عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-11-2009, 03:06 PM   #22
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

تحاملت على ركبتي اللتان لم تعودا تقويان على حملي... خارت قواي من هول الصدمة وزادت قيود الأرجل من إعاقة حركتي ... وصرخاتهم تحثني على الإسراع... أجر رجلي... صرت كصغير حمار وحشي داهمت أمه السباع, تحته على الإسراع وهو لا يقوى. صرير باب حديدي, أكز أسناني.

"انزل...انزل..." باب سقر الدنيوية قد فتح..."انزل...انزل...". لم أتعود بعد على قيود الأرجل ." انزل..." كيف أنزل؟؟ تلكأت قليلا خوفا من السقوط. فجاءتني اللكمات متتالية. لكمات محترف يعرف أين يضرب.

"انزل مال أمك مشلول أو معاق"
نعم أنا مشلول وأعمى لا أرى شيئا أمامي. خاطبت نفسي طبعا ...

رفعني اثنان بعنف من تحت إبطي... بضع درجات إلى الأسفل ,ثم جروني بضع أمتار, ألقوني أرضا,
شرعوا في نزع قيودي وأزالوا الكيس عن رأسي.

سحبت نفسا عميقا كنت في حاجة له من منخري وفمي معا. مسحت الغرفة المتوسطة الحجم بسرعة من غير لفت الانتباه. مكتب يحتل إحدى زواياها, أربعة كراسي, ثقب مرحاض, صنبور ماء, قارورات مختلفة الأحجام والأشكال بعضها مكسرة الرؤوس,عصي, حبال, أدوات تعذيب وآثار دماء... فهمت الرسالة التي تعنيني من هذا المشهد.

هناك وجوه حين تنظر لها تعلمك الحب وتشعر معها بالسعادة والمرح... أمي... جدتي ... وجوه أطفال الجيران البريئة... وهناك وجوه تقرأ على صفحاتها الصدأة سطور البغض والكراهية... والشقاء الأبدي... سحناتهم كالحة... بياض عيونهم تحول إلى حمرة ,وأجفانهم أحاط بها السواد والزرقة.

ساءلت نفسي مرارا . هل يضحكون ومتى يفعلون ذلك؟؟
شرعا في تفتيشي تفتيشا دقيقا وسريعا لم أكن أرتدي سوى لباس نوم خفيف
"فايت لك دايز عندنا هنا...؟؟" = سبق وأن مررت من هنا؟؟؟

أجبته دون النظر إليه" نعم دوزت هنا ثلاثة أشهر ...ثلاثة أشهر وأيام... زدت في نفسي لكنها كثلاثة قرون. نعم لا أبالغ إن قلت ذلك...

"مرحبا بيك...الدار دارك...أنت كليان =زبون قديم... بلا ما نوصيك... أنت عارف كل شيء هنا ما ينفع غير الصح..." حركت رأسي نعم أعلم...

ولج الغرفة رجل مقنع لا تبدو منه سوى عيناه. قناع أسود. ذكرني بمليشيات الموت الرافضية التي جاءت خلف دبابات الاحتلال لتنشر الرعب في العراق. أخبرني -ع- في إحدى رسائله أنهم عيون التتار الجدد كأجدادهم ابن العلقمي وصحبه. كانوا يحملون قوائم موت بأسماء للتصفية بدعوى الانتماء لحزب البعث البائد وعناوين كل أدمغة العراق. علماء, أطباء, مهندسون, جامعيون... من أهل السنة طبعا.

كان يحمل معه آلة تصوير حديثة. لم أعد أذكر كم عدد الصور التي أخذ لي الرجل المقنع أمام خلف, يمين, يسار... بعدها أخذ بصماتي وعينة من لعب فمي.
عصبوا عيني هذه المرة بخرقة سوداء تنبعث منها رائحة البول المعتق وأعقاب السجائر وصفدوا يدي إلى الأمام هذه المرة.

تذكر رقمك ولا تنساه حين تسمع النداء عليك, ارفع يدك وقم من مكانك... إياك أن تكلم من بجانبك ... المرحاض مرتين في اليوم... حذار من إنزال البانضة... صرت مجرد رقم في لائحة طويلة لا تكاد تنتهي...

ما الذي يجري؟؟!! في المرة السابقة كنت في زنزانة لوحدي. أنزع العصابة عن عيني بمجرد ولوجها حين عودتي من التحقيق. وكان لي مرحاضي عبارة عن ثقب في زاوية أجلس فيه كما أشاء ومتى أريد؟؟!!

بدأت أفك بعض الطلاسم والألغاز حين رموني وسط كومة من الأجساد المنهكة في ممر بارد يؤدي إلى غرف التحقيق. رائحة العرق والقيء الكريهة تعم المكان والأنين لا يكاد يكف أو يهدأ. كغرفة في قسم مستعجلات اكتظت بضحايا حادث سير جماعي. يبدو أنني جئت أو جيء بي في أيام الذروة. لم تعد الزنازن تكفي. اللهم سلم ... اللهم سلم...
__________________





آخر تعديل بواسطة أوان النصر ، 30-11-2009 الساعة 03:18 PM.
أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس