الأمراض النفسية والإجتماعية
فمما تقرر في شريعتنا أنها إنما جاءت لتحصيل المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسدوتقليلها، فما خلص أو غلب نفعه كان حلالاً، وما خلص أو غلب ضرره كان حراماً.
والخمر والمخدرات من القسم الثاني بلا منازع، وأضرارهما ومفاسدهما مما تواترعلمها عند القاصي والداني، والعالم والجاهل. فمن أضرار الخمر ما ذكره الحق سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمروالميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) [المائدة: 90-91].
ففيهاتين الآيتين أكد الله تحريم الخمر والميسر "القمار" تأكيداً بليغاً إذ قرنهمابالأنصاب والأزلام، وجعلهما من عمل الشيطان، وإنما عمله الفحشاء والمنكر، وأمرباجتنابهما، وجعله سبيلاً للفلاح، وذكر من أضرارهما الدينية: الصدِّ عن الواجباتوالفضائل الشرعية من ذكر الله والصلاة، وذكر من أضرارهما الاجتماعية: تقطيع الصلات،وإيقاع العداوة والبغضاء.
ومما يبين أضرار الخمر طبياً ما قاله أحد الباحثين: إنالإنسان لم يصب بضربةٍ أشد من ضربة الخمر، ولو عمل إحصاءً عاماً عمن في مستشفياتالعالم من المصابين بالجنون، والأمراض العضال بسبب الخمر، وعمن انتحر أو قتل غيرهبسبب الخمر، وعمن يشكو في العالم من آلام عصبية، ومعدية، ومعوية بسبب الخمر، وعمنأورد نفسه موارد الإفلاس بسبب الخمر، وعمن تجرد من أملاكه بيعاً، أو غشاً بسببالخمر... لو عمل إحصاء بذلك، أو ببعضه، لبلغ حداً هائلاً، نجد كل نصح بإزائهصغيراً.
وأما المخدرات فحدث عنها ولا حرج، فما من مفسدة في الخمر، إلا وفيالمخدرات أضعافها، ففي الإحصاء الأخير الذي أجري في فرنسا أشار إلى أن هذه المواد (المخدرات) يفوق عددها 500 مركب، تتصف جميعها بالسيطرة على المريض، وتؤدي إلىالاضمحلال البدني، والانهيار النفسي، والضعف العقلي... وعلاوة على ذلك، فإن هذهالمواد - نظراً لابتعادها عن حدود المراقبة القانونية- تباع في أسواق التهريب بصورةغير نقية، وقد تحتوي على شوائب خطيرة السمية، تضاف بقصد الغش، أو لتقوية فعاليتهاالمخدرة.
وبناءً على ذلك، فلا يمكن مسبقاً التنبؤ بالفعالية التي تنتجها هذهالمواد، بل يمكن الجزم بأن آثارها الخطيرة ستكون متنوعة، ومختلفة تمام الاختلاف،والشيء الوحيد الذي يجمع بينها أنها تؤدي إلى الانهيار والإذعان التام لسيطرةالعقار المخدر، بالإضافة إلى التأثير الواضح على العقل والبدن على حد سواء. اهـ. نقلا عن المخدرات من القلق إلى الاستعباد لمحمد محمد الهواري.
كل ذلك يجعلنانحمد الله سبحانه على ما شرع من دين محكم أحل لنا فيه الطيبات، وحرم علينا الخبائث،ولنتأمل بعين البصيرة كم يخسر العالم اليوم اقتصادياً واجتماعياً وصحياً ونفسياًبسبب هذه الأثافي، ففي بلد مثل كولومبيا تتراوح عدد الوفيات فيه بسبب المخدرات مابين ثلاثة آلاف إلى عشرة آلاف شخص، وفي أمريكا تنفق الحكومة فيها ما لا يقل عن 18مليار دولار لجهاز مكافحة المخدرات، ويصل ما ينفق من الناتج المحلي على التداعياتالسلبية للمخدرات ما يوازي 50 مليار دولار، فهذا قليل من كثير مما يدلنا على سلبياتوأضرار هذه المحرمات. والله أعلم.