مرة أخرى. تمنيت الموت وراودتني فكرة الإنتحار الشيطانية.
قمة العذاب أن تسمع استغاثات المعذبين وصرخاتهم الرهيبة وأنت لا تملك لهم شيئا. قد تفوق هذه الوسيلة في التعذيب بالسماع,الطيارة والصعق والشيفون نفسه...أعتذر...لا...لا...إلا الشيفون...إلا الشيفون...
خلتهم ينزعون أظافره أو يقطعون جهازه التناسلي بشفرات حلاقة كما فعلوا مع بعض من سلمتهم لهم أمريكا من غير المغاربة لانتزاع اعترافات منهم بالوكالة عنها.
توالى صراخه وتعالى,وازداد إصراره العجيب على اللاقول ...وازداد قلبي خفقانا وجسدي ارتعاشا.
انفجرت في نوبة بكاء داخلي مرير. ترى أي قول يريدونه قوله؟؟؟
أهو شهادة على مكذوبة وسيناريو مصطنع على نفسه يريحه من عذاب مؤقت ويطوح به في غيابات الجب العميق حيث يفني زهرة عمره وشبابه. يصارع العذاب والموت البطيء.؟؟؟!!!
ترى لم كل هذا وأي بشر هؤلاء؟؟ ألهم أسر, وأطفال؟؟ هل يداعبونهم؟؟
أيعيشون بيننا ويأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ويركبون الحافلات وينظرون في وجوه الناس كما نفعل ويفعل بنو البشر كلهم؟؟؟
آه...آه...آه...لو أني لي بهم قوة. تخيلتني أصفهم فأجز رؤوسهم واحدا واحدا... أو أرمي بهم من قمة جبل شاهق . أو أرمي بهم في قعر فرن ملتهب...
استعذت بالله من الشيطان الرجيم. بعد ما كنت أتردد كثيرا قبل قتل صرصار أو طرد قط ها أنذا قد سكنني شيطان الإنتقام والحقد. هم السبب,
ومن يمر من هناك ولا يسكنه شيطان الغل والحقد والإنتقام؟؟؟!!
إنه مصنع كبير لتفريخ وحضانة الضغينة بامتياز...!!!
لاأشك في أنهم سيجنون في يوم قريب, ما يستثمرونه هذه الأيام في هذه المصانع وما ينتجونه. حينها لن ينفعهم الندم.
أسائل نفسي باستمرار. كيف برأ من هذا بعض ضحايا الماضي ممن سمعناهم مرارا يرددون أنهم عفوا وصفحوا. بل أكثر من هذا صافحوا جلاديهم أمام العدسات المرتقبة لالتقاط حميمية اللحظة الصطنعة ربما.
أتستطيع حفنة مال أن تطمس فطرة خلقها الله فينا. أم هو كلام ضعيف عاجز انطبق عليه مثل القط الذي لم يتمكن من بلوغ قطعة لحم فقال أنها منتننه.
أجاهد نفسي ليومي هذا لأقتل الشيطان الكامن في داخلي فيأبى...أكاد أقضي عليه بالأمل واستحضار أحاديث وآيات الصفح. يترنح ثم يعود بعودة وجوههم التي لا تكاد تفارقني. تذر ملحا على جراحاتي التي تأبى الإندمال.
أيقظتني من تساؤلاتي صرخات المسكين مرة أخرى. رسمت له هو الآخر بورتريها سريعا في مخيلتي معتمدا في ذلك لكنته السوسية وصلابته وتحديه الناذر....نحيل ضعيف البنية الجسم. عيناه واسعتان غائرتان. قصير القامة فاحم الشعر...
خفتت الأصوات مرة أخرى فشحذت سمعي وأجهدت نفسي أكثر لسماع بعض ما يجري."سوريا...العراق...الموصل...أبو جابر...أبو ضحى...أبو فلان ...أبو علان...الإيميل...الباسبور...
فهمت الموضوع مما وصلني بصعوبة من كلماتهم المتقطعة . كلنا في الهوى سواء يا صاحبي السجن. ضحية أخرى ممن ابتلعهم أخدود الحرب بالوكالة, ودمغتهم مقولة وشعار هولاكو الزمان " معي أو مع الإرهاب"
جلبة وضوضاء تقترب مني هذه المرة في الممر. أعادوا المسكين محمولا أو مجرورا, رموه في زنزانته, سمعت جسده يتهاوى محدثا دويا وهو يرتطم بالأرض. أغلقوا الباب بقوة كالعادة, عادوا
يلهثون ...يسبون...ويلعنون... انغمست في حزني وآلامي وبكائي المرير. ما أبشع الإحساس بالضعف( والحقرة)
وكزني شيطان الإنتقام من جديد. فسرحت بخيالي بعيدا...قطعت رؤوسهم...سملت عيونهم...
لم أذق طعم النوم مذ ولجت المكان. لا أدري أهي الصدفة التي رمت بي في زنزانة تجاور غرفة التحقيق,أم هو سبق إصرار منهم وترصد. ارتفع صوت المكبرات.
رجع صدى المكان يزيد صوت المغني قوة. تكاد ترج الجدران, وسيلة تعذيب رهيبة من نوع خاص, شعارها , ممنوع النوم في هذا المكان. ليلة أخرى من ليالي السهر والعذاب. ربما يشربون نخب (النصر) في هذه اللحظة على الإيقاعات الصاخبة. رائحة الخمور لا تبارح أفواه (حجاج العهد الجديد) هي لحظات استراحة ربما. قبل أن تدور رحى العذاب من جديد...
حاولت جاهدا ربط أطراف الخيوط التي تركوها لي مشبكة في جلسات العذاب الأخيرة. لحد الساعة لم يطرحوا مسألة سفري. مجرد رموز وكلمات وألغاز توحي لي بذلك.
على العموم ليس لي ما أخسره. ما وقع قد وقع وقدر الله وما شاء فعل. ولن يصيبني إلا ما كتبه الله لي في اللوح المحفوظ.
صدق حدسي هذه المرة... هما ضحيتان...صغيرا السن...يسحان الدمع الغزير المصحوب بالترجي والإستغاثة : "الله يرحم الوالدين آلحاااج ..."
"قلت لك يا ولد الق...أنا ما عندي والدين...أنا ولد الحرام لقوني مرمي قدام جامع ...أنا أبو جهل...أنا أبو لهب...ههههه يقهقه بصوت جهوري.
يزيد بكاؤهما وخوفهما..." الله يخلي ليك لوليدات آلحاج...لوليدات آلحاج"
يصرخ فيهم أبوجهل اللقيط : " شكون فيكم الأمير...شكون الأمير...؟؟؟ "
يقسمان بأغلظ الأيمان أنهما لا يعرفان شيئا...أظن أن الطاحونة لم تدر بعد. أبدل بالغ الجهد لأسمع ما يدور.
" يا لاه اللي ماشي أمير يحيد سروال الأمير"
(من ليس بالأمير فلينزع سروال الأمير)... يصمتان... فتدوي اللطمات واللكمات والصفعات وأوامر اللقيط أبو لهب بصوته المرعب المدوي :
"حيد ليه السروال آولد القح... ( "انزع سرواله يا ابن العاهرة ")
يسحان الدمع غزيرا ويشرعان في نزع سروال بعضهما البعض على تشجيعات وسخرية المجرمين, للبراءة من الإمارة المزعومة...تتعالى عبارات التشجيع والإستهزاء والتشفي...
"هاذي هي دار الحق, من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " استعارة إبليسية خبيثة لآية عظيمة أضحت كاللازمة تردد على مسامع كل من ساقه القدر إلى المكان القذر.
__________________

|