عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-12-2009, 12:48 PM   #8
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

في الزيارة الأولى قضيت ثلاثة شهور وأيام خرجت بعدها إنسانا آخر, كأنني قضيت قرنا. خرجت محطم ومدمر النفسية والصحة.
زادت شكوكي ومخاوفي ومغص بطني. قد يبقوني هنا لشهور أو ربما لسنوات من يمنعهم من فعل ذلك؟؟؟
شاءت الأقدار أن ألتقي فيما بعد بمن مكث هنالك السنة وأكثر من السنة. منهم ب اعتقلوه على الحدود مع ( سوريا الأسد) زار (تمارتهم) التي يطلقون عليها فرع فلسطين . بناية ضخمة ذات طوابق تحت أرضية وسط العاصمة دمشق تنتصب كغول مرعب. يكفي ذكر اسم المكان أمام إخواننا في الهم والمعانات من أشقائنا السوريين لترتعد فرائصهم ويبللون سراويلهم رعبا وهلعا. يحكى أن أحد المساكين بلغته استدعاء للحضور إلى فرع فلسطين لأمر عاجل ما إن أمسك الإستدعاء وعرف مصدرها والمكان المطلوب منه أو المأمور بالتوجه صوبه حتى شهق شهقة خرجت روحه على إثرها هلعا ورعبا. سراديب الموت الشيطانية تنتشر كنبات فطر سام على طول هذا المعتقل الأمريكي الكبير الذي سموه الوطن العربي, من المحيط إلى الخليج. لم يتوحد بنو يعرب ولم (يبدعوا) إلا في هذا المجال يقتتلون...يتقاطعون...يتدابرون...يلعن بعضهم بعضا...وفي نفس الوقت يتبادلون الخبرات والطرق الجديدة وآخر ابتكاراتهم التي تجعل الإنسان يتكلم بما رآه في منامه وتمناه في صحوه قبل عشر سنين....
مكث صاحبي هناك ستة أشهر. استدعاني مرة للمبيت عنده في زنزانته وتناول وجبة العشاء برفقته ونحن بسجن الدار البيضاء. حدثني عن مساره,سمعت العجائب والغرائب. بكى حينها بكاء مرا وبكيت معه. وضحكنا أيضا حتى دمعت أعيننا لكثرة الهم الذي يضحك من كثرته. بدت لي مأساتي حينها لاشيء أمام هول ما حكاه لي. أذكر أن مما أضحكني وجعلني أستلقي على قفاي مقهقها. حكاية شاب من تونس المكلومة بدورها
كان نزيلا معهم بمعتقل أسد سوريا. جرت العادة والروتين في بداية كل تحقيق أن يسألوا عن كل شيء الإسم والأم والأب والعم والخال والجار والجد السابع...ثم سألوه سؤالا غريبا.هل أنت سني أم شيعي؟؟
ارتأى المسكين وهداه تفكيره لحيلة المراوغة عل التقارب السوري النصيري والإيراني الرافضي وشهر العسل الذي تمر به علاقاتهما يشفعان له. فأجابهم :" كنت سنيا وتشيعت"
فطنوا لكذبته فردوا عليه من السنة النبوية :"ألم تسمع قول النبي من بدل دينه فاقتلوه " فصلب بعدعا عار تماما على سرير حديد ثم ركز الصعق الكهربائي على خصيتيه حتى صارتا كخصيتي فيل أفريقي مريض.
تذكرت الشاب الذي أتوا به ولم تكن له أي علاقة بالإلتزام الديني بتاتا. كانوا يعذبونه ويسألونه أسئلة كبيرة, وحين يقسم لهم أنه حتى الصلاة لا يصليها يصرخون فيه :
"الذي لايصلي كافر. إذن فأنت كافر. لماذا لا تصلي ياكلب ياكافر...يا ... " فشرع يصلي في السرداب...
حدثني أنهم كانوا يحشرون المائة فرد وزيادة في غرفة لا تطيق أزيد من عشرين فردا من مختلف الجنسيات يأكل أجسامهم البق والقمل والجرب والحكة وعلل أخرى لم يعرفوها إلا في ذلك المكان الرهيب في ضيافة الأسد علينا وأمام اليهود نعامة. الله يلعن أبناء الكلب. مع اعتذاري للكلاب فهي أوفى منهم . اللعنة...
قتلة في الصباح و أخرى في المساء هذا هو البرنامج عندهم و أحيانا يزيدون مع كل هذا يحكى أنهم كانوا محظوظين مقارنة مع أبناء البلد و جيرانهم اللبنانيين و الفلسطينيين "كنا نراهم ونحن نقاذ إلى المرحاض لقضاء حاجتنا البيولوجية اللذين أو إلى غرف التحقيق . هياكل عظمية زرعت فيها الروح كسجناء معسكرات ستالين بأضلاع بارزة يرتدون أسمالا يبدون فيها كممثلي أفلام الرعب أو كخارجين من قبور. منهم من قضى السنوات الطوال دون محاكمة أو حتى تعلم أسرته شيئا. يموت الواحد منهم فيحمل في بطانية عفينة إلى وجهة مجهولة دون تغسيل أوكفن أو صلاة عليه . كان المساكين يرفعون أصبع السبابة حين تلتقي عيوننا أن أثبتوا .
اتفق الضيوف يوما – وهي التسمية التي يطلقونها على السجناء الأجانب – أن يصلوا على أحدهم صلاة الغائب . لم نبلغ التكبيرة الرابعة حتى هاجمونا كوحوش جائعة . ضربونا بالعصي و أعقاب البنادق ونحن قيام نصلي . بعدها منعونا من المرحاض و الماء ليومين متتاليين . كثرت خلالهما حالات الاختناق و الإغماء . ومن غرائب " تمارة الأسد " أن بها زنازن عائلية مخصصة للأسر يحتجزون أسر بعض المطلوبين نساء وأطفالا و عجائز و حتى الرضع كوسيلة ضغط على الهارب لتسليم نفسه . حدثني صديقي أ ن نواح النساء و بكاء الأطفال لا يكاد يهدأ هنالك ليل نهار و أنه لوحده كان عذابا شديد الوقع على السجناء...
"مهما أنسى. فلن تفارقني صورة ذاك الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة بعد أشقر بعينين زرقاوتين تنطقان بالبراءة والبؤس طالت مدة إقامته هناك رفقة أمه وإخوته الصغار . كان هو أكبرهم. أحدهم رضيع لم يكن يكف عن البكاء من الجوع و الحر الخانق في تلك الأقبية المقيتة ورائحة الرطوبة والعفونة والقيء والصديد... حين طالت مدة إقامة الأسرة المسكينة شرعوا يسمحون للطفل الأشقر بالخروج من زنزانة أسرته ليتدبر لشقيقه الأصغر حليبا مجففا من زنزانتنا. كانت هذه الحالة الإنسانية فرصة للخبثاء للمزيد من الإبتزاز. حتى ضاعفوا ثمن علبة الحليب خمس مرات عن ثمنها الأصلي حين نجمع المبلغ اكتتابا بيننا أو يتطوع بعض الإخوة الميسورين من أبناء الجزيرة العربية أو غيرهم لشرائها يبدأ الحارس المجرم في المساومة والتلكؤ حتى نرفع القيمة. فطن الخبثاء لنقطة ضعفنا فصاروا يتركون الطفل الأشقر يتجول في الممرات ويطلب منا ما تحتاجه أسرته. حليب, حفاظات الأطفال, أدوية طعام... لم يكن لنا من حل غير الإعتناء بهم...
في يوم ما. سأل أحدنا أحد الخبثاء الذي كان يظهر ويتصنع التأسف لحالنا طمعا في العملة الأجنبية لأنه لم يكن يقبل التعامل بالليرة السورية
عن سر وجود هذا الطفل هنا وأسرته فأجاب الخبيث بتشفي وحقد :
" أحسن لهم أن يكونوا هنا حتى لا يصيروا كوالدهم الذي تعبنا"
ومن يكون والدهم ؟؟؟
إنه أحد رؤوس الإرهابيين الشيشانيين "
بعد أن أمضى صاحبنا ما قسمه الله له و لم يستطع تدبير مبلغ 6000 أورو التي طلبها سمسار المحققين السوريين مقابل إطلاق سراحه وعدم ترحيله إلى بلده .
أركبوه و آخرين من أمثاله في طائرة باتجاه المغرب.
" كدت حينها يغمى علي من شدة الفرح و أنا في الطريق إلى بلدي أحسست وكأني خرجت من الجحيم دون أن أدري أن سقر في انتظاري حيث سأقضي ما يقارب السنة . أطلقوا بعدها سراحي. لم أنعم بنسيم الحرية سوى أيام حتى أعادوني مثقلا مرة أخرى . فكان نصيبي من الكعكة عشر سنوات نافدة » . صيرته الفترة التي قضاها هناك خبيرا و محللا سياسيا لا يشق له غبار. متخصصا في الشأن السوري . يضاهي و يتفوق على الكثير من معتوهي القنوات الفضائية من مدعي المعرفة و التحليل المأجورين.
مرة و نحن نناقش في باحة السجن الأزمة السياسية بين سوريا و الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت في أوجها . كان رأيه مخالفا للجميع . بل كان يقسم بالأيمان المغلظة و يجزم قاطعا أن أمريكا لن تهاجم النظام السوري و أن كل ما يجري لا يعدو أن يكون مجرد مسرحية مكتملة الأدوار و الفصول , كل طرف يلعب فيها دوره باحترافية و إتقان. انتهت بعد ذلك الأزمة و شاهدنا الأسد يصافح المبعوث الأمريكي إلى المنطقة في فرح و انشراح واضح. حينها خاطبت صاحبي صدق من قال : من رأى ليس كمن سمع . و أنت رأيت و سمعت و ذقت.
يتبع بأذن الله
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس