عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 28-11-2009, 06:14 PM   #14
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

كان الوقت قد قارب غروبالشمس التي احمر قرصها وبدت شاحبة كئيبة وهي تغوص بتثاقل في الأفق الأزرق البعيد... استسلمت لبكاء مرير غير مبال بنظرات بعض العشاق الذين تناثروا في المكان . قد أكونعكرت عليهم ( صفو خلوتهم ) تجرأ أحدهم فتوجه صوبي تاركا مرافقته على بعد أمتار. كانت خطواتها مترددة تنتظر ردة فعلي مع مرافقها لتتشجع على التقدم نحوناأكثر...يبدو مثقفا في بداية الثلاثينات من عمره يحمل حقيبة يدوية جلدية ويرتدي بدلةأنيقة بدون ربطة عنق ...
"السلام عليكم..."
خنقتني الدموع والشهيقفلم أجبه.
مالك أخويا تبكي واش خاصكشي مساعد ؟؟؟
استمر نحيبي وشهيقي . أمدني بمناديل ورقية ذات رائحة زكية أخرجها من جيبه. وأنا أمسح بها دموعي أعاد طرحالسؤال مبديا رغبته واستعداده في مساعدتي. ظن المسكين أنني غريب تقطعت به الحبال. هكذا فهمت من كلامه. تشجعت صاحبته وتقدمت نحونا هي الأخرى قد يكون أشار عليها بذلك :"
ماذا به... المسكين؟؟؟"
لم تنتظر جوابه, فخاطبتهبفرنسية سليمة.
"يبدو أنه يعاني من مرضنفسي أو صدمة قوية أنظر إلى حركة خده الأيسر"
(Il parait qu’il est choqué ou il souffre d’une maladie psychologique. Regarde sa joue gauche qui bouge).
لا أدري كيف عرفت حالتيالمرضية حين نطقت بها تحديدا باسمها العلمي الطبي. قد تكون أخصائية وربما ساعدتهاالأعراض التي تظهر علي في مثل هذه الحالة لا إراديا من رجفة اليدين وارتعاش الشفتينواهتزاز رأسي كملاكم سابق أو مصاب بمرض الزهايمر. تلك حالتي كلما توترت أعصابي أوبكيت منذ غادرت سراديبهم في المرة الأولى. شجعت خطواتهما شاب آخر ورفيقته ضلايرقبان المشهد من بعيد فتقدما نحوي . سألوا عن سكناي فلم أجب. عرض علي الثانيإيصالي بسيارته إن أنا رغبت في ذلك... أكره مواقفا كهذه أجدني فيها ضعيفا عاجزامثيرا لشفقة الآخرين وإنسانيتهم . أحسستهم يصطنعون ذلك أمام مرافقاتهم . لم أدر ولمأذكر أمام إلحاحهم وأدبهم المبالغ فيه, أو هكذا بدا لي, كيف خرجت الكلمات من بينشفتي المهتزة :
"مات أخي... أخي مات ...عانقني الأول صاحب الحقيبة الجلدية معزيا ومواسيا بكلمات يتداولها الناس في مثلهذه المناسبات وكأنه يعرفني من زمن طويل تقاطرت على مسامعي كلمات التعزية والمساواةعلى الطريقة المغربية في مثل هذه المناسبات والمواقف. لا أدري كيف كانوا سيتصرفونلو علموا كيف مات وأين قضى . أبديت لهم بلباقة وأدب رغبتي في البقاء وحدي فتفهمواالأمر. كنت رغم لطفهم أحسهم أثقل من جبل على صدري. عادوا لخلوتهم وبقيت متسمرامكاني أرقب قرص الشمس الآفلة أنتحب كثكلى فقدت كل أبنائها ...
في هذه اللحظة كان منالمستحيل أن لا أسترجع شريط ذكرياتي أن لا أسترجع شريط ذكرياتي معه. كلام (الفليلسوف) هكذا كنا نلقبه. لازلت أحتفظ به كعقد ثمين لا يفرط به. كان دائم الصمتوإذا نطق أرغم الجميع على الإنصات ...
" إنتباه ...إنتباه... سكوت ...سيدي عبد الرحمن المجذوب سينطق بالحكمة".
هكذا كنت أمازحه منتشيا, فرحا, بقدرتي دون غيري على إخراجه من دوامة صمته وإشراكه في نقاشاتنا اللامنتهيةالتي لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ من جديد. وتنتهي بخصومات ثم حفلة عناق للتسامحوالإعتذار...
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس