. فنحن لا نناقش الأفكار. فبلادنا قد خطت خطوات كبيرة إلى الأمام ولم يعد الناس يحاسبون على ما يفكرون فيه ويعتقدونه. حتى دستورنا يبيح الاختيار والإعقاد...."


قاطعت سمفونيته متسائلا:" إذا كن الأمر كما تقول فلماذا أنا هنا أعذب وأهان ما الذي ارتكبته حتى جيء بي إلى هذا المكان.


ضحك في خبث وربما فرحا بخروجي من دوامة صمتي القاتل. ثم طمأنني بأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد إجراءات روتينيه لا بد منها لحماية أمن البلد وشبابه من الأفكار الدخيلة وحماية المواطنين وممتلكاتهم وأنني بعد أيام سأعود لأسرتي كما عدت من قبل.


بشرط_ لم ينس الشرط طبعا _ أن أتعاون معهم لأن الضروف الدولية والإقليمية والضغوط الأجنبية ...و...و... وعشرات الكلمات والمبررات التي تشدق بها محاولا الظهور كعارف بالخبايا والخفايا السياسية.....


كان يقفز من موضوع لآخر. لا يتم الحديث عن نفسه حتى ينتقل لأمريكا والأوضاع الدولية ثم ينط إلى كرة القدم والفرق بين البطولة الاحترافية في أوربا ومشاكل الأندية الوطنية...


إحدى أساليبهم وطرقهم الممجوجة لخلق جو من الألفة والإطمئنان والعطف لدى الضحية تجاه الجلاد!!!
كنت غير مبال بكلماته وتصنعه المعرفة. أحس عقلي يشتغل بسرعة وطاقة ذاكرة حاسوب ضغطت فيه المعطيات ويكاد أن يتعطل بعد أن تشتبك خيوطه ثم ينفجر. تفكيري فقط فيما يمكن أن يفجئني به الخبيث, بعد هذه المقدمة الطويلة التي تبعث على الغثيان كوجبة بائتة في شهر غشت الحار.


أحسست أن صمتي وعدم تجاوبي مع مواضيعه يقتلهويغيظه وقد يفقده ثقة أسياده من ( كبار الحجاج) فيه وهو في أول الطريق كما فهمت من كلامه.


انقلبت نبرة (المناضل اليساري السابق) الجلاد حاليا فجأة إلى صيغة الأمر .
" حدثنا أنت قليلا عن مسارك وهواياتك "
" كل شيء عني تعرفونه وأنت منذ قليل قلت أنك تعرف عني الكبيرة والصغيرة "
" نعم صحيح لكني أريد أن أسمع منك "
" طيب اسألني عما تريد وأنا سأجيبك "


تراجع ربما بعد إشارة من سيده الذي كان يراقب الحوارمنذ بدايته في سرية وصمت. يبدو أنك تعبان وفي حاجة للراحة . اذهب الآن لترتاح , لكن أرجوك لا تحرجني معهم انا من طلبت التكفل بالتحقيق معك. اعتبرني كأخ لك يكبرك سنا وتجربة والله إني أريد لك الخير!!!!


ضرب على كتفيبلطف ووضع كمشة أوراق في كفي : طخذ هذه أوراق فارغة وهذا قلم اذهب واختلي بنفسك وحاول تدوين كل صغيرة وكبيرة منذ خرجت من هنا في المرة السابقة. من رأيت من لم تره, معارفك, اسرتك, عملك, أين سافرت, من ساعدك وبم, كل شيء .... مهما صغر...



__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس